الطوفان القادم بعد طوفان الاقصى
بعيدا عن الفئوية او الانتماء السياسي ، وبعيدا عن مؤيد او معارض او ممتعض من عملية " طوفان الاقصى " النوعية وتداعياتها ، وبعيدا عن الاختلاف او الاتفاق ورؤية حركة حماس وتوجهاتها واهدافها ، وبعيدا عن الأم الذي يساور قلب كل فلسطيني وعربي جراء قسوة القصف الجوي الهمجي البربري الاسرائيلي على قطاع غزة والي طال الاطفال والسيوخ والنساء الابرياء العزل !! وتداعياته على القدس والضفة الغربية واستغلال الهزيمة التي تعرض لها جيش الاحتلال في منطقة غلاف غزة وافلات قطعان المستوطنين للانتقام من الشعب الفلسطيني في القدس والضفة .
وجب التحذير من فشل او "المشاركة" في افشال هذه العملية الفريدة في تاريخ الثورة الفلسطينية ، لانه لو لا قدر الله تمكنت دولة الاحتلال من القضاء على حركة حماس – وهو شيء من الصعب تحقيقه في الوقت الراهن – وفرضت اجنتدها في تحديد مستقبل المنطقة ، ونجاح خطة التهجير والتطهير العرقي لمنطقة القطاع والتي حملها بها وزير الخارجية الامريكي اليهودي بلينكين الى قادة المنطقة ، ما يعني إطالة امد الاحتلال ، وانتقال من تبقى من ابناء الشعب الفلسطيني من اصحاب حقوق مشروعة الى خدم وعبيد ماجورين لدى دولة الاحتلال ، بالكاد يحصلون على الفتات لاجل البقاء على قيد الحياة ، ناهيك ان التهجير القسري لابناء قطاع غزة فيما لو نجحت المؤامرة ، فسياتي الدور تباعا على المقدسيين وهو الاخطر، ومن ثم ابناء الضفة الغربية، وبالتالي تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية .
هذا التحذير يقود الى مجموعة من التساؤلات : فاكثر من اسبوع مضت على عملية طوفان الاقصى وما تبعها من ردة فعل اسرائيلية مخالفة لكافة القوانين والمواثيق الالهية والوضعية بشأن الحروب ، والضحايا اغلبهم من الابرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، مع انها اكدت على الوجه الحقيقي للاحتلال الاسرائيلي وداعميه من العرب المتصهينين والعجم وخاصة القوى العظمى التي تكاتفت وتكالبت بكل ما تملكه من اسلحة حديثة فتاكة لمواجهة مجرد حركة مقاومة ثورية مسلحة بامكانيات متواضعة جدا واغلبها صنع محلي ، يطفو على السطح تساؤلا كبيرا في معناه : اين القوى الوطنية الاخرى وخاصة حركة فتح " ام الجماهير " والتي حتى اللحظة لم يصدر عنها سوى ردود فعل باهتة لا تغني ولا تسمن من جوع ولم ترتق الى مستوى وعظمة الحدث ؟ هل اكتفت هذه القوى بما يصدر عنها من بيانات تعلن فيه الاضراب العام الشامل في مناطق الضفة الغربية ؟ هل تدرك هذه القوى ان الاضراب الشامل الذي تعلنه بين الفينة والفينة ، يشل الحركة ويقلل من فرص الاشتباك مع الاحتلال ؟ الا تدرك هذه القوى ان فشل العملية سيطالها تداعياته وستدخل في حسابات العدو ولكن ضمن جداول جديدة ليس كتلك التي كانت تندرج في مكعباتها ؟ الا تدرك هذه القوى انها ستواجه بعد ذلك ، صراع وجود فاما ان تكون او لا تكون ؟ هل وصلنا الى مرحلة انتهى فيها العمل النضالي من هذه القوى ، واضحى شغلها الشاغل التجييش للتبوء " بالخلافة " او حصد المراكز المتقدمة للالية المستقبلية التي ستتولى الادارة بعد اعلان التبعية والولاء ؟ هل وصلنا الى مرحلة اسقطنا فيه غصن الزيتون بعدما اسقطنا البندقية وجرى جرنا الى دور نقوم به وفق ما رسمه لنا العدو ؟ هل نستسلم ونسلم للامر الواقع المفروض علينا ، والذي كنا قد ساهمنا في وجوده من خلال سياسات تبناها بعض من اولي الامر ووجد الشعب الفلسطيني غارق فيه دون ان يعي ذلك ؟
الامة العربية وحكامها المختلفين فيما بينهم والذين لا يملكون رؤية تتمتع بالحكمة لمستقبلهم ، الا تدرك ان الدور آت عليها وستجد نفسها تتخلى عن خيراتها طوعا للعدو ولا حول ولا قوة لها ، بعد تخليها عن الشعب الفلسطيني واستفراد الاحتلال به .
