هذا ليس عدواناً كسابقه أو تصعيداً.. إنها حرب الفرصة لإنهاء القضية
مقالات

هذا ليس عدواناً كسابقه أو تصعيداً.. إنها حرب الفرصة لإنهاء القضية

شهد قطاع غزة منذ انطلاق الانتفاضة الثانية في العام 2000 أعمال قصف باستخدام الطائرات الحربية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، واشتدت بعد إعادة انتشار قواته وسحب المستوطنين في العام 2005.  ومنذ العام 2006، وتحديداً بعد أسر الجندي "جلعاد شاليط" من قبل المقاومة الفلسطينية وسّعت دولة الاحتلال أعمال العدوان الحربي، وزادت من حدة الجرائم مرة تلو الأخرى.  وشهدت الأعوام 2008، 2012، 2014، وحتى العام 2021، تصعيداً في أعمال العدوان، واستهداف المدنيين، وفي كل جولة تبدأ من حيث انتهى تصعيد سابقتها، حيث انتهى عدوان 2014 عند استهداف الأبراج السكنية المدنية، وبدأت فيها جولة 2021 التي انتهت باستهداف الأحياء السكنية ومن بينها حي الرمال غربي مدينة غزة، حيث بدأت فيه هذا "العدوان".  وفي كل جولة تدعي دولة الاحتلال بأنها تستهدف إضعاف قدرة المقاومة الفلسطينية العسكرية، وتحييد القطاع عن الصراع القائم في المنطقة.

ولكن، الآن ما نشهده ليس عدواناً كسابقه، أو تصعيداً من حيث انتهت جولة سابقة.  إنها حرب كلاسيكية بامتياز، تهدف إلى إنهاء حالة وإلى الأبد وبغض النظر عن فداحة خسائر الطرف الآخر، وهي حرب من القرون الوسطى كحروب الممالك الأوروبية ولاحقاً دولها.  المشهد كالتالي: 1) حصار بقعة جغرافية، قطع امدادات المياه والغداء والطاقة؛ 2) دك السكان المدنيين بالقذائف وايقاع الخسائر بهم، لتحقيق هدف عسكري يتمثل في إنهاك قواهم ومعنوياتهم للحد الذي يجبرهم على عدم المشاركة في الأعمال القتالية أو دعم المقاتلين المدافعين عنهم؛ 3) رفع معنويات الجنود المهاجمة، أو بحد أدنى إضعاف معنويات مقاتلي الخصم إلى حد أدنى من معنويات الجنود المهاجمة، وهو ما تفعله دولة الاحتلال حاليًا حيث معنويات جنودها في الحضيض منذ السابع من أكتوبر؛ 4) اسقاط نظام حكم أو حالة سياسية للخصم، وليس بالضرورة بعدها تولي الحكم، فإدراك الدمار الشامل والفوضى المستدامة خيار قائم، حيث لا تقوم قائمة للحالة السياسية الراهنة من جديد.

الدول الأوروبية وممالكها السابقة أجادت هذه الحروب بينها لدرجة أنهكتها، ودفعتها نحو صياغة اتفاقيات فيما بينها تعالج تداعياتها، أملاً في انهائها، والاتفاق فيما بينها للتفرغ نحو الاستعمار، واستغلال مقدراتها العسكرية فيها، لتحقيق أكبر عوائد سياسية واقتصادية من الشعوب المستعمرة، وهو ما وثقه التاريخ الحديث فعلياً.  وفي سياق ضمان التفوق السياسي الاستعماري في المنطقة، كلفت الدول الغربية بريطانيا مهمة زراعة دولة إسرائيل، واعتبرتها جزء منها، فمارست بدورها الاستعمار بكافة أركانه، وبما يكفل تفوقها العسكري والسياسي في المنطقة.

لم ينتهِ الاستعمار الأوروبي حتى الآن، وأخذ أشكالاً جديدة، وأهمها السيطرة الاقتصادية لضمان التفوق، وخلط أوراق الأغيار السياسية، وتحجيم قدراتهم العسكرية لضمان السيطرة عليهم.  وكجزء غير منفصل عن الأنظمة الأوروبية، تدعم الأخيرة وبغير بصيرة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، متجاهلة الحتمية التاريخية بأن الاستعمار إلى زوال.

الأوراق السياسية اختلطت في المنطقة العربية، فأصبح التطبيع مستساغاً، والدفاع عن حماية المدنيين من الطرفين أمراً مطلوباً لإرضاء الغرب، والسكوت عن الفعل أو التلويح به لوقف الحرب بديهياً، طالما أن الصراع فلسطينياً إسرائيليا بحتاً، وأن الطرفان لا يتفاهمان نحو التهدئة وحل النزاع فيما بينهما.

الأوراق اختلطت لدرجة العمى، فلم تعد الأنظمة السياسية في المنطقة ترى في الاستعمار الجذر الأساسي للدمار الذي يحل في الفلسطينيين، وغاب عن بصيرتها الفصل العنصري، الاستيطان، الضم، العقاب الجماعي، الحصار، وكافة السياسات الاستعمارية لضمان تفوق المستعمِر الإسرائيلي وضمان سلامته وأمنه واستقراره، وخضوع المستعمَر الفلسطيني بالحديد والنار.  العمى انتشر لدى تلك الأنظمة لدرجة أصبحت تتحسس عنفاً بين جانبين تأمل في أن ينتهي، حتى لا يصبح خطراً محتملاً على نمائها الاقتصادي، فهو أصبح غير محدقاً بنظامها السياسي، طالما حالة الرضى سائدة مع الأنظمة الغربية.

مواقف الأنظمة السياسية الغربية، وإعلامها ودعايتها ودعمها غير المحدود للنظام الاستعماري الإسرائيلي ضد كل الفلسطينيين، حالياً قطاع غزة، متوقعة، وهي افتراضية، ومن يتوقع غير ذلك عليه إعادة تأهيل بصيرته، فللنظم الاستعمارية الحق في الدفاع عن نفسها ومصالحها بكافة السُبل، فالأغيار عليهم الخضوع أمام تفوقها، ومقاومتها تعني إحلال الدمار.  وهذا ما يشهده قطاع غزة اليوم، لا شيء سوى الدمار لضمان الخضوع الكامل، والقادم أسواء على الضفة الغربية، فلن يصبح مقبولاً على الفلسطينيين مقاومة مخططات الضم والتوسع الاستيطاني وتغيير واقع الفصل العنصري القائم.

أمام جرائم التطهير العرقي الجماعية والمتصاعدة حتى استسلام قطاع غزة، والخطر القائم والقادم على الضفة الغربية بما فيها القدس، على منظمة التحرير الفلسطينية بداية وقبل غيرها من الأنظمة العربية نفض ذاتها، وإعادة تصحيح بوصلتها، وبما يشمل الفعل والخطاب السياسي والتعبئة الوطنية، فلم يعد مقبولاً الاستحواذ عليها وتجميدها، فالحراك السياسي لا يقبل الفراغ والتغييب، وإلا ستجد نفسها لا تمثل إلا فريقاً ضيقاً، والآخرون ممثلون شرعيون لخيارات الشعب الفلسطيني وحراكه السياسي.

أما الأنظمة العربية فعليها الانحياز لشعوبها، وأن تستمد قوة مواقفها من مواقفهم، وقوة استثماراتها ومصالح الدول الغربية لديها؛ عليها الخشية على نفسها من حل القضية الفلسطينية على حسابها؛ تهجير الفلسطينيين من جديد إليها، وتحميلها تبعات ذلك مالياً بما فيها المسؤولية عن موازنة الأونروا.  على الأنظمة العربية نفض سنوات المصالحة والتسامح مع الاحتلال والاستعمار، وصياغة حدود دنيا تستند إلى إنهاء الاحتلال الاستعماري، وإلى المصالح المشتركة الندية، وحمل المجتمع الدولي على الاعتراف الجماعي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ونمائه.  الأنظمة العربية تستطيع التدخل والفعل أكثر من فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات، نحو وقف العدوان الفوري، وفتح مسار جدي نحو إنهاء الاحتلال، وهو فعل لا مناص منه. 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.