البلد تحت الحصار نابلس نموذجاً
اليوم، أحوال الطرق وحواجز الاحتلال أمر يحتاج إلى تنبؤ وإلى متابعة من تجربة أشخاص مروا قبلك بوقت معقول وليس ببعيد، فقد تكون ضحية إغلاق حاجز لساعات أو تعطيل المرور وإطالة أمده لساعات، ويجب أن تتحول إلى خبير بالاحتمالات عندما تقرر التوجه من محافظة إلى أخرى.
قد يبدو الأمر عادياً في ظل الاحتلال لكن واقع الحال ليس عادياً، بل هو يدخل في نطاق العقاب لكل مواطن فلسطيني يمر من حاجز أو طريق بديل أو من أمام مستوطنة، إضافة إلى تلف الأعصاب وتعطل الأعمال وتراجع الدافعية والنشاط التي تُستهلك على الحواجز، وهذا جميعه يقود إلى موانع ذاتية تقلل التنقل والحركة وتسفر عن تأجيل أعمال ونشاطات.
نابلس منذ فترة زمنية تعاني من هذا الحصار مع تفنن من قبل الاحتلال في مفاقمة المعاناة على حواجزه على مداخل المدينة، حيث يتم تعطيل حاجز حوارة لساعات وخصوصاً في ساعات الذروة، فيتحول بعض الناس صوب عورتا ليجدوه مغلقاً بالترباس فيعودوا أدراجهم صوب حوارة لينتظروا طويلاً، وكذا الحال عبر صرّة والمربعة وتل ودير شرف وزعترة.
العبرة أن الناس باتت تشعر أنها متروكة وحدها تواجه مصيرها بنفسها وتغيّب الشعور الجمعي وتكريس البحث عن حلول فردية مثل الفهلوة في تجاوز الآخرين على الحواجز وتعطيل حركة الآخرين، ويذهب الناس إلى أبعد من ذلك بصب جام غضبهم على بعضهم البعض، خصوصاً بعد تجاوز الحاجز والسعي لرفع السرعة واعتبار الآخرين يسيرون ببطء، ما يفتح شهيتهم للتجاوز وغيره.
لذلك ترى انعكاس هذا الحصار يتمثل بالنقد اللاذع للمؤسسات التي يعتقد المواطن جازماً أنها تمثله مثل البلديات والغرف التجارية دون ضوابط، لأنه يرفع سقف توقعاته منها ويريدها أن تكون معه وليس مهماً أمامه أو خلفه ولكن معه، وهذا يلقي على كاهل تلك المؤسسات أعباء إضافية ليست في حساباتها في ضوء مسؤوليات أساسية من صميم صلاحياتها، ويظل الحوار في هذا الاتجاه يذهب صوب لماذا؟ متى؟ كيف؟ لو أننا لم ننتخب؟ لو كان فلان لانعكس الأمر؟ وفي النهاية ينفضّ السامر دون حلول لأن الموضوع يتحول إلى فشة خلق وتمنيات.
لكن صاحب المسؤولية الحقيقية لا يناقش الناس في دوره لأنهم يعلمون واقع الأمر ويخفّضون سقف توقعاتهم منه، ويتهامسون أنهم مقيدون باتفاقيات حقيقية كانت سبباً في هذا التقيّد، وهنا تكمن الكارثة لأن المسؤول وصاحب الصلاحية يظهر بمظهر غير القادر على الفعل أو التأثير، لذلك يختصر الناس ولا يطرقون هذا الباب.
بعيداً عن العموميات بات ملحاً وضع خطة فاعلة لكسر الحصار ضمن مجموعة أولويات متكاملة تشكل عوامل جذب لالتفاف جماهيري حقيقي.
- مقاطعة شاملة لمنتجات الاحتلال وخدماته ومستوطناته وكل شركائه من الشركات المتواطئة مع الاستيطان والاحتلال.
- تحويل الحاجز إلى عقاب للاحتلال وليس عقاباً للناس من الناس فوق الحاجز، وهذا يتطلب خطوات تحوله إلى عبء عليهم وليس علينا.
- بث رسالة واضحة بلغة وأرقام وإحصائيات، خصوصاً أن عشرات الوفود تزور البلد وتتأثر بما يدور على الحواجز، وقد يظن البعض أن هذا الأمر استهلك، ومن تجربة فقد التقيتُ بممثلي عدة بلديات عالمية واستمعتُ لمواقفهم الواضح من هذا الحصار وإجراءات أخرى لمسوها، وبرلمانيين من العالم عاشوا التجربة، ما يدلل على أهمية الخطاب الإعلامي الواضح المسنود بحقائق وأرقام.
- خلط الأوراق، بمعنى أن المؤسسات الأهلية تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في هذا المجال، وعليها أن تبتعد عن التسييس المفرط الذي يحوّل دورها إلى مجرد إصدار رسالة مفتوحة أو الانحياز لطرف على حساب آخر دون أن تقوم بالدور المطلوب في القطاع الذي تعمل به ويؤدي إلى كسر الحصار وفضح ممارسات الاحتلال.