يلا نحكي: الحكومة ... والمعلمون
(1) أربع سنوات على حكومة "شيل ايدك من جيبتك"
أكملت الحكومة الثامنة عشر أربع سنين كاملة منذ حلف وزرائها اليمين الدستوري في الثالث عشر من نيسان عام 2019. تعرضت الحكومة لتحديات جمة كغيرها من الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، ونجحت الحكومة في بعض الاختبارات وفشلت في محطات متعددة.
اتسمت هذه الحكومة بالسرية والكتمان في قضاء حوائجها؛ فلا تنشر قراراتها مفصلة ولا تطرح التشريعات، بما فيها مشاريع القرارات بقوانين، للنقاش العام واتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في نقاشها أو المساهمة في تطويرها.
اتسمت هذه الحكومة بالحديث الكثير على لسان رئيسها؛ بتقديم وعود وإعلان التزامات متعددة جاءت أبرزها خلال جولاته في محافظات الضفة الغربية على طريقة الحكومات في ستينيات القرن الماضي ذات السير بالاتجاه الواحد. كما اتسمت سياساتها بتغييب الشراكة مع القطاعات الفاعلة في المجتمع بما فيه منظمات المجتمع المدني لتحديد الأولويات الوطنية بما فيها تحمل الأعباء الناجمة عن التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني.
اتسمت هذه الحكومة بإدارة الظهر لوسائل الإعلام فأغلقت عيونها وأبوابها، وتوقف النطق لديها للإجابة على أسئلة المواطنين. وحاولت هذه الحكومة الضغط على المجتمع المدني بإنتاج تشريعات من زمن الاستبداد مستحضرة تجارب دول عربية فاشلة لتقييده والاستيلاء عليه وشيطنته.
اتسمت الحكومة برفضها للمساءلة المجتمعية؛ فلم تقم إجابات واضحة ومقنعة للاستفسارات المطروحة شعبياً، أو توضيح الإجراءات والقرارات التي أثارت نقاشات حادة في المجتمع مثل الامتيازات التي حصل عليها الوزراء دون وضوح الإجراء أو النص الذي يمنح ذلك.
حاول رئيس الحكومة أن يلعب الممثل الوحيد "One Man Show" التي ظهرت بوضوح عند قوله "شيل ايدك من جيبتك" للناطق باسم الحكومة في مؤتمر صحفي على الملأ، إلا أنّ وزير المالية أول أمس رد بذات الطريقة أمام الصحفيين على رئيس الحكومة الذي أعلن في افتتاح جلسة الوزراء في الثالث من هذا الشهر عن تنزيل راتب شهر نيسان قبل العيد، بأنّه لن يتم الالتزام بذلك من قبل وزارة المالية. الأمر الذي يشير إلى غياب المسؤولية التضامنية التي تقتضي التنسيق والتفاهم وعدم المخالفة لقرارات مجلس الوزراء وإنّ صوت الوزير بعكس قرار مجلس الوزراء. حيث أن جميع أعضاء مجلس الوزراء مسؤولين عن أداء الحكومة بأي مجال من مجالات عملها ولا تقتصر على الوزير المسؤول المباشر أو رئيس الوزراء وحده.
عادة مدة الأربع سنوات كافية لتحمل الحكومة مسؤولياتها ومراجعة ما قامت به من أعمال نجاحاً واخفاقاً، وهو عُمرٌ كافٍ لأي جهة لإنجاز مهمتها. وبالرغم من أنْ المشرع الدستوري الفلسطيني لم يحدد آجال زمنية لعمر الحكومة إلا أنّه حدد عمرها ضمنياً حيث أشار في المادة 83 من القانون الأساسي إلى "تعتبر الحكومة مستقيلة ويعاد تشكيلها 1. فور بدء ولاية جديدة للمجلس التشريعي" المحدد ولايته بأربع سنوات.
(2) المعلمون ... والمصلحة العامة
تنبني المصلحة العامة بالأساس على مبدأ العدالة القائم على حقوق الانسان وحمايتها من قبل كل مَنْ تُوكل إليه سلطة عامة، وهي تقوم على قاعدة "المعقولية" بانسجام كل فعل مع مبادئ حقوق الإنسان ومقاصد العدالة وغاياتها؛ أيّ يعد مقبولاً لدى المواطنين أو منطقياً والعكس بالضرورة يتناقض مع المعقولية "عدم المعقولية"، وهي انعكاس لمفهوم الشرعية أيّ الحصول على القبول والرضا العام من قبل الأطراف المختلفة المتأثرة بالفعل.
من نافل القول إنّ الإضراب عن العمل حق؛ وهو فعل مشروع ومحمي وفقاً للقواعد الدستورية المرسومة في القانون الأساسي الفلسطيني لا يجادل أحد بذلك ولا يمكن منعه أو الحط منه، وهو جزء من أدوات حماية حقوق الإنسان وبخاصة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وإحدى وسائل نيل هذه الحقوق أو بعضها. وفي حالة إضراب النقابات المهنية أو المهنيين؛ فإن مسألة الحقوق لا تنحصر بين العاملين وأصحاب العمل فقط كحالة إضراب العمال في المنشآت الاقتصادية، بل هي علاقة قائمة على ثلاثة أضلع هم الحكومة والعاملين ومتلقي الخدمة كالمرضى في قطاع الصحة، ورواد المحاكم والمستفيدين من مؤسسات العدالة في حال المحامين، والتلاميذ في حالة إضراب المعلمين. الأمر الذي يقتضي اتخاذ العناية الواجبة بالحرص على عدم إلحاق الضرر بطرف أو أطراف مستفيدة من الخدمة العامة، وهو ذات الأمر الذي يقتضي إعمال العقل في الخطوات تقدماً وتراجعاً، أو تصعيداً للخطوات الاحتجاجية أو تخفيضاً لها بما يتناسب مع حجم الفائدة المجباة لأطراف الصراع أو الضرر المتحقق على أطراف ثالثة.
إنّ تجاوز استمرار الاستعصاء القائم في السنة الدراسية 2022/2023 وضياع السنة الدراسية الحالية الناجم عن عدم الوصول لنتائج لإنهاء الإضراب في جهاز التربية والتعليم الذي طال لأكثر من الشهرين، ووقف الضرر الحاصل على مصلحة التلاميذ بسبب الفاقد العلمي المتراكم على مدار الأربع سنوات الماضية، يتطلب إعمال العقل بتعليق الإضراب مع الحفاظ على الحقوق المنجزة حتى الآن، واستمرار الأطراف المتداخلة؛ الحكومة واتحاد المعلمين والشخصيات العامة والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وممثلين عن المعلمين المضربين، متابعة الالتزامات والوعود، وامكانية تبني وسائل احتجاجية متدرجة على مدار الفترة القادمة وخاصة أثناء العطلة الصيفية.