رسم تحليلي لمساحات الإشتباك
على غير ما توقعه الكثير من المتابعين والسياسيين على حد سواء أن تكون أوكرانيا موقعة الإشتباك الكبير بين الناتو وروسيا إلا أن هذه التوقعات باتت في غير مكانها بعد تسارع حالة الإصطفاف بالساحة السورية في ظل إنحسار ظلال النظام السوري في جغرافيته السياسية ولم يبقى يسيطر فعليا إلا على بعض مناطق محدودة في دمشق وبعض ضواحيها وهو ما تبقى من النظام السوري نتيجة كثرة المتداخلين في جغرافية سوريا العربية وذلك بعد تسارع حالة التمدد والتعبئة بقاعدة التنف الأمريكية الحدودية التي تقوم أهدافها على فصل الحدود الإيرانية عن السورية في البعد الإستراتيجي بعد دخول الإمدادات البريطانية إليها وتوسيع قاعدة عملياتها لتشمل مسرح شرق الفرات بالكامل إضافة للجنوب السوري ...
الأمر الذي جعل القوات الإيرانية تقوم بشكل موازي بتشكيل إحداثيات عسكرية أخرى من خلال عمليات إعادة التموضع التي تقوم بها بشكل واضح في مناطق شرقي الفرات عندما قامت بالسيطرة على ميناء "اللاذقية" بهدف تشكيل قاعدة عسكرية لها في الجهة البحرية للمتوسط تضيف إضافة أخرى للواجهة البحرية الاستراتيجية للتحالف الشرقي على امتداد مسرح النفوذ الحيوي للقوات الروسية وهو ما جعل الواجهة البحرية للمتوسط خاضعة بالكامل بجغرافيتها العسكريه للتحالف المناوء للولايات المتحدة ..
وذلك بعدما قامت القوات الروسية منذ اندلاع الأزمة السورية بإنشاء قاعدة لها في منطقة طرطوس واتخذت خطوة أخرى مأخرا بللاستحواذ على "ميناء طرطوس" الحيوي وبهذا تكون منطقة غرب الفرات منطقة خاضعة للنفوذ "الروسي الايراني" وربما الصيني فيما بعد .... وذلك بعد الزيارة الهامة التى قام بها الرئيس السوري للصين مؤخرا وبهذا تكون الجملة السياسية لمنطقة غرب الفرات قد خطعت بالكامل للتحالف الروسي بينما يتمترس في شرق الفرات القوات الأمريكية البريطانية وربما حلف الناتو لاحقا للتعزيز حالة القوام العسكري هنالك ...وهو ما قد يجعل مساحة الإشتباك تنتقل بشكل ضمنى من المساحة الأوكرانية إلى السورية بعد عمليات التمترس التي تقوم بها القوات التركية في عمق الشمال السوري بينما تقوم القوات الإسرائيلية أيضأ بوضع خطوط عسكرية جديدة للجنوب السوري عبر توسيع قاعدة نفوذها في مناطق الجولان ..
وعلى صعيد متصل ليس ببعيد عن مساحة الإشتباك العسكري الدائرة في سوريا ولبنان وموازية لها على المستوى السياسي تقوم الإدارة الأمريكية بتعزيز مظلتها في المشرق العربي عبر فتح قناة تفاوضية دبلوماسية مع السعودية ....سياسية في إطارها العام عسكرية بواقع مضمونها ....و يأتي ذلك من أجل السيطرة الكاملة على منابع البترول وفصل الخليج العربي من محتوى التحالف الشرقي "الروسي الصيني" بعد عمليات التقارب التي شهدتها العلاقات الصينية السعودية والروسية السعودية وحتى الإيرانية السعودية في الفضاءات الدبلوماسية والتي إشتملت أيضأ على بعض التوافقات الأمنية والإقتصادية وهي السياسية الذاتية التي كانت قد أطلقتها السعودية من وحي سياسي يقوم على "صفرية العداء وحيادية الموقف " وهو الخيار الأسلم للمنطقة الخليجية من المنظور السعودي لكن هذا الخيار لم ينسجم مع التصورات الأمريكية للمنطقة وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تقوم بإطلاق مفاوضات لإحتواء الحالة السعودية كما الإسرائيلية أيضا بعد دخول الحكومة الإسرائيلية بفتح قنوات مماثلة للسعودية مع روسيا والصين لتحقيق استقلالية بيت القرار الإسرائيلي عن السياسية الأمريكية ...
وهو ما جعل المفاوضات الأمريكية السعودية تدور رحاها حول مصطلح "معاهدة أو اتفافية" لضمان حسن النوايا إلى ما بعد إنتهاء العمليات العسكرية " كما جعل من المفاوضات تكون منصبة حول كيفية "إقرار يوقعه الكونجرس أو قرار يأتي من البيت الابيض" وما بين عملية الإقرار الإستراتيجي الذي تعنى بالمحصلة ضمان الحماية للنظام السعودي واستمراريته بعد إنتهاء العمليات العسكرية العالمية وآلية القرار السياسي الصادرة عن الرئاسة الأمريكية التي لا تعطي بالمحصلة هذه الضمانة تدور رحى المفاوضات السعودية الأمريكية مع مسالة القضية الفلسطينية ومشروع الطاقة النووية على حد وصف متابعين ومن على هذه الأرضية المتضمنة للحماية التشاركية تسعى الرياض لتكوين جملة أمنية على غرار مع ما تم ترتيبه بالسابق مع الدولة العبرية في المقياس التشاركي على المستوى الجيوسياسي.
وفي حال حدوث ذلك وهو مدار بحث فإن المنطقة ستقوم
بإعادة رسم "نظامها العام" وموازين القوى فيها الأمر الذي قد يضعف من الدور المصري في حواضن التأثير بعد عملية الحياد السياسي التي قامت بإرسالها الدول الكبرى بالمنطقة بالحاضنة الإنتخابية القادمة للرئاسة المصرية وهي الرسالة التي جاءت متصلة مع ملابسات "عباس ماندينيز" وأحداث الإسماعيلية للحرس الوطني المصري أثر المحاولات "الإصلاحية الصحيحة" التي يقوم بها الرئيس السيسي بتغيير نظام الضوابط الموازين في بيت القرار المصري وهو ما يجعل من إنتخاب الرئيس السيسي من جديد يحمل درجة تغيير عميقة في المشهد المصري كما أنه ذات العامل الذي يقف وراء تقديم إنتخابات الرئاسة المصريه لتكون في منتصف كانون أول ديسمبر القادم ...
وبناءا على هذه الإستخلاصات (التحليلية) تكون مساحات الإشتباك الامنية والسياسية قد أسقطت بظلالها على دول المشرق العربي في سوريا ولبنان كما فى مصر والسعودية مع حفظ فوارق الأدوات المستخدمة إضافة إلى إسرائيل التي تدخل هي الأخرى في حالة إنقسام أيدولوجي عميق بين "علمانية الجيش وتوراتية الحكومة" وهو ما يجعل المنطقة برمتها تعيش حالة مخاض أمني وسياسي عميق يهدف بالمحصلة لإعادة بناء قوامها العام بما يعيد تأطير الدول المشاركة والمتداخلة فيها في إطار واحد على الصعيد الأمني وهو الهدف ما تسعى أمريكا لتشكيله على المستوى الجيوسياسي ضمن خطوات عمل واضحة ....
الأمر الذي يؤكد بالمحصلة أن قرار التغيير قد أتخذ (مركزيا)
كما يصف ذلك بعض المتابعين وقد يوسع هذا القرار من فضاءات النفوذ الأردني في الإتجاه الشمالي والشرقي وليس الغربي كما كان متوقع .... وأن محاولات بعض القيادات السياسية في المنطقة وقف هذه القرارات هي محاولات لا تتعدى مسالة إرجاء للإجراءات التنفيذية إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية القادمة عسى أن يدخل الجمهوريين للبيت الأبيض و عندها يمكن للسعودية وإسرائيل تحقيق نتائج أفضل مما يعرض عليها من قبل الإدارة الديموقراطية وأما في الظرف الراهن فإن الخيارات المطروحة تتجهه لإعادة تشكيل جغرافيا سياسية جديدة لخارطة المنطقة برمتها بعد إنتهاء مسرح الأحداث بالتوافق أو بالحرب ...هذا ما تقوله القراءات الواردة والتي وددت أن أعرضها برسم تحليلي يحمل عنوان مساحات الإشتباك.