يروى ان ثلاثة من الانذال تبارزوا فيما بينهم ، ايهم اكثر نذالة !! فشاهدوا إمراة طاعنة بالسن ، فقام الاول بضربها بعصا حتى سال دمها ، وتباهى بين نظرائه انه اكثرهم نذالة !! وقام الثاني يتمزيق ثيابها وفعل بها ما فعل ، وتباهى انه الاكثر نذالة ، وقالا للثالث ارنا ان اكنت اكثر نذالة منا !! فضحك منهما وقال لهما : هذه الامرأة امي ، وبذلك اكون اكثركم نذالة !!
وهذه غزة وفلسطين برمتها ، يتبارز عليها الانذال من كل صوب وحدب ، الاول هو الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يتوانى في قتل ما امكنه من ابناء شعبها ، والاخر هو المجتمع الدولي وخاصة الغرب الذي يفعل بها ما يشاء ويدافع عن الاحتلال بالرغم من مخالفته لكافة المبادىء والشعارات التي يرفعها والتي اتضحت انها زائفة ولا مكان لها في التعامل مع الفلسطينيين والعرب ، اما الثالث فهي الامة العربية ومنها اولي الامر فينا الذين يقفون موقف المتفرج وهم يرون امهم فلسطين تغتصب ويقتل ابناءها .
الامة العربية ومن قبلها الفلسطينيون ومن يمثلهم ، عليهم النهوض والتيقظ لما ينتظرهم من مؤامرات ومحاولات تصفية وسلب ونهب لخيراتهم ، وعلى القادة العرب اخذ موقف جدي وصارم يرتقي الى مستوى الحدث والخطر الذي يداهمهم والضرب بيد من حديد بعيدا عن بيانات الادانة والاستنكار والشجب والتي تشجع الاحتلال على المضي قدما في جرائمه بحق ابناء الشعب الفلسطيني ، والارتقاء الى مستوى شوعبهم وتطلعاتهم في الكرامة والتحرر من القيود المفروضة عليهم .
اما السلطة الوطنية الفلسطينية ، فعليها دور لا يقل عن حكام العرب في توفير الحد الادنى ووفق امكانياتها التي بحوزتها واستعادة ثقة الشارع الفلسطيني ، وذلك من خلال الالتحام بالجماهير وتوزيع قوى الامن التي تحوز على الحصة الاكبر من الموازنة الفلسطينية على البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وحتى لو كانوا بزي مدني والتصدي والقوى الوطنية لجرائم قطعان المستوطنين وقوات الاحتلال بحقهم ، ومن دون شك فانهم سيجدون حاضنة شعبية من اهالي تلك البلدات والقرى وسيوفرون لهم كافة احتياجاتهم المعيشية ، وبذلك تكون قوى الامن بالفعل تعمل للهدف الذي انشأت لاجله وهو حماية ابناء شعبها .
طوفان كبير سيجتاح المناطق الفلسطينية ويهز اركان السلطة الفلسطينية ان بقيت على حالها دون تحريك ساكن ، حيث لا يكفي استجداء المجتمع الدولي ، انما عليها الشروع باجراءات عملية من شانها توفير الحد الادنى من الحماية للعزل من ابناء شعبها . وهنا لا بد من القول ان العبىء الاكبر في ذلك يقع على عاتق حركة فتح رائدة النضال الفلسطيني وام الجماهير، وكونها الحركة الاكبر والمبادرة للكفاح المسلح وقادت مسيرة النضال الوطني على مدار عقود خمس مضت ، وتخطت كثير من الازمات التي عصفت بها واجتازتها لتغدو اكثر قوة من ذي قبل ، ومن دون ادنى شك ان الحركات الفلسطينية تقوى اذا كانت حركة فتح قوية والعكس صحيح ، لذلك من المعيب الموقف القيادي الفتحاوي الحالي لما يجري في الوطن بشقيه قطاع غزة والضفة الغربية ، واختزال دورها بدور الصليب الاحمر والمدد الانساني والمشاركة في تشييع الجنازات او استقبال الاسرى المحررين ، لذا عليها ان تستنهض قواها وتعود الى مكانتها المعهودة في الشارع الفلسطيني وتتبوء الريادة في قيادة الحركة الوطنية وتلتحم وجماهيرها في التصدي لاعتداءات الاحتلال وادواته وفي مقدمتهم قطعان المستوطنين .
كما سيجتاح الجانب الاخر طوفان مماثل سيهز اركان دولة الكيان بعد طوفان الاقصى ، وسيقلب الطاولة راسا على عقب ، ستغيب فيه وجوه وتظهر اخرى ، ولا فرق لدى الشعب الفلسطيني ، فجميعها سيان بالنسبة للرؤية للقضية الفلسطينية ، حيث ثبت بالبرهان الساطع ، ميول اغلبية المجتمع الاسرائيلي الى التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية ، وترسيخ سياسة الاستيطان ونهب خيرات وثروات الارض الفلسطينية ، ولكن حينها سيجد الاسرائيليين امامهم شعب فلسطيني مسلح بسلطة قوية تدافع عن ابناء شعبها ليس كما سابق العهد .