هل كان سلام فياض ينطق عن الهوى؟
مقالات

هل كان سلام فياض ينطق عن الهوى؟

المبادرة التي تقدم بها الدكتور سلام فياض ، رئيس الحكومة الفلسطينية الاسبق ، لانهاء العدوان الاسرائيلي البربري على قطاع غزة ، والدور المطلوب من السلطة الوطنية الفلسطينية بعد ان تضع الحرب اوزارها ، وهو بالطبع ليس تقليلا من شان ذلك الرجل الذي قاد بحنكة وحكمة مرحلة من أدق المراحل في تاريخ السلطة الفلسطينية ، بعد ان عصفت بها رياح الانقسام المؤلم بين شطري الوطن ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالكامل وانهاء اي وجود للسلطة الفلسطينية فيه . 

المشككون في وطنية الدكتور فياض ، وبعيدا عن بعض ردود الفعل التي صدرت هنا او هناك على مبادرته ، ووصفها بانها شكل من اشكال الخروج عن الاجماع الوطني الفلسطيني ، او انتقاد توقيتها حيث الاولوية لوقف اطلاق النار وادخال المساعدات الانسانية لاهل القطاع ، او عن ضرورة الضغط على اصدقاءه في الحزب الديموقراطي الحاكم بالولايات المتحدة الامريكية لاجل الضغط على دولة الكيان بوقف عدوانها !! وبعيدا عن المؤيدين او المعارضين لهذا الرجل ، السؤال الذي يطرح نفسه : هل كان الدكتور فياض حين اعلن عن مبادرته ، ينطق عن الهوى ؟ اضافة الى سؤال آخر طفى على السطح ، ودوت اصداءه بعد عملية " طوفان الاقصى " ما هو الاجماع الوطني الفلسطيني ؟ 

اولا ، ماذا تقول مبادرة فياض بايجاز : المبادرة تطالب حركة حماس باطلاق سراح المدنيين الذين تحتجزهم دون قيد او شرط ، وهو ما لوح به بعض من قيادات حركة حماس بالموافقة المشروطة ، اضافة الى ان ذلك يأتي ضمن الجهود القطرية الحالية ، والدعوات الروسية الى حد قريب ، اضافة الى انه مطلب امريكي ، بمعنى ان هناك توافق بوجهات النظر بين مختلف الاطراف ولكن بحاجة الى ربط الخيوط ببعضها !! 

فياض تحدث ايضا عن السلطة الفلسطينية ، مستبعدا ان تكون قادرة على حكم وادارة قطاع غزة بعد ان تضع الحرب اوزارها ، بهيكليتها وتشكيلتها الضعيفة الحالية ، في ظل تعاظم موجة الغضب الشعبي في الضفة الغربية ، على الصمت الرسمي والتنظيمي ازاء ما يجري من جرائم بحق المدنيين في قطاع غزة ، وهو ما اضر بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ، في ضوء تمسكها بخيار السلام في الوقت الذي تتآكل فيه شعبيتها على حساب المعارضين لاتفاقيات اوسلو التي باتت حبرا على ورق والالتفاف الاسرائيلي عليها ، في وقت التفت الجماهير حول المعارضين الذين تبنوا خيار المقاومة ، وتعاظمت شعبيتهم بعد عملية " طوفان الاقصى " . 

ومن هنا دعا فياض في مبادرته وقبل اي خطوة قادمة ، وقبل فوات الاوان ، الى الاسراع في اصلاح هياكل ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع لجنتها النفيذية لتشمل حركة حماس والفصائل ذات التوجهات المماثلة ، والانطلاق نحو تبني برنامج سياسي وطني يعكس الطيف الكامل من وجهات النظر الفلسطينية حول ما يشكل تسوية مقبولة تحافظ على مسار يؤدي الى حل الدولتين عن طريق التفاوض ، ومن ثم ووفق القانون الاساسي تتولى السلطة الوطنية ومن خلال حكومة توافق عليها منظمة التحرير الفلسطينية الموسعة ، السيطرة الكاملة على ادراة شؤون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال فترة انتقالية ، ربما تقود الى تحقيق ما يحلم به الشعب الفلسطيني . 

مبادرة فياض هذه ، سبقتها عدة اشارات رسمية وشعبية ، فلسطينية وعربية ودولية ، ومنها اسرائيلية من المعتدلين في دولة الكيان ، ماذا بعد الحرب على غزة ؟ فمن ضمن الاشارات الرسمية ، كان هناك تصريحات للرئيس الامريكي بايدن عن حل الدولتين ، - بصرف النظر عن جديته او انها تصريحات مخادعة - ، الامر نفسة بالنسبة للرئيس الروسي بوتين ، وايضا الصين تحدثت عن ذات الشأن ، حتى اسبانيا دعت الى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط ، ومن دون شك هناك اشارات رسمية اخرى ، ومن الاشارات الشعبية ، نزول الملايين الى الشوارع في العواصم الغربية ، خاصة تلك المؤيدة للاحتلال وعدوانه كبريطانيا ، وفرنسا ، وحتى في الولايات المتحدة ، ترفع شعارