من ايرلندا لفلسطين .. ما بين الإضراب عن الطعام والإضراب عن التعليم
جاء صيف 1981 للإضراب عن الطعام في ايرلندا, لحظة حاسمة للقضية الايرلندية، بقيادة بوبي ساندز وثلاثة آخرين من سجن "ميز"، حيث بدأوا في رفض الطعام حتى بدأت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا العظمى في ذلك الوقت بالاعتراف بحقوق السجناء "الإرهابيين" كسجناء سياسيين وسمح لهم بـ "مطالبهم الخمسة". بوبي ساندز هو الريادي التحرري، الذي سُجن بتهمة حيازة سلاح ناري وتفجيرات. وكان أول من فقد حياته بعد 66 يومًا من الإضراب عن الطعام، حيث كان تم انتخابه لمقعد في البرلمان. بعد وفاة ساندز، اندلعت أعمال شغب وحرق حافلات وهجمات على السفارة البريطانية في جمهورية أيرلندا، وكانت هناك مظاهرات حاشدة حول العالم, واندلعت أعمال الشغب والعصيان المدني في جميع شوارع بلفاست. حينها أعرب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب إفريقيا ونيلسون مانديلا عن دعمهما لـلمضربين عن الطعام (ادعى مانديلا نفسه أنه كان مستوحى بشكل مباشر من Sands لشن إضرابات عن الطعام ضد حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا) وكذلك فلسطين ومنظمة التحرير أعلنت عن تأييدها للمضربين عن الطعام وحقوقهم في الجدل ما بين الإرهاب والحقوق السياسية في التحرر.
لقد حضر أكثر من 100,000 جنازة ساندز، الذي قال ان "انتقامنا سيكون ضحكة أطفالنا."
واستخدم هذا الأسلوب من الاضراب الجمهوريون الإيرلنديون في العام 1917 وأيضاً خلال الحرب الإنجليزية-الإيرلندية، وأول إضراب عن الطعام قام به الجمهوريون أدى لاستشهاد اثني عشر سجيناً كان أولهم "توماس آش" في سجن "مونتجوي"، ووصل استخدام الاضراب في ايرلندا ذروته عام 1981 عندما خاض السجناء من الجيش الأيرلندي ما عرف بالاحتجاج الشامل اعتراضًا على تحويل توصيفهم من سجناء حرب إلى سجناء جنائيين، وبعد استشهاد المناضل الإيرلندي بوبي ساندز بسبب تعنت رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر حظي الإضراب السياسي عن الطعام بدعاية ضخمة في تاريخ النضال ضد الاحتلال وتحقيق الحقوق. وورد في كتاب "جينيس" للأرقام القياسية الرقم القياسي العالمي في الإضراب عن الطعام بدون إطعام قسري بالقوة لمدة 94 يوماً عام 1920 قام به كل من “جون وبيتر كراولي”، و”توماس دونوفان”، و”مايكل بورك”، “ومايكل اوريلي”، و”كريستوفر ابتون”، و”جون باور”، و”جوزيف كيني”، و”شين هينيسي” في سجن مدينة كورك، وتعدى ذلك الرقم الأسير الفلسطيني سامر العيساوي صاحب أطول إضراب مفتوح عن الطعام في التاريخ واستمر تسعة أشهر وانتهى باتفاق مع إدارة السجون يقضى بالتحرر، وإضراب الأسير أيمن الشراونة واستمر 260 يوماً وانتهى بالتحرر، والاسيرة هناء الشلبي التي أضربت 43 يوماً ، وقبلها الأسيرة عطاف عليان والتى أضربت 40 يوما متواصلة، وإضراب الأسير أيمن طبيش لأكثر من 4 شهور وعشرات الأسماء التي انتصرت على السجان وفاقت إضرابات عالمية مفتوحة عن الطعام.
خضر عدنان, أب لتسعة أبناء، فقد حياته في الثاني من أيار الجاري خلال إضرابه الخامس عن الطعام بعد اليوم الـ٨٦ . عندما سئل عدنان من أين يحصل على قوته، أجاب: من ايمانه بالله، ايمانه بقضيتنا العادلة ومن زوجته المحبة "رندة" التي يمكنه الاعتماد عليها بأي شيء! بلغ عدنان من العمر 44 عامًا فقط، وهو إنسان حارب من أجل الحرية ووثقها إلى الأبد في تاريخ النضال الفلسطيني.
أنا متأكدة أن الشعب الفلسطيني يشعر مع الأسرى ويتألم لمعاناتهم، فالإضراب عن الطعام هو الوسيلة الأكثر سلمية والأكبر ألماً التي قد يلجأ إليها الإنسان لاستخدام جسده للمطالبة بحقوقه عندما لا تنفع كل الطرق الأخرى.
خاض عدنان اضرابات عدة:
2012 خاض اضرابًا لمدة 66 يومًا، وانتزع فيه حريته من الاحتلال
2015 خاض اضرابًا لمدة 52 يومًا، وانتزع فيه حريته من الاحتلال
2018 خاض اضرابًا لمدة 59 يومًا، وانتزع فيه حريته من الاحتلال
2021 خاض اضرابًا لمدة 25 يومًا، وانتزع فيه حريته من الاحتلال
2023 خاض اضرابًا مفتوحًا عن الطعام لمدة 86 يومًا، وارتقى شهيدًا معلنا عن حريته الأبدية.
لا بد لي من الوقوف عند بعض مظاهر تضامننا مع الأسرى، ففي الإعلان عن الاضراب الشامل, تصطدم بالحجارة والعجلات المطاطية المُلقاة على الشوارع والنيران المُشتعلة في وسط الطريق ومحاولات عدة لإغلاق الطرق الفلسطينية الداخلية، هذه مشاهد مؤلمة وسلبية بالتأكيد فلا يختلف اثنان أن هذه الأدوات لا تفيد الأسرى ولا بأي شكل ولا توثر على الاحتلال الإسرائيلي إلا أنها تنشر ثقافة الفوضى والتخريب وعدم المسؤولية التي لن تنفع ولن تُعجب الأسرى الأبطال، وأكثر ما يؤلمني هو قضاء آلاف المواطنين وطلبة المدارس ليوم الإضراب الشامل في بيوتهم.
ضروري الحفاظ على خيمة الاعتصام التي تمثل نقابات ومؤسسات مختلفة, ضروري حمل اليافطات والعبارات تعبيرا عن التضامن مع الأسرى والتأكيد أن الحرية قادمة لا محالة، لكن قطار الحرية بهذا الشكل يقف على جزيرة الطريق دون حراك. من يقف في المسيرة او يعتصم في الخيمة هم المواطنون أهالي الأسرى الذين يمارسون التضحية والمقاومة ويحلمون بالتحرر باسمنا جميعاً.
نحن بحاجة لتوظيف العقل والأفكار المعاصرة لتشكيل ردود فعل تتناسب مع لغة العصر والتكنولوجيا وحقنا في المقاومة بكافة اشكالها، مع التأكيد ان التعليم هو حق وهو أداة مقاومة مشرفة واستراتيجية لا بد من حمايتها والتأكيد عليها. برنامج التعبئة الوطنية حول قضية الأسرى وشهداء الحركة الأسيرة يجب ان يشمل البناء والاستثمار في قرابة المليون طالب في المدارس الفلسطينية لتزويد الجيل الجديد بالمعرفة والثقافة حول هذه القضية الإنسانية وكيفية المطالبة بالحقوق.
ويتكرر السؤال كيف ندعم قضية الاسرى؟ ماذا نعلّم الجيل الجديد حول الأسرى والأسرى الأطفال والحركة الأسيرة وشهداء الحركة الأسيرة؟ عن الشهيد خضر عدنان, عدد الاضرابات التي خاضها وهدفها, في الفن, في المسرح, في أغانٍ حول قضية الأسرى في السجون, في أفكار ومبادرات وطنية تدعم قضية الأسرى, في إطلاق حملات الكترونية معاصرة إبداعية تظهر قضيتهم للعالم. كيف نستعمل وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الألم والتضامن أو نصور فيديوهات ونطلق هاشتاجات لإضراب الأسرى والحرية والكرامة، مِنَا من هو فنان فترى لوحات جميلة تعبر عن الأسرى ومعاناتهم، ومِنا من يهوى الموسيقى ويقدم واجبه مِن خلالها، وتارة أخرى نعلن الإضراب العام والشامل ونتوقف عن العمل ونغلق المحال التجارية وتتوقف المدارس والمؤسسات الإنتاجية والدراسية. أؤكد هنا أن الأسرى بحاجة لمساندة ودعم الشعب لمعركة صمودهم داخل السجون الإسرائيلية وأتفهم مدى تأثير أخبار المساندة والدعم التي تأتي الأسرى من الخارج، على نفسياتهم وصمودهم واستمرار مقاومتهم. علينا جميعاً كل من موقعه نصرة الأسرى، وعلى القيادة وضع حرية الأسرى في أعلى سلم الأولويات، وعلى كل أم وأب يحتفلون هذا الشهر بتخريج أبنائهم أن يشعروا بمعاناة غيرهم ممن يتخرجون ويتزوجون وينجبون أثناء وجود آبائهم في السجون. هؤلاء يضحون ويقاومون عنا وباسمنا جميعاً من أجل فلسطين والحريّة.
إلى أن يتحقق الإفراج عن الأسرى، لنعمل من أجل حرية هؤلاء الأبطال ولتكن ردود أفعالنا وأنشطتنا ذات معنى ومغزى، فبدلاً من إغلاق المدارس، علينا تخصيص ساعة مدرسية للحديث والكتابة عن الأسرى، وبدلاً من إيقاف العمل العام ومنع الموظفين من الوصول لمكاتبهم وخسارة التاجر لدخل بيته لذلك اليوم، علينا أن نعمل وننتج ونقدّم للأسرى وذويهم.
مبارك هذا النصر للأسرى وعائلاتهم الصابرة، فليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى.
التعليم هو حق ،، التعليم هو مقاومة ،، التعليم استراتيجية للتحرر.