بين "أحا" و"معلش"
استخدم الإعلامي الساخر باسم يوسف عبارة "أحا" المصرية في مقابلته الساخنة في برنامج "بيرس مورغان"، لتأخذ تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتختصر هذه الكلمة العديد من الجمل والمواقف الساخرة على المجتمع الدولي ومن يدعم ارتكاب المذبحة في غزة.
جثا الزميل الصحافي مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح على ركبتيه مودعاً جثمان ابنه محمود قائلاً بصوت مخنوق (بنتقموا منا بالولاد، "معلش"). ما فقده وائل الدحدوح كان ثقيلاً، قتل الاحتلال الإسرائيلي زوجته وابنه وابنته وحفيده في ضربة واحدة، انتقاماً من صوته الذي ينقل به صوت الناس إلى العالم، دون أي مجيب؟
بين "أحا" و"معلش" في الفعل الإعلامي أمام الملايين الذين يشاهدون الضحية تكمن الاختصارات في نقل الحقيقة كما هي، مجردة من أي كماليات وتجميلات، لأن الضحية هي الضحية مهما حاول الآخرون تشويهها أو تزويرها بما يخدم مصالحهم، ومهما كان الهدف من إيقاع الضحايا بهذا الحجم من المذابح ليس فقط بنا لأن الجسد الفلسطيني هو الضحية؛ بل الضحية هي الإنسانية على كوكب الأرض التي فقدت معنى إنسانيتها حرفياً وفعلياً وإجرائياً فقررت البحث عن أصل الكلمتين.
لغوياً، يخبرنا معجم "لسان العرب" أنّ كلمة "أحا" كانت تستخدم من البدو لتوجيه الخراف والماعز! بينما يشرح البعض الآخر من مفهوم تاريخي أعمق، فتقول الرواية، "في عصر الفاطميين كانت هناك مغالاة في جمع الضرائب والكثير من التضييق على المصريين بل ومحاولة فرض المذهب العبيدي الشيعي عليهم وإجبارهم على كتابة سب للصحابة على جدران وأبواب المنازل، من هنا، بدأ المصريون يتذمرون ويعربون عن غضبهم بكلمة أنا احتج".
بعد أن اشتهرت، قرر الفاطميون الجلد والغرامة والحبس والتنكيل لكل من يتفوه بها؛ ولأن المصريين بهم بعض الدهاء والفهلوة غيروها لكلمة "احت" وشاعت ومرة أخرى فطن لها الفاطميون فقرروا نفس العقوبة فتحايل المصريون فصارت وتغيرت إلى هذا اللفظ حينها أصاب الفاطميون الملل وأخذوا بظاهر الكلمة أنها ليست ذات معنى فتركوها لتنتشر إلى يومنا هذا.
مع الأخذ بعين الاعتبار وبناءً على نصيحة صديق مصري قال لي (ما بنصحكش تقولها لأنها فيها معنى بخدش الحياء يعني هي كلمة وحشة عندنا)، لكن باسم يوسف نجح بوضعها في سياقها الذي يجب أن توضع فيه أمام الملايين على الرغم من أنه كان يتحدث باللغة الإنجليزية!!
أما "معلش"، في الحقيقة كلمة مستنبطة من جملة (ما عليه شيء) أو (ما عليّ شيء) ــ حسب توجيه الاعتذار إن كان للذات أو لغيرها ـــ. في أيام الجاهلية عندما كان احد الأشخاص يقوم بفعل سفيه في حق احد الأشخاص؛ فيقول الناس للشخص الذي تعرض للإهانة أن الشخص الأول ما عليه شيء. والمقصود بكلمة ما عليه شيء هو انه يعتبر في حكم المجنون أو سفيه العقل... لا تأخذ عليه ... ما عليه عتب. وعندما ظهر الحضر وانتشرت المدن واللغة العامية أصبحت تنطق "معلش"، ولكنها فقدت المعنى الأساسي للكلمة وأصبحت تستخدم للتعبير عن الأسف!
"معلش" كلمة كلنا نستخدمها عندما لا نستطيع أن نتصرف تجاه مشكلة أو عندما لا نستطيع إيجاد حل. كلمة نقولها ونحن نعلم أن هذه الكلمة لا قيمة لها، كلمة تدل على عجزنا تجاه نفسنا وتجاه من حولنا، كلمة تدل كم نحن ضعاف، كلمة "بتتعب أكثر ما بتريح".
لكن عندما قال الدحدوح "معلش" حملت الرسائل معاني مختلفة، "معلش" للاحتلال الإسرائيلي، "معلش" للضحية زوجته وابنه وابنته وحفيده، "معلش" للأمة العربية، "معلش" لنتنياهو، "معلش" للشعب الفلسطيني، "معلش" للمجتمع الدولي، "معلش" لقناة الجزيرة، "معلش" للشهداء والجرحى والأسرى، "معلش" للمشاهد على شاشة التلفاز، "معلش" للأمم المتحدة، "معلش" لذاته.... ولكم أن تفهموها كما تريدون وأن تضيفوا عليها "أحا".