ازمة الانقسام.. وعبثية الحلول المستوردة
ما يزال الانقسام قائما. وما تزال محاولات انهاءه فاشلة.
هذا القول أملته وقائع أكثر من خمس عشرة سنة حفلت بما لا يقل عن مائة محاولة لانهائه، حتى أضحى العلامة الفارقة على وجه الحالة الفلسطينية، المنهكة تحت ثقل أزمات داخلية لا حل لها، وازمات سياسية لا مخرج منها.
الانقسام كواحدة من الازمات وليس كلها، كان استثمارا متعثرا لكل من حاول التوسط بين طرفيه لانهائه واذا ما استعرضنا المحطات العديدة التي قطعها قطار المصالحة، فإننا نرى جامعا مشتركا بينهما، وهو الفشل في بلوغ المحطة الأخيرة – النجاح- هذا اذا لم نقل ان النتائج كانت عكسية تماما، وخلاصتها تعميق الانقسام وتحوله الى انفصال مع تكرس شرعيتين للشعب الواحد، والقضية الواحدة والهدف الواحد شرعية رسمية يحب البعض تسميتها بالدستورية وشرعية الامر الواقع التي يتعامل الجميع معها دون الاعتراف الرسمي بها.
سؤال الأسئلة.. ما هو سر هذا الفشل المتصل مع ان الحاجة للنجاح ملحة لشعب واقع كله تحت الاحتلال والحصار، وان هنالك يقينا لا جدال فيه بأن الاحتلال هو المستفيد الأول من استمراره.
السر لم يعد لغزا، كان قد افصح عنه المفغور له الوزير عمر سليمان اول من حمل ملف المصالحة، وعمل عليها بدأب وصبر وتصميم.
قال: "ان سبب الفشل هو غياب الرافعة الفلسطينية الفلسطينية التي دون وجودها لا أمل لأي متدخل مهما كانت قوة نفوذه، ان يصل الى نتيجة"
فهمت من قول الرجل الأكثر دراية بكل تفاصيل الملف، بأن المصالحة يجب أن تبدأ بجهد فلسطيني فلسطيني، وليس على الاخرين الا ان يقدموا المساعدة والرعاية، وحتى المكان المناسب اذا ما تسبب الاحتلال وهو يتسبب بالفعل، بعدم مشاركة قادة يمنعهم من التواجد بحرية على ارض الازمة وفي جهود الحل.
الرافعة الفلسطينية الفلسطينية يمكن توفرها دون ان يكون للاحتلال دور مؤثر بفعل تحكمه بالمكان، وذلك من خلال صدقية كل طرف تجاه الاخر، وهذا ما كان غائبا بفعل فهم كل طرف لمصلحة اجنداته الخاصة، وسلوك كل طرف لإخضاع الاخر في سعي وراء مستحيل، وهو حسم الصراع على السلطة والنفوذ لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر.
الواقع الفلسطيني في اطاره الداخلي، لا يتيح أي مجال لحسم من هذا النوع فلا حماس في غزة تستطيع الغاء فتح وحلفائها من مكونات منظمة التحرير، ولا السلطة في رام الله تستطيع الغاء حماس ذات الحضور الجماهيري الذي لا ينكر، وخلاصة هذا الواقع تكرس ظاهرة غير منطقية لم يحدث مثلها في أي زمان ومكان، وهي ان السلطة في غزة هي معارضة في رام الله، والسلطة في الضفة معارضة في غزة.
وهيهات هيهات ان يتم التوصل الى اتفاق يلغي هذا الوضع.. حتى لو تدخلت كل دول العالم.
ان العلة الجوهرية تكمن في طبيعة الوضع القيادي للساحة الفلسطينية الذي ما يزال محكوما بقوى تنتسب الى زمن مضى، وهو وضع وان كان يصلح في زمن ازدهار قوة ونفوذ الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، الا انه لا يصلح الان، لا في إدارة الوضع الداخلي، حيث كل طرف يستأثر بما تحت يده، ولا على صعيد السياسة الخارجية حيث لكل فصيل برنامجه وعلاقاته وتحالفاته وتمويله.
ويتساءل الفلسطينيون واشقاؤهم واصدقاؤهم الحريصون عليهم ما المخرج إذا من هذه الحالة المستمرة والتي سميت بحق النكبة الثانية.
لم يعد ينفع الجلوس جوار الهاتف انتظارا لدعوة الحوار في أي عاصمة مع ملاحظة انه لم تعد هناك عواصم تدعو لتفشل في هذا الملف.
ولم يعد ينفع تشتيت الكرة عن مرماها الصحيح، باتهامات متبادلة واقحام العامل الخارجي كما لو انه المسؤول عن تواصل الانقسام.
ولم يعد ينفع تكرار القول اننا بحاجة الى حوار شامل معمق ناضج مسؤول الخ... بعد الاف جلسات الحوار التي جرت في العواصم وعلى ارض الوطن.
الذي ينفع امر واحد مهما بدا صعبا الا انه الأكثر واقعية وجدوى.. وهو ذهاب الجميع الى صناديق الاقتراع لإنتاج شرعية واحدة، واطار وطني موحد، وما ينتجه الصندوق يحدد حجم وجدارة كل الذين خرجوا منه في إدارة شؤون البلاد والعباد، اما ادعاء النفوذ من خارج هذا الصندوق فلن يؤدي الا الى تواصل ما نحن فيه، بما يصدق عليه المثل العامي الأكثر بلاغة في تجسيد الفوضى والتشرذم، "حالة كل من ايدو الو"
تذكروا كيف توحدنا في مايو الماضي على استحقاق الانتخابات وكيف ازداد تفرقنا حين تخلينا عنه.