يلا نحكي: في قاعدة تكافؤ الفرص الآمرة
ينطلق المفسرون لأي قاعدة دستورية آمرة؛ أي واجبة النفاذ دون تأويل أو تحريف، من مكانتها في الدستور ووضوحها وارتكازها إلى مبادئ عامة داعمة أو مساندة أو مُأسِسِة لها منصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وفي المواثيق الدستورية المحلية كوثيقة إعلان الاستقلال والدستور "القانون الأساسي الفلسطيني"؛ فالمشرع الدستوري الفلسطيني عند صياغته أحكام الفقرة 4 من المادة 26 من قانون الأساسي الفلسطيني "للفلسطينيين حق ... تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص" ارتكز على واحد من الأساسيين الفلسفيين للنظام الديمقراطي وهو "المساواة" التي جسمه المشرع الفلسطيني في ذات القانون الأساسي بأحكام المادة 9 منه " الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة"، وأحكام الفقرة الأولى للمادة 10 منه " حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام".
تتعلق قاعدة تكافؤ الفرص في تقلد المناصب والوظائف العامة بالأساس بالوصول إلى السلطة، الركن الأول من أركان نزاهة الحكم وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني، سواءً كانت طريقة الوصول هذه قائمة على الانتخاب أو التعيين.
هذه القاعدة تفترض إعمال ثلاثة مبادئ أساسية، الأول: الإعلان عن المنصب أو الشاغر الوظيفي أو الحاجة لملئ الشاغر الوظيفي عبر الطرق التي تتيح فرص متساوية لمعرفة المواطنين بذلك؛ كي يتمكنوا من التقديم لهذا المنصب أو تلك الوظيفة في الآجال الزمنية المحددة والمعقولة أي وقت كافٍ للتقدم لها. والمبدأ الثاني: الكفاءة والجدارة أي تحديد واضح لشروط إشغال الوظيفة في الإعلان لإتاحة الفرصة لأولئك المتكافئين "المتساوين" الذين تنطبق عليهم شروط الراغبين في تقلد هذا المنصب أو الوظيفة التنافس عليها.
والمبدأ الثالث: الحق بالاعتراض على قرار اللجنة أو الجسم الذي يتخذ القرار المنشأ للتعيين كمجلس الوزراء في تعيين الوظائف العليا في الحكومة أو الجمعية العامة للمحكمة الدستورية أو مجلس القضاء الأعلى أو وغيرها من الأجسام المقررة في تقلد المناصب والوظائف؛ أي الإعلان عن الأشخاص المرشحين من قبلهم لنيل المنصب أو الوظيفة العامة قبل إصدار المرسوم الرئاسي. هذا الأمر يتطلب في الواقع الفعلي إعادة النظر بطريقة التكتم والسرية التي تكتنف عملية التنسيب، وكذلك الإعلان عن أسماء المرشحين في وقت كافٍ لإتاحة الحق بالاعتراض عليها من قبل المتضررين أو المتضررين المحتملين بالمعنى الواسع، ولإتاحة الفرصة أيضا للحصول على معلومات أو اعتراضات لا تتعلق فقط بالمنافسين، بل لحماية النزاهة في تقلد المناصب.
حق الاعتراض هنا ينطلق بالأساس من القاعدة الدستورية المنصوص عليها في المادة 30 من القانون الأساسي التي تمنع تحصين أي قرار إداري أو عمل إداري، باعتبار قرار التنسيب هو قرار إداري منشأ لا يجوز تخطيه؛ فعلى سبيل المثال هل يتمكن الرئيس إعلان نتائج الانتخابات دون قرار لجنة الانتخابات أو تعيين وزير في الحكومة دون قرار رئيس الوزراء أو قاضي في المحكمة دون قرار المجلس الأعلى للقضاء وهكذا، ودونه "قرار التنسيب" يكون القرار الكاشف منعدماً.
إنّ إعمال حق الاعتراض على ما جاء في قرار التنسيب يساعد على سلامة وصوابية القرارات الإدارية بما فيها القرارات الرئاسية. الأمر الذي يتطلب مسألتين الأولى إنشاء لجنة نزاهة الحكم "للنظر في الترشيحات للمناصب السياسية والوظائف الإدارية وفي الشكاوى الملاحظات والتظلمات، والبلاغات المقدمة على المرشحين أو المرشح"، والثانية إتاحة النظام القانوني لمؤسسات المجتمع المدني القدرة على تقديم طعون أمام المحكمة الإدارية في أعمال الإدارة العامة وقراراتها لضمان نزاهة الحكم سواء في قرارات تقلد المناصب والوظائف أي الوصول للسلطة، أو في ممارسة السلطة لأعمالها لمنع تضارب المصالح، أو في تفعيل ممارسة المساءلة المجتمعية.