لا شيء يُرغِم نتنياهو على التراجع
مقالات

لا شيء يُرغِم نتنياهو على التراجع

بينما اشتغلت الولايات المتحدة بالشراكة مع مصر والأردن، بحضور فلسطيني إسرائيلي على خفض التصعيد في الضفة الغربية والقدس، باعتبار ذلك ينطوي على خطورة بالغة تهدّد بانفجار شامل، كان على المجتمعين في "العقبة" و"شرم الشيخ" بذل ما يستطيعون من جهود، لإطفاء النيران التي تشتعل في الداخل الإسرائيلي.
على الأطراف المؤثّرة في الأوضاع، توجيه الكثير من الضغط على الطرف الذي يتحمّل المسؤولية عن التصعيد، وليس على الطرف الفلسطيني، والامتناع عن وضع الضحيّة في موازاة الجلّاد.
واقعياً، تبدو السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع مُريح بعد أن نجحت في نزع الذرائع، وإعفاء نفسها من المسؤولية عن رفض التدخّل الأميركي المصري الأردني، فلقد استحوذت التطوُّرات الداخلية في إسرائيل على اهتمام المجتمع الدولي والإقليمي على نحوٍ تراجعَ معه السعي من أجل خفض الصراع في الضفة وقطاع غزة.
إسرائيل عملياً كدولةٍ ومجتمع دخلت مرحلة أزمة خطيرة، لا مهربَ منها ولا مخرجَ لها، فلقد ازدادت واتّسعت حدّة الاستقطاب في كل القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية.
قبل أن يُدلي نتنياهو ببيانه لتأجيل التصويت على المشروع الذي يتّصل بالانقلاب على القضاء، وبالتالي على الديمقراطية، كادت البلاد كلّها تدخل في مرحلة شللٍ كامل.. العمّال، الاقتصاديون، المصارف، الأطباء، موظفو الطيران، السلك الدبلوماسي، حتى بعض القطاعات التي تتصل بالجيش والأجهزة الأمنية، كانت كلّها على أعتاب عصيانٍ مدني واسع كان سيُدخِل إسرائيل في كارثة.
تحت ضغطٍ داخلي قوي بسبب اتساع دائرة التظاهرات والاحتجاجات، والانقسام، والإضرابات، اضطرّ نتنياهو للنزول شبراً واحداً عن قمّة الشجرة.
إعلان نتنياهو تأجيل التصويت لأسابيع، وليس إلغاء مشروعه، يشكّل مناورة، تتّصف بالخداع، ريثما يرتّب أوراقه الداخلية، الخاصة بالائتلاف، الذي كاد يتفكّك بين من يصرّ على المضيّ قُدُماً ومن يعترض.
"المعارضة" عملياً، مضطرّة لفحص مصداقية نتنياهو ولذلك استجابت لحضور المفاوضات في منزل الرئيس اسحق هرتسوغ.
جاهل من يعتقد أن نتنياهو وحلفاءه، يمكن أن يتراجعوا عن مشروعهم، فهم أيضاً يملكون جمهوراً يستطيعون إخراجه إلى الشارع، بمئات الآلاف مقابل الجمهور الذي يخرج خلف "المعارضة".
وجاهل، أيضاً، من يعتقد أنّ نتنياهو سيُفرّط بائتلافه واستمرار حكومته، وإنهاء حياته السياسية في السجن أو خارج الحكومة.
لقد نجح نتنياهو في إقناع المتطرّفين المتمسّكين بمشروعه من وزير العدل ياريف ليفين، إلى بتسلئيل سموتريتش، إلى إيتمار بن غفير، وهو مستعدّ لأن يقّدم لهم كل ثمن يُبقيهم على وجودهم في الحكومة، ولكي يقبلوا تأجيل التصويت على المشروع الذي يتمسّك به هو وهؤلاء وغيرهم.
على سبيل المثال، وبعد إقالة يؤاف غالانت وزير الجيش، تلك الإقالة التي ظلّت مُعلّقة، يشترط نتنياهو لإعادته إلى وزارة الجيش، أن يتنازل عن عضويته في الكنيست.
يُريد نتنياهو من وراء ذلك، إزالة عضو كنيست، يرفض مشروع الانقلاب الديمقراطي، لصالح آخر يوافق عليه حتى يضمن بقاء الأغلبية في الكنيست لصالح سياساته.
وفي حين تبدأ المفاوضات بأمل التوصُّل إلى تسوية، يناقش الكنيست مشروع قانون آلية اختيار لجنة القضاة.
في الواقع فإن مشروع نتنياهو الانقلابي، لا يتعلّق فقط بالداخل الإسرائيلي وإنّما يطال آفاق الصراع مع الفلسطينيين حيث يعتقد سموتريتش أن هذا التغيير سيُتيح المجال لإنشاء مبنى قضائي شرعي أي ذا طابع ديني يمكنه أن يسهّل سياسات الاستيطان والضمّ للأراضي الفلسطينية المحتلة.
"صفقة نتنياهو وبن غفير" تأتي في هذا السياق، فبالإضافة إلى الصلاحيات الممنوحة لبن غفير، سيكون بمقدوره إنشاء "حرس وطني" يخضع لوزارته، وستكون له مهمّات تتّصل بالأوضاع الداخلية.
نتنياهو وافق على زيادة ميزانية وزارة الأمن القومي، بمقدار تسعة مليارات شيكل، يُرصّد هذا المبلغ لصالح إنشاء "الحرس الوطني".
لا تقتصر المخاوف من وراء ذلك على "مُعارضي" الحكومة، الذين يعتقدون أن "الحرس الوطني" سيستخدم ضدّ خصوم سياسيين ولمصلحة مؤيّدي الحكومة، بل إن العرب، أيضاً، أبدوا مخاوف شديدة على أوضاعهم.
محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، صرّح بأن إقامة ميليشيات فاشيّة تابعة لبن غفير تشكّل تهديداً وجودياً مباشراً على الجماهير العربية.
تصريح بركة ليس مجرّد شعور، أو مخاوف غير واقعية، ذلك أنه يُعبّر عن مخاوف حقيقية، انطلاقاً من رؤية واقعية وحقيقية لأبعاد المخطّط الإسرائيلي العنصري الفاشي الذي يستهدف الوجود العربي في "الداخل"، ويستهدف، أيضاً، ضمّ الضفة والقدس.
نتنياهو يخوض حربَ حياته ومستقبله ودوره وأهدافه الذاتية والاحتلالية، وهو في سبيل ذلك، لا يهمّه ما يحصل للدولة والمجتمع، ولا يهمّه، أيضاً، انزعاج وقلق الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من دول العالم بما في ذلك الصديقة.
يعرف نتنياهو أن هؤلاء الحلفاء سيضطرُّون للتعامل معه ومع حكومته ولو بعد حين، من منطلق التعامل مع الأمر الواقع، ولأن حلفاء إسرائيل لا يزالون يعتمدون عليها كأداة لمشروعهم الاستعماري في المنطقة.
هكذا حصل في كلّ المرّات، التي وقع فيها خلاف بين نتنياهو وبين الإدارات الأميركية، خصوصاً الديمقراطية، بل انه نجح في الحصول منها على مزيدٍ من المكافآت والدعم.
وبرأينا أن المفاوضات التي يُشرف عليها الرئيس هرتسوغ، ستساهم فقط في استنزاف الوقت، ومحاولة تبرير الأوضاع، إلى أن يُعيد نتنياهو ترتيب أوراق ائتلافه الحكومي، وضمان استقرار الحكومة.
بالتأكيد يُبدي نتنياهو اهتماماً لاستطلاعات الرأي التي يفيد آخرها، وأجراه معهد "كانتر" الإسرائيلي، والذي يشير إلى تفوُّق بيني غانتس ويائير لابيد عليه لرئاسة الحكومة، ويشير إلى تراجعٍ كبير في شعبية "الليكود، من 32 مقعداً إلى 25 مقعداً، وتراجع ائتلافه الحكومي إلى 53 مقعداً، ولذلك فإنه سيعمل المستحيل حتى لا تجري انتخابات قبل موعدها بعد أربع سنوات.
كل السيناريوهات التي يمكن تخيُّلها، لتطوُّر الأوضاع في إسرائيل تشير إلى سيناريو واحد، وهو بقاء الحكومة، واستمرارها في مسعاها الانقلابي، ما سيؤدّي حتماً إلى اندلاع صراع قد يدخل مرحلة الحرب الأهلية، خلال وقت قريب.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.