المستجيرون من الرمضاء بالنار!
لا أحد يمكنه أن يُصدق ما يحدث عند أهلنا المناضلين الصامدين في أرضهم منذ العام 1948! لا أحد يُصدق أنهم اليوم يعيشون تحت رحمة عصابات الإجرام المنظمة، وهي تعمل في وضح النهار، أمام عدسات الكاميرات، تقتل وتبتز لهدفٍ واحد هو تحويل حياة أهلنا الصامدين في أرضهم إلى جحيم، وترحيلهم ترحيلاً زاحفاً! لا أحد يُصدق أن إسرائيل ذات الذراع الاستخباري فائق القدرة لا تستطيع تفكيك هذه العصابات! هذه الجرائم ليس كما يُشاع جرائم فردية، ينفذها مجرمون من أهلنا الصامدين، أو هي ثارات عائلية وقبلية، بل هي خطة استخبارية احتلالية محكمة، فاعلوها يحظون بالرعاية والحماية، لأنهم ينفذون مخططاً تهجيرياً يختلف عن مخططات التهجير التي برع فيها المحتلون، ففي غزة يتم التهجير بالحرب والحصار والتدمير، وفي الضفة بالمداهمات والقتل المنظم كل يوم، وفي القدس بالضرائب والحواجز!
من يتابع نشرات الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية يستغرب لأن معظم وسائل الإعلام تبدأ كل صباح في خبرها الأول بحادثة قتل لأهلنا الأبرياء، هم يّذكروننا أيضاً في الخبر نفسه بآخر إحصاءات عدد القتلى، وهذه تقنية إعلامية استخبارية مهمة جدا لإثارة الفتنة المجتمعية والنفسية، تجعل أهلنا يعيشون على أعصابهم حتى يختاروا الرحيل! نشرتْ معظم صحف إسرائيل خبراً عن حادثة قتل أحد الشبان البدو في مغتصبة أوفاكيم يوم 10-6-2023 وجعلته هو الضحية رقم مئة لحوادث الإجرام والقتل بين أهلنا الصامدين في أرضهم منذ خمسة شهور، كنتُ أظن أن قاتليه هم عصابة إجرام منسوبة للفلسطينيين على خلفية الثأر والانتقام! غير أنني بحثتُ عن سبب القتل المنشور في الصحف، فوجدت أن المقتول حاول سرقة معدات من أحد المستودعات، ما دفع الحراس غير الفلسطينيين أن يقتلوه، فهو لم يُقتل على يد عصابات الإجرام في القرى الفلسطينية، ولكنهم أدخلوه ضمن الإحصائية لإثارة الفتنة والشقاق!
وفي وسائل الإعلام نفسها تختفي حوادث القتل في المجتمع الإسرائيلي ليس بسبب عدم حدوثها، بل لأن إخفاءها ضروري للمقارنة بين المجتمعين!
لقد بلغ العجزُ ذروتَه عند كثيرين من أهلنا الصامدين فاستجاروا حتى بمشعلي الفتن، حتى أن بعض المصابين بالقهر والإحباط استجاروا بالمجرم بن غفير!
نسي كثيرون تحت وقع الصدمات أن عقيدة إيتمار بن غفير الدينية الراسخة هي ترحيل كل الفلسطينيين، وهو اليوم المسؤول الأول عن الأمن القومي وعن جهاز الشاباك الاستخباري! كيف أصبح بن غفير قاربَ النجاة من جرائم القتل؟!
تذكرتُ منذ بضعة أيام عندما قُتل خمسةُ شبان في لحظةٍ واحدة في وسط بلدة يافة الناصرة أن بن غفير حضر بصحبة عدد من الجنود ممن تفقدوا المكان، وكانوا يبتسمون ويمزحون.
تذكرت أيضا المحادثة الهاتفية السرية بين بن غفير، ورئيس شرطته كوبي شبتاي في شهر نيسان الماضي عندما قال شبتاي لبن غفير: «هم يقتلون بعضهم، هذه طبيعة العرب، لا يمكن فعل أي شيء»!
أما نتنياهو مايسترو بن غفير وسموترتش غداً الملجأ الأخير للمعذبين الفلسطينيين هو بدوره قرر أن يشكل اللجان (لوقف) عمليات القتل المنظم في مجتمعنا الفلسطيني الصامد، نسي كثيرون استفادة نتنياهو من حوادث جرائم القتل لإزاحة القائمة المشتركة وتفكيكها، بعد أن أصبح المنتخبون يعتقدون أن القائمة المشتركة فشلت في حمايتهم، لهذا فإنهم أحجموا عن منحها أصواتهم، على الرغم من أن القائمة المشتركة نفسها منكوبة بالنكبة نفسها!
أخيراً، هل نجح المحتلون في جعلنا (نطوي) صفحة حقنا الوطني المشروع في تأسيس دولتنا الفلسطينية، فأشغلونا بمعاركنا الإعلامية بين الفلسطيني والفلسطيني في غزة والضفة والشتات، ليصبح همُّنا الرئيس هو (تخفيف) الحصار، و(تجميد) الاستيطان، و(الحد) من جرائم القتل اليومية بين أهلنا الصامدين في أرضهم منذ عام 1948، ليتحقق هدفُ المحتلين الرئيس وهو؛ (أن يصبح المحتلون أقربَ إلينا من أهلنا وعشيرتنا، وأيضاً، يصبحون في طرفة عين منقذينا؟!