طوفان الأقصى.. أمريكا وليست إسرائيل؟!
لا يمكن النظر إلى عملية “طوفان الأقصى” باعتبارها معركة كسابقتها من معارك المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ بل هي حدث تاريخي ونقطة فاصلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في ظل التوقيت والظرف الإقليمي والدولي، وما يعيشه العالم من تحولات تمهد لتغيير ومرحلة جديدة يتهيأ لها العالم.
طوفان الأقصى معركة ضد الهيمنة الأمريكية والغربية أكثر من كونها معركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فهي معركة ضد الذين مهدوا الطريق بإصرارٍ لاغتصاب أرض فلسطين، وإنشاء دولة باسم إسرائيل تجمع أشتاتا من العالم على حساب شعب فلسطين.
لقد اخترق رجال المقاومة الفلسطينية منطقة غلاف غزة، وهدموا الأسوار والجدران العازلة الأكثر تطورا في العالم، وكبدوا إسرائيل خسائر غير قابلة للترميم على الصعيدين العسكري والاستخباري، ومثلت معركة طوفان الأقصى هزة عنيفة في سياج النظام العالمي القائم بقيادة أمريكا، ومعولا سيسرع في التبديل والزوال.
أمريكا على خط المعركة
ليس مستغربا الانحياز الأمريكي لإسرائيل، لكن المستغرب هو موقف الدول العربية -خاصة من هرولوا للتطبيع- وتجاهل حقيقة أسباب وجود إسرائيل، وكونها الصدع الأكبر في المنطقة، وذراعا للغرب لاستمرار إضعاف دولها.
لم يكن جديدا موقف الإدارة الأمريكية الداعم على طول الخط للاحتلال الإسرائيلي، فهذا نمط اعتيادي للإدارات الأمريكية المتعاقبة، كما أن ردّ إدارة بايدن على الأحداث في غزة ليس كاشفا، ولكنه مؤكد لاستراتيجية أمريكا، فقد أعطت أمريكا الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لشن ما سُمي معركة السيوف الحديدية؛ للإمعان في سفك دماء الفلسطينيين، وارتكاب أبشع الجرائم ضد المدنيين العزل في غزة، وسخرت كافة الإمكانيات في سبيل تحقيق ذلك، فالسلاح الأمريكي هو الذي يقتل الفلسطينيين في غزة وسائر الأراضي المحتلة.
إدارة بايدن ودعم إسرائيل
من جانبه أكد الرئيس الأمريكي بايدن أن دعم بلاده لإسرائيل راسخ كالصخر، كما أكد لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي التزام بلاده بدعم إسرائيل، وأن الجيش الأميركي سيوفر لإسرائيل ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها، حسب قوله.
وليس من قبيل المبالغة أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن أصبحت أشدّ الإدارات الأمريكية تطرفا في دعم الاحتلال الإسرائيلي ضد الحق الفلسطيني.
لا يُفوت الرئيس الأمريكي بايدن فرصة إلا ويُذَكِّر بالتزام إدارته بأمن إسرائيل. فعلى هامش اجتماعات الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقائه نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، في 20 سبتمبر/أيلول 2023، في فندق إنتركونتيننتال نيويورك باركلي، قال بايدن ما نصه: “غالبا ما أردد عبارة استخدمها أول رئيس وزراء إسرائيلي دافيد بن غوريون منذ 75 عاما بعد إعلان استقلال إسرائيل. لقد قال: سيتحقق حلم أجيال إذا وقف العالم إلى جانب إسرائيل. حلم أجيال. وها هما الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان معا منذ وقت طويل لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة”، ثم أضاف قائلا: “لا بد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراع واحدة. وأنا أعني هذا الكلام”!
حقائق يجب الوقوف عندها
وبالنظر إلى طبيعة الموقف الأمريكي تجاه الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن معارك المقاومة في غزة ليست في مواجهة إسرائيل فحسب، ولكنها في مواجهة مشروع هيمنة استعمارية وتبعية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون منذ عقود.
ومن الحقائق التي لا بد من التذكير بها أن إسرائيل ذراع أمريكا والغرب وصنيعة استعمارية للهيمنة على المنطقة، وأمريكا شريك كامل، بل هي الفاعل الرئيسي في جريمة اغتصاب فلسطين والقضاء على شعبها.
وقد جعلت أمريكا الحفاظ على أمن إسرائيل مرتكزا أساسيا في استراتيجيتها وأحد عناصر أمنها القومي، وهي تربط أمنها القومي بوجود إسرائيل؛ مما يستوجب سيطرة إسرائيل على المنطقة؛ ولذلك تضمن تفوقها العسكري على جيوش المنطقة، وتعتبر تهديد أمن إسرائيل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، وأنه يجب استئصال أي قوى أو قيادات رافضة لإسرائيل والوجود الأمريكي الاستعماري بالمنطقة، وهذا يفسر ما تقوم به إسرائيل على مدار عقود ضد الفلسطينيين والعرب، ويحدد إلى أي مدى يمكن أن تواصل إسرائيل العمليات الانتقامية تجاه قطاع غزة منتهكة كافة الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية.
كذلك فإن الصراع ِمع إسرائيل ليس صراعا من موقع المصالح الاستراتيجية فحسب؛ ولكنه صراع من منطلق عقائدي ديني، تحركه المسيحية الصهيونية، التي مكنت لليهود في فلسطين.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها مخازن أسلحة عملاقة في فلسطين المحتلة، أُنشئت بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ لاستخدامها من قبل الجيش الأمريكي في النزاعات بالشرق الأوسط، ولمساعدة إسرائيل في حالة الطوارئ، إذا دخلت في مواجهات عسكرية.
ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي على قائمة أكبر 100 مصدر للسلاح في العالم، وبلغ إجمالي مبيعاته منها نحو 11.6 مليار، فإنه حتى عام 2023 قدمت أمريكا لإسرائيل ما قيمته 158.8 مليار دولار من المساعدات المختلفة، وقيمة المساعدات العسكرية وحدها 114.4 مليار دولار.
ختاما
بالعودة قليلا إلى الوراء وتحديدا في عام 2014، وإطلاق إسرائيل ما سُمي عملية الجرف الصامد، التي ردت عليها كتائب القسام بعملية العصف المأكول، ارتكبت إسرائيل بضوءٍ أخضر أمريكي مجازرَ دموية تفوقت على سابقتها ولاحقتها حتى معركة سيف القدس عام 2021.
ورغم مجازر إسرائيل، يفاجأ العالم بنقلات نوعية للمقاومة الفلسطينية، من معركة إلى أخرى، تطيح بكل التوقعات والتصورات، وتُمعن في إسقاط الصورة الذهنية التي رُسمت للقوة الإسرائيلية.
أمريكا عندما تعلن دعمها المطلق لإسرائيل، وتفتح لها مخازن سلاحها، وتحرك سفنا وطائرات لدعمها، وتعطي الضوء الأخضر لمزيد من سفك الدماء حتى إشعار آخر؛ فإن أمريكا هنا هي التي تخوض حربا بذراع إسرائيلية ضد فلسطين وشعبها.
على مدار تاريخ الصراع مع إسرائيل لم يكن تدخل أمريكا للحل؛ ولكن لإدارة الصراع حتى لا يخرج عن السيطرة. واليوم بعد طوفان الأقصى، وما أعلنته إدارة بايدن، فقد انتقلت أمريكا من إدارة الصراع إلى المواجهة الصريحة المعلنة؛ مما يعني أن معركة تحرير فلسطين هي في المقام الأول ضد أمريكا ومشروعها في المنطقة.
وتبقى الحقيقة المؤكدة أن عملية طوفان الأقصى أضافت إلى الفلسطينيين رصيدا استراتيجيا جديدا وضخما في طريق تحرير فلسطين والأقصى.