في ذكرى انتفاضة يوم الأرض-  هل سينتفض الشعب مجددا؟ ومتى؟ وعلى مَن؟
مقالات

في ذكرى انتفاضة يوم الأرض-  هل سينتفض الشعب مجددا؟ ومتى؟ وعلى مَن؟

في الثلاثين من مارس 1976 خرجت الجماهير الفلسطينية في الداخل لأول مرة بعد النكبة بانتفاضة شاملة سقط فيها شهداء وجرحى ردا على مصادرة الكيان الصهيوني أراضي خاصة للمواطنين الفلسطينيين ومحاولة تهويد منطقة الجليل، وهي الانتفاضة التي تفاعل معها كل الشعب الفلسطيني في الوطن وخارجه وكل أحرار العالم، وحتى اليوم يستمر الشعب الفلسطيني في إحياء ذكرى يوم الأرض.

ما يجري في كل أرض فلسطين في ظل حكومة نتنياهو العنصرية الإرهابية الحالية وحتى ما قبلها من ممارسات إرهابية و مشاريع استيطانية يفوق بكثير ما جرى عام 1976، بل وصلت الوقاحة لإنكار وجود الشعب الفلسطيني والحديث علنا عن دولة اليهود التي تمتد من النيل إلى الفرات، كل ذلك لم يؤدي لانتفاضة دفاعا عن الأرض والمقدسات، صحيح أن فدائيين يقومون بأعمال بطولية فردية ويسقط شهداء إلا أن الأمر لم يصل لمرحلة انتفاضة شعبية، كما تقف الطبقة السياسية والأحزاب موقفا عاجزا ومرتبكا أمام هذا التهديد الوجودي ويقتصر دورها على إصدار بيانات الشجب والاستنكار والتهديد باللجوء للمنظمات الدولية.

فلماذا انتفض الشعب في يوم الأرض عام 1976 رد ا على محاولة تهويد الجليل وفجر انتفاضة الحجارة في عام 1987 ردا على مقتل أربعة فلسطينيين من قطاع غزة على يد سائق شاحنة صهيوني، وانتفض عام 2000 ردا على اقتحام شارون للمسجد الأقصى، ولم ينتفض أو يثور عندما أصبحت القضية الوطنية برمتها اليوم تتعرض لتهديد وجودي والأقصى يستباح كل يوم وتجري محاولات محمومة لتهويد كل فلسطين؟

 في اعتقادنا أن المشكلة لا تتعلق بالشعب أو اهتزاز ايمانه بعدالة القضية الوطنية، وحتى مع القول بأن الاحتلال يتحمل مسؤولية عما أصاب القضية في كل المجالات انطلاقا مما قاله الصهيوني المتطرف سموترتش في سياق رؤيته للصراع مع الفلسطينيين حيث قال (علينا هزيمتهم و جعلهم يفشلون في كل المجالات)، ودون إسقاط درجة من  المسؤولية لأطراف عربية ولاختلالات وتغيرات دولية لم تأت بما تشتهى السفن الفلسطينية، إلا أن المشكلة والمعضلة التي تقف حجر عثرة في وجهه انتفاضة فلسطينية شاملة حتى بشكلها السلمي هو ما طرأ على الطبقة السياسية والنظام السياسي الفلسطيني من تحولات، سواء بالنسبة للطبقة السياسية لفلسطينيي الداخل وما مسها من تشرذم وانقسامات داخلية وما أصاب مجتمع فلسطينيي الداخل من انتشار الجريمة والفساد، أو بالنسبة للنظام السياسي الفلسطيني الذي أقامته منظمة التحرير الفلسطينية كنظام حركة تحرر وطني ارتبط به مصير الشعب والقضية.

اختلت والتبست العلاقة بداية بين منظمة التحرير عنوان المشروع الوطني وإسرائيل، ما إن كانت علاقة عداء وصراع مفتوح أم علاقة تسوية سياسية وتعايش؟ وهل ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني أم في مرحلة بناء الدولة؟ واختلت علاقة الأحزاب ببعضها البعض وحتى علاقة الأحزاب المنتمية لمنظمة التحرير مع قيادة المنظمة، واختلت علاقة الشعب بالسلطة و بالمنظمة بحيث باتت مقولة إن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني محل تساؤل وجدل داخليا وخارجيا، واختلت علاقة الفلسطينيين بمحيطهم العربي الرسمي والشعبي، واختلت علاقة حركة فتح وجمهور فتح مع تنظيم فتح، والتبست علاقة حركة فتح مع السلطة ومنظمة التحرير وهل ما زالت حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير، وهل السلطة سلطة فتح أم تم تجيير المنظمة والسلطة من طرف أشخاص من خارج حركة فتح أو من الذين ينتمون اسميا للحركة؟ والتبس مفهوم المقاومة مع تعدد عناوينها وتدخل الأجندة الخارجية في توجيه مسارها وغياب رؤية واستراتيجية وطنية لها، واختلت المنظومة القيمية الأخلاقية والعائلية والدينية حتى أصبح المجتمع مخترقا وفاقدا لحصانته، كل هذا بالإضافة الى الانقسام الذي لم يعد مجرد فصل جغرافي بين غزة والضفة أو خلاف سياسي بين حماس وفتح بل تعمق وتمدد ليمس وحدة الثقافة والهوية الوطنية.

حتى مفهوم القيادة أصبح ملتبسا. من المفترض أن القيادة مسؤولية وطنية وكل قائد في موقعه في المؤسسات القيادية: اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، اللجنة المركزية لحركة فتح، مستشارو الرئيس في مؤسسة الرئاسة، أعضاء المجلس التشريعي، المجلس المركزي لمنظمة التحرير، مكلف بمهمة ووظيفة عليها يتلقى راتبه وامتيازاته، كما يُفترض أنه مشارك في صناعة القرار الوطني، إلا أن الواقع يقول إن اغلب هؤلاء متقاعدون عمليا وبعيدين عن صناعة القرار بالرغم من وجودهم شكليا على رأس عملهم، أو يمارسون أعمالا أخرى ليست ذات صلة بمسماهم الوظيفي الرسمي، ومنهم من يقتصر عمله في نطاق وظيفته الرسمية على إصدار بيانات وتصريحات مكررة و ممجوجة وسخيفة لمجرد إثبات وجوده وحتى لا ينساه الجمهور.

قبل قيام السلطة كان أي حديث عن القيادة الفلسطينية والقرار الوطني يعني مباشرة منظمة التحرير ولجنتها المركزية وعن ياسر عرفات وقيادات كبيرة كل منها يستطيع قيادة شعب ودولة ويستطيع أن يفجر انتفاضة حتى وإن ضحى بحياته في سبيل ذلك، أما اليوم فلم نعد نعرف من هي قيادة الشعب ومن يتخذ (القرار الوطني) في القضايا المصيرية والاستراتيجية.

في ظل نظام سياسي ضعيف وطبقة سياسية عاجزة أوغلت دولة الكيان الصهيوني في ممارساتها العنصرية والاستيطانية والارهابية بدرجة غير مسبوقة وصلت لحد نفي سموترتش الوزير في حكومة نتنياهو لوجود الشعب الفلسطيني ، كما  انفتحت الأبواب على مصاريعها أمام دول وجماعات أجنبية للتغلغل في الحالة الفلسطينية وتقديم المال والسلاح ومن خلال هذا الدعم أصبح للأطراف الخارجية أتباعا وموالين، والولاء لهذه الجهات: إسرائيل، أمريكا، الأوروبيون، قطر، الامارات، تركيا، جماعة الإخوان المسلمين الخ، يعلو في كثير من الحالات على الولاء للوطن، يحدث كل ذلك على مرأى ومسمع القيادة والطبقة السياسية الحاكمة في الضفة وغزة.

ما يزيد المشهد ارباكا رؤية السلطة الوطنية في الضفة تسعى للتعايش مع الاحتلال والتنسيق معه حتى وإن كان تعايشا متوترا كما تتخوف أن تنقلب عليها أية انتفاضة على الاحتلال، وسلطة حركة حماس في غزة توقع اتفاقات هدنة لوقف أعمال المقاومة انطلاقا من غزة كما تنسق مع الاحتلال للحفاظ على الهدنة وضمان تعايش بين الطرفين، كما تتخوف من أن تنقلب عليها أية انتفاضة أو حرك شعبي ضد الاحتلال، والسلطتان الفلسطينيتان تعادينا بعضهما البعض وكل منها تشكك بشرعية الأخرى وتخونها وتعمل على تدميرها!.

في ظل نظام سياسي فلسطيني هذا حاله فإن أية انتفاضة أو ثورة شعبية على الاحتلال تحتاج بداية لانتفاضة وثورة سلمية ديمقراطية على النظام السياسي بسلطتيه وأحزابه، فعند هؤلاء أصبحت مسألة الحفاظ على السلطتين في غزة والضفة أهم من التفكير  باستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال ومشاريعه بتصفية القضية الفلسطينية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.