يلا نحكي: مَنْ يتحمل مسؤولية خسائر التعليم والفاقد العلمي؟!
أخيراً، انتهى أو توقف أو عُلق إضراب المعلمين الذي استمر قرابة الثمانين يوماً، وعاد التلاميذ إلى صفوفهم الدراسية بجهود خيرة من أطراف متعددة. لكن المواطنين محمولون على استخلاص الدروس والعبر بما فيها تحمل الجهات المختلفة مسؤولية الاستعصاء الذي حدث في هذا الإضراب والخسائر التي تكبدها المجتمع الفلسطيني. إنَّ قراءة سريعة في إضراب المعلمين في العام 2023، تتحمل الأطراف المختلفة مسؤوليات متعددة؛ فالحكومة تتحمل مسؤولية سوء إدارتها لملف الإضراب وسياستها بتقديم الإلتزمات وعدم الوفاء بها وترحيل الأزمات، وعدم قدرتها على فهم التحولات داخل كتلة المعلمين وتمثيلهم النقابي التي ظهرت بوادرها منذ العام 2016. فيما يتحمل المعلمون أو "كتلتهم" ضعف الوعي بالعمل النقابي ووسائله ما أفضى إلى غياب الحكمة في قيادة العمل النقابي وفي استخدام التكتيكات "المناورات" النقابية التي تمكنهم من اتخاذ القرارات في الوقت المناسب لضمان تماسك كتلة المعلمين من جهة والتأييد الشعبي لإضرابهم والانجاز لفعلهم. أما أولياء التلاميذ، فيتحملون مسؤولية تخليهم عن حقهم وحق أبنائهم بالتعليم، كما يتحملون مسؤولية تخليهم عن مبادئ المواطنة الفاعلة المنصوص عليها في وثيقة الاستقلال الشعور بملكية الدولة والمشاركة في بناء هويتها والحق بالمساواة في ضمان العيش فيها والحصول على الحقوق بما فيها التعليم العام، وهي نقيصة غياب المجتمعات الفاعلة المدافعة عن حقوقها أمام تجاهل أو تخلي مَنْ تُوكل إليهم سلطة عامة عن واجباتهم؛ أيّ التخلي عن المصلحة العامة القائمة على مبدأ العدالة الحامي لحقوق الإنسان. لا يجادل أحد بأنّ الإضراب عن العمل حق مكفول بأحكام القانون الأساسي الفلسطيني. لكن محاكمة إضراب المعلمين؛ كالوسائل المستخدمة فيه وطريقة التفاوض الممارسة، وحدود تبعاته وآثاره المستقبلية على المجتمع وعلى المتضررين منه يحتاجان إلى التعمق والنظر والتحقيق والدراسة والبحث من جهات اختصاص محايدة. يمكن لكل طرفٍ من أطراف النزاع أن يراجع ذاتياً الأدوات والوسائل وطريقته في التعامل مع هذا الإضراب واتخاذ الإجراءات التصحيحية لما بدر من أخطاء وتحمل المسؤوليات. إلا أنّ حجم المسألة المطروحة وتبعاتها متعددة الأوجه، في ظني، تحتاج إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من شخصيات وطنية؛ من ضمنهم خبراء في مجال التربية والتعليم وحقوق الانسان، مهمتها تحديد المسؤوليات واستخلاص العبر من هذه التجربة، وتتمتع بالصلاحيات الكاملة للقيام بمهامها ضمن آجال زمنية محددة ومحدودة لضمان وقف النزيف في التعليم الفلسطيني ومنع الفاقد التعليمي على الأجيال القادمة، وتتقدم توصيات ملزمة للجهات كافة.