عوامل صناعة الكفاح
مقالات

عوامل صناعة الكفاح

ليس مشروع الاحتلال لفلسطين، مشروعاً محصناً غير قابل للهزيمة، وغير قابل للزوال، فمن قبله من كان أقوى، وأفعل وزال بلا رجعة، تتذكره الأجيال والبشرية بالخزي والعار، لأنه كان ضد الإنسانية وضد التقدم والعدالة.

 

لقد قام المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على فكرة نبيلة يفهمها الغرب الرأسمالي وسوقتها الصهيونية، تقوم على توفير مكان آمن لليهود، فعمل الغرب الاستعماري من خلال بريطانيا على توفير الظروف الملائمة لجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود، على حساب الشعب الفلسطيني الذي لا ذنب له ولم يكن شريكاً لما تعرض له اليهود من عذاب واضطهاد في أوروبا، وقد ساعد انقسام وتخلّف الحركة الوطنية الفلسطينية، التي لم تضع الأولويات المناسبة لشعبها، وعجزت عن وضع البرامج والخطوات والتحالفات المناسبة لإحباط المشروع الصهيوني، وصمود المشروع الوطني الفلسطيني.

 

في المنفى ومن رحم المخيمات، كان الفعل الفلسطيني هو المبادر، في إعادة صياغة الوعي الفلسطيني ووضع البرنامج العملي لاستعادة حقوق الشعب المنهوبة، وأثمر الفعل الفلسطيني على تحقيق إنجازات سياسية معنوية هامة، مثلما أثمر عن تحقيق خطوتين لم تتما دون فعل مباشر ضد الاحتلال، على أرض الوطن، وليس من خارجه:

 

الأولى الانتفاضة الشعبية المدنية عام 1987، وأثمرت عن تحقيق نتائج اتفاق أوسلو عام 1993.

والثانية الانتفاضة شبه المسلحة عام 2000 وأثمرت عن تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005.

 

وبعيداً عن التفاصيل المكررة دعونا نبحث عن مقومات الفعل الفلسطيني المقبل اعتماداً على أربعة عوامل تشكل أساساً صالحاً لمواجهة الاحتلال، رغم تفوقه.

 

العامل الأول وجود سبعة ملايين عربي فلسطيني على كامل خارطة فلسطين، وهم شعب وليسوا جالية.

أكثر من سبعة ملايين نسمة من الفلسطينيين يتمسكون بأرضهم سواء في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أو في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967.

 

لم يعد الفلسطينيون على أرضهم مجرد جالية تتوسل الحياة والاستقرار، بل شعب عنيد يرغب بالحياة المتكافئة والهوية الوطنية والتراث القومي، وصنع المستقبل على أرض وطنه، وهذا هو الأساس المادي الموضوعي للعنوان الفلسطيني، وبدونه لن يكون هناك اسم فلسطين، وبالتالي يجب الإقرار أن عنوان فلسطين هو شعبها وأرضها ومكوناتها وليس قضية اللاجئين هي عنوان الشعب الفلسطيني أو أدواته للنضال داخل الوطن، الهادفة نحو التحرير والعودة.

 

أما العامل الثاني للقضية وعنوانها وهو أن هذا الشعب يُعادي الاحتلال، ومصالحه الوطنية والقومية والدينية والإنسانية تتناقض مع مشروع الاحتلال الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولا يجد شعب فلسطين حداً أدنى للتعايش مع هذا المشروع العدواني العنصري الذي يُدمر كل أدوات التعايش المشترك.

التناقض الحاد، بين مصالح الاحتلال ومشروعه الاستعماري العنصري، وبين مصالح الشعب العربي الفلسطيني هو ثاني حوافز العمل نحو النضال والثورة ضد الاحتلال، بعد توفر العامل الأول وهو الشعب الرازح تحت الاحتلال والمتضرر منه والمعذب بسببه.

 

أما ثالث هذه العوامل فإن هذا الشعب لديه الميزة الثانية بعد ميزته الأولى وهي عدائه ورفضه للاحتلال وهي ميزة أنه شعب حزبي منظم من قبل فصائل وأحزاب مختلفة تُلغي القائد والزعيم والعبقري، فالخلافات والتباينات والاجتهادات عامل ضامن من خلال التعددية للوصول إلى الموقف المدروس المتعدد الجوانب، كي يكون القرار المتخذ أكثر صواباً ويعكس رأي الأغلبية حينما تتوفر المؤسسات التمثيلية الموحدة، فالمشكلة ليست بالتعددية، بل تكمن بالانقسام والشرذمة السائدة.

 

ورابع هذه العوامل هو الشرعية والعدالة والإنصاف للقضية الفلسطينية ويتمثل ذلك بقرارات الأمم المتحدة، فهي الضمان وهي العنوان لحقوق الشعب، وهي العدالة الواقعية المتمثلة بقرارات التقسيم 181 وحق العودة 194.

 

ومهما بدت قرارت الأمم المتحدة أو بعضها غير منصفة أو مجحفة ولكن ضرورة التمسك بها وعلو شأنها وجعلها مرجعية للاحتكام إليها في عملية الصراع بين المشروعين: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، والمشروع الوطني الفلسطيني.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.