التنظيمات الفلسطينية خنجرا مسموما في الخاصرة الوطنية
بعيدا عن الغوص في المسميات التي سارع السياسيون والمحللون والغردون والمحسوبين على الفصائل الوطنية والاسلامية ، ومنها ما هو منضوي تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني !! على ما يجري في جنين ، واتباعها بعبارات الشجب والادانة والاستنكار ، مع اصطناع بعض ملامح الغضب على الوجه ، حتى يخيل للمستمع والمشاهد ان المتحدث ومن شدة غضبه على وشك ان يمتشق سلاحه وينضم الى صفوف المقاومين ليلقن المعتدي درسا لن ينساه ابدا ، وعبرة ياخذ بها ان فكر ثانية بشن عدوان على الشعب الفلسطيني .
وابعد من ذلك ، ذهب كثير من المتحدثين الى تحميل الاحتلال واجهزته الرسمية ، السياسية والامنية ، مسؤولية ما يقترف بحق أهالي مخيم جنين والمدينة ويحذره من التبعات !! دون ان يتحدث عن اي مسؤوليات ملقاه على عاتقه لنصرة الاهالي او كحد ادنى تخفيف الظلم عنهم !!
اولا : ماذا يجري في جنين ؟ الاحتلال لا يحتاج الى مبرر لشن عدوانه على الشعب الفلسطيني ، لكنه اتخذ من " صاروخ " ما هو الا عبارة عن ماسورة تحمل متفجرات بسيطة ، اطلق من جنين باتجاه مناطق داخل الخط الاخضر، والمتفحص بالامر، ووفق روايات محلية مقربة من المقاومة ، ان امر من غزة جاء لاحد الافراد في جنين بتصنيع صواريخ واطلاقها على اهداف في قلب دولة الكيان ؟! والسؤال هنا : هل من اصدر الامر غاب عنه الطبيعة الجغرافية للضفة الغربية واختلافها عن قطاع غزة ؟ وهل الامر حقا يدور ضمن دائرة المقاومة ام ان هناك اهداف اخرى غير وطنية ؟ ثم لماذا تصنيع الصواريخ في الضفة الغربية ، وهناك مخزون كبير من الصواريخ لدى سلطة غزة لم يجر استخدامه منذ زمن ليس ببعيد ؟ ولكن الاحتلال اتخذ من هذه " الماسورة " والتي صورتها ماكيناته الاعلامية بانها صاروخ اشبة بصواريخ كروز او سكود !! لشن عدوانه .
ثانيا : منذ مدة ليست بطويلة ولا قصيرة ، وجنين ومخيمها شكلت اسطورة للمقاومة وطالما لقنت العدو دروسا في الاستبسال ، وفي الوقت الذي تتنافر فيه القوى الوطنية والسياسية الفلسطينية ، تجلت الوحدة الوطنية في جنين بالميدان ، ولم يك هناك اي تمييز بين اي لون من الالوان الحزبية ، اجتمع الكل حول بندقية المقاومة ، ما اثار حفيظة عدد من المتنفذين من جميع الاطراف الذين تضررت مصالحهم ، وكانت المقاومة عقبة امام تحقيق اهدافهم ومنها ما هو متفق عليه بشكل غير معلن فيما بينهم حتى في ظل تنافرهم وتجذاباتهم العلنية واختلافاتهم واتهاماتهم المتبادلة ، الا ان مصالحهم الفئوية تتصدر اولوياتهم دون ادنى مراعاة للمصلحة الوطنية العليا ، ومنها مصالح الشعب واحتياجاته ، فاتفق فيما بينهم وبعلم الاداة التي ستستخدم للضرب ، على تحجيم هذه المقاومة وخلخلة اللحمة الوطنية فيها وانهاكها ولا ضير ان جرى القضاء عليها !! وقتل اي روح ثورية قد تولد مستقبلا ، حتى تسهل العملية فيما بعد وابقاء الشعب تحت المطرقة مع بعض الفتات يقدم له لمواصلة تخديره .
ثالثا : الاعظم من ذلك ان عناصر المقاومة في معظمهم لم تتجاوز اعمارهم العشرين او اكثر قليلا حسب ما قالته احدى سيات مخيم جنين مستهزئة : " كل هذه القوات لمواليد عام 2002 " !! عدة وحدات من النخبة في جيش الاحتلال بكامل العدة والعتاد في مواجهة صبية لا يمتلكون الا اسلحة بدائية واخرى خفيفة للغاية وذخيرة شحيحة جدا ، لكنهم سخروا سلاحهم ونذروا انفسهم لاجل فلسطين وحريتها ، في وقت تخلى عنهم بني جلدتهم وذوي القربى ومن يرتبطون معهم بروابط العرق واللغة والدين والدم !! صبية لو نظرنا اليهم بعمق لوجدناهم يمتلكون ما لا يمتلكه عدوهم ولا تمتلكه قياداتهم ، الا وهو الايمان بحتمية النصر، ومن هنا جاء شعارهم الذي رفعوه : " الكرامة والحرية والنصر واما الشهادة " .
رابعا : العدو ، وان كان طرفا خفيا في التفاهمات السرية ، الا مصلحته تفرض عليه اللعب على التناقضات واستغلال الخلافات ، لذا تراه يسخر ماكيناته الاعلامية جنبا الى جنب وآلته العسكرية ، وترويج الشائعات وربما فيها بعض من الحقائق عن تفاهمات حول عملياته العسكرية مع الاطراف الرسمية الفلسطينية ، لتبدأ الاتهامات المتبادلة ، غزة تتهم رام الله بالتواطؤ والاحتلال والمعرفة السابقة بالعدوان ، بل وتاييده للقضاء على المقاومة !! في خطوة الهدف منها تعرية رام الله امام الجماهير وكسب مزيد من التعاطف الشعبي في الضفة تمهيدا للاستيلاء على السلطة ، وفي الوقت نفسه تخدر الجماهير بتغريدات تهديدية بان الاحتلال بعدوانه على جنين تجاوز الخطوط الحمراء !! وكأنه ما قام به من اعمال عدوانية سابقة ليست تجاوز للخطوط الحمراء ، الا اذا كان هناك اتفاق فيما بين الجانبين على مفهوم الخطوط الحمراء !!
ورام الله من جانبها لا تتدخر جهدا في اتهام غزة ، بأعمال تستهدف الاحتلال الهدف منها لا يندرج ضمن اعمال المقاومة بقدر ما هو احراج للسلطة امام شعبها واظهارها مظهر العاجز او المتواطىء او المتخاذل ، وتتحدث عن تفاهمات ما بين غزة والاحتلال عبر وساطات عربية بهدنة طويلة الامد ، ولعل العدوان الاخير على قطاع غزة واستفراد الاحتلال بقيادات وعناصر حركة الجهاد الاسلامي دون تدخل من السلطة الحاكمة في غزة وهي حركة حماس ، مؤشر على ما يذاع في الاجواء !! .
اما الفصائل الاخرى ومنها ما هو منضوي ضمن دائرة منظمة التحرير الفلسطينية ، والتي لا يمكن وصفها حاليا الا انها منهكة ورجل مريض ، منقسمة على امرها فمنها ما هو منحاز لرام الله والاخر منحاز لغزة وجميعها لا يملكون لا حول ولا قوة وامرهم ليس بيدهم ، ويمكن القول انهم باتوا عبئا على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية .
خامسا : الاهم من ذلك كله ، وبطبيعة الحال ، الاحتلال لا يحتاج الى مبرر لشن عدوانه على الشعب الفلسطيني ومقدراته ، والعدوان لا يستهدف المقاوميين وحسب ، وانما البنية التحتية ايضا ، حيث يقصف كافة المرافق الحيوية التي تغذي شرايين الحياة كمحطات المياه والشوارع وتقطيع الاوصال ، وغيرها ، وذلك للقضاء على اية احلام بالحرية والاستقلال وإبقاء الحلم في اطار اللهث لاجل القوت اليومي ، وهو ما يتوافق ومصالح المتنفذين من كافة الاطياف الفلسطينية في القرار الفلسطيني ، وليس القرار الوطني ، لان القرار الوطني بحاجة الى قيادة تاخذ على محمل الجد وتعمل بكل تفان واخلاص لتخليص شعبها من الاحتلال وتحريره من العبودية وتوفير سبل الكرامة له ، وواضح من هذا العدوان سابقة لم تحدث سابقا ، حيث جرى تهجير اكثر من ثلاثة الاف من سكان المخيم الى الجوار ، هذه السابقة وان جاز التعبير تسميتها بنكبة جدية مؤشر خطير للغاية ولا تشابه ما مضى من نكبات ولجوء فلسطيني بالماضي ، حيث انها تجرى على مرأى ومسامع قيادات فلسطينية تحكم اجزاء من فلسطين وفق تفاهمات سابقة ( اوسلو ) ، ما يعني شرعنة اي لجوء مستقبلي قد تقدم عليه سلطات الاحتلال بحق فلسطينيين من اماكن ومواقع قد ترغب ببسط السيطرة الكاملة عليها .
اخيرا : وفي ضوء ما سبق ، ومن دون الغوص في اعماق ما تمخض من قرارات من اجتماع القيادة الفلسطينية الاخير في رام الله ، وما صدر عن قيادات حمساوية في غزة والخارج بدعم المقاومة وتذليل العقبات امام تعزيز صمودها ، ما هو الا ذر الرماد في العيون وتعبير ضمني عن الموافقة عما يجري ، فان العدوان على جنين وما سبق من حروب عدوانية سبقت ذلم في نابلس وغزة ، والارهاب المنظم الذي يقوم به قطعان المستوطنين بحق الشجر والحجر والبشر في الضفة الغربية ، والمخخططات المبيتة للمقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك ، وضعف ردة الفعل الفلسطينية عليها ، كشفت كم ان التنظيمات والفضائل الفلسطينية باتت عبئا على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، وخنجرا مسموما في الخاصرة الوطنية ، ما لم تقم باجراءات عملية على ارض الواقع والخروج باعلان لا لبس فيه يصارح الشعب الفلسطيني ينهي الانقسام فورا ويتعامل ودولة الكيان كدولة معادية خارجة عن القانون بمعنى الكلمة ، ويجري التعامل معها ضمن هذا الاطار وفق القوانين الدولية ، بل وتصنيف من يدعم الاحتلال من عرب وعجم بنفس المعاملة ، والنزول الى الميدان والالتحام والجماهير والتحلل من الالتزامات والتفاهمات مع الاحتلال ، والا فان هذا الخنجرالمسموم في الخاصرة الوطنية الفلسطينية سيبقى جرحة ينزف دون هوادة ، طالما بقيت الاجندات الخارجية لا الوطنية ، تحكم عمل قوانا الوطنية والاسلامية .