في يوم الأسير والذكرى "21 "لاعتقاله.. كلمات من القلب إلى مروان البرغوثي
في ذروة عجزها على كسر شوكة الانتفاضة الثانية؛ استهدفت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي اختطافالنائب مروان البرغوثي، في محاولة يائسة لتحقيق "نصر" ولو رمزي كانت قد عجزت عنه ضد ثورة شعب لميكن ليسمح بتمرير مخططات باراك - شارون لحسم معركة القدس والأقصى، بعد فشل محادثات كامب ديفيد،حيث تبنى باراك حينها مقولة أنه لا يوجد شريك فلسطيني، وكان قد صرح فور عودته من كامب ديڤيد ،أنه " أماط اللثام عن وجه عرفات"، وسمح بعدها لشارون باقتحام الاقصى لاثبات هذا الموقف الذي فجر الانتفاضةالثانية.
كان رأي القائد مروان الذي قاله لي في لقاء جمعنا في مطعم سامر في البيرة بعد انتخاب شارون رئيساًلوزراء حكومة الاحتلال" إن افشال شارون واسقاط مخططاته العدوانية هي الأولوية العليا لشعبنا، وأنالتصدي لهذا العدوان سيسقط شارون، ومعه ستنكسر الحلقة الأصعب والأخطر في جعبة الاحتلال" . إلا أن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر جعلت هذه الأولوية مستحيلة، حيث تمكَّن شارون من ربط عدوانه الشاملضد حقوق شعبنا وقضيته الوطنية، مع الحرب الكونية ضد الارهاب، مستهدفاً بذلك تهشيم عدالة ومكانةالقضية الفلسطينية، تمهيداً لتصفيتها .
كانت حرب باراك ومن بعده شارون قراراً عسكرياً استراتيجياً سبق أن اتخذته المؤسستان العسكرية والأمنيةالاسرائيلية، وأجرت لهذا الغرض مناورات عسكرية بعد انتفاضة النفق لمحاكاة اعادة احتلال المدنالفلسطينية. هذا القرار كان بمثابة بداية تنفيذ الانقلاب الاسرائيلي الدموي كامل الأركان على"عمليةالسلام"، والذي سبق تصميمه باغتيال رابين.
اعتقال مروان، وبالاضافة لمحاولة كسر رمزيته الكاريزمية بفعل دوره المميز في توجيه وقيادة الانتفاضة، فقداستهدف أيضاً محاولة انتزاع اعتراف منه "ضد ياسر عرفات الرأس المطلوب" لوسم الرئيس أبو عمار نفسه"بالارهاب"، وهو ما سجله مروان في كتابه"ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي"، وذلك تمهيداً لعزل أبوعمار وتصفيته. هذا الانقلاب المخطط له بدقة كان بداية الحرب التي نشهد استمرارها اليوم لتهويد القدسوالسيطرة على مقدساتها سيما المسجد الأقصى.
تعرفت على القائد الوطني مروان البرغوثي خلال زياراتي القليلة لجامعة بير زيت، في أواسط الثمانينيات،وتوطدت علاقتنا في عمان خلال عملنا المشترك في اطار لجنة اسناد الانتفاضة الكبرى خلال سنوات ابعادكل منا. كان مروان يمتلك رؤية ثاقبة إزاء متطلبات مستقبل الصراع ضد الاحتلال، وقد اجتهد لتأسيساللجنة الحركية العليا كمرجعية قادرة على التكيُّف مع متطلبات الانتفاضة، سيما لجهة ما أحدثته من انتقالمركز ثقل العملية الوطنية إلى الأرض المحتلة، وما يمكن أن تفضي إليه العملية السياسية التي بدأت فيمدريد ، وطالما تبادلنا الرأي حول متطلبات استمرار النضال الوطني و احكام ربطه مع متطلبات البناءالديمقراطي لمؤسسات شعبنا، التي بدأت نشأتها خلال الانتفاضة ومعارك العصيان الوطني لانتزاع حقشعبنا في الحرية وتقرير المصير . فقد كان مؤمناً دوماً أن وظيفة هذه المؤسسات، بما فيها مؤسسات السلطةالوطنية، التي تشكلت لاحقاً، يجب أن تكون رافعة لصموده في معركة الخلاص الكامل من الاحتلال .
استمرت علاقتنا بعد العودة من ابعادنا القسري، في الخامس من أبريل نيسان 1994، أي قبل شهر مما باتيعرف باتفاق "غزة أريحا"، وكان يرى في المرحلة الانتقالية فرصة لبناء المؤسسات القادرة على تعزيز صمودالناس، وترسيخ الديمقراطية التي يحتاجها نضالنا الوطني، ويستحقها شعب الانتفاضة لتجديد قياداتهفي معركة الحرية المستمرة .
و بانكشاف اللعبة الاسرائيلية التي أرادت من "عملية أوسلو" مجرد "دفرسوار" على الانتفاضة الكبري،لتكريس الاحتلال وتصفية قضيتنا الوطنية؛ اختار مروان مكانه ودوره في مواجهة هذه المؤامرة .
أخي أبا القسام
الحديث عن مسيرتك الغنية في الذكرى الحادية والعشرين لاختطافك، والذي يتقارب مع يوم الأسيرالفلسطيني الذي احتفى به شعبنا يوم أمس، وهي مسيرة غنية بالدروس، بالتأكيد ما لا يتسع لها مجردمقال في عمودي الاسبوعي
أنني، ومن موقع صداقتنا، و رفقة النضال المشترك التي جمعتنا وآلاف المناضلين ، الذين قضى و أُسر منهمكثيرون، وما زال مين مين آخرون يمسكون بجمرة الفكرة التي تتعرض لخطر غير مسبوق . وجدت من واجبيأن أخاطبك من القلب للقلب، وما أصعب أن يخاطب أي إنسان قائداً مكبلاً بين قضبان السجان، مستنجداًبمكانته وهو يتعرض للعزل والبطش، إلّا أنني وبفعل ما وصلت اليه حركتنا الوطنية من انهيار، وما تتعرضله قضيتنا من خطر، فإن آلاف المناضلين من شعبنا يشاطرونني الرأي بضرورة اللجوء لضمير الشعبوقادته الأسرى الأحرار، وعلى رأسهم أنت أخي مروان، لما تحظون به من مكانة عالية ومؤثرة، تحققت بأغلىالتضحيات، في وقت تنهار فيه مكانة ودور الحركة الوطنية، وتعاني قيادتها من انفصام واغتراب غيرمسبوقين مع نبض شعبنا المكافح . فكما اجترح الأسرى وثيقتهم التاريخية لوحدة الكفاح الوطني، فإنالآمال معقودة عليكم اليوم أخي أبو القسام، ومن أجدر منكم بذلك، لأخذ زمام المبادرة في اطار رؤية وطنيةوحدوية لطالما تميّزت بها في مسيرتك الثورية، و بما يُمكّن من بناء ائتلاف وطني عريض يستند إلىالاخلاص والكفاءة والنزاهة، ليضم جميع المناضلين الغيورين على مستقبل شعبنا في هذه البلاد ومصيرقضيته الوطنيه، للعمل الموحد من أجل استعادة مؤسسات شعبنا من حالة الانقسام والتفرد الذي يكاد يوديبتضحيات ما يزيد على القرن، ويعصف بالانجازات الوطنية والديمقراطية التي تحققت بتضحيات الشهداءوعذابات الأسرى .
الحاجة لمبادرة من الأسرى
إذ أناشدك ، فانني أشعر بالحاجة الوطنية لالقاء وزنكم وأسرى شعبنا لاعطاء هذا الأمر ما يحتاجه منأولوية عليا تدركونها بالتأكيد. فكم هو شعبنا، الذي ما زال يقدم التضحيات، بأمس الحاجة إلى مبادرةتنطلق منكم لتساهم في اعادة بناء الحركة الوطنية والتجديد الديمقراطي لمؤسساتها الجامعة في اطار كلمن المنظمة والسلطة، وتصويب العلاقة في دور كل منها، وبما يعيدهما إلى مسار متكامل وقادر على ربطمهام شعبنا للتحرر الوطني على درب الحرية والعودة وتقرير المصير، بمدى حاجته لمؤسسات فاعلة فاعلةوتحظى بثقة الناس . الأمر الذي يتطلب باعتقاد الكثيرين من أبناء شعبنا ضرورة التوافق الفوري والشاملعلى تشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية الجادة والمخلصة؛ أولويتها العليا التحضير لاجراءالانتخابات العامة الشاملة في مدى زمني متفق عليه ولا يتجاوز العام ، وتعمل على تسخير كل مواردهابعدالة ونزاهة في اطار تصويب السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ومتطلبات العدالة الانتقالية باستعادةاستقلالية السلطة القضائية ، وبما يعزز قدرة شعبنا على الصمود في معركته الشرسة ضد مخططات التصفية .
وعلى موعد قريب أخي مروان مع حريتك وكافة الأسيرات والأسرى الأحرار ، وفي مقدمتهم الأسير المناضلوليد دقة" فوتشيك فلسطين" كما يصفه صديقي الروائي مروان عبد العال . وليد الذي حرر روحه من السجنبكتاباته، وعلينا جميعاً مسؤولية تحرير جسده المريض ليستعيد عافيته وينال حريته مع طفلته ابنة الحريةوالحياة ميلاد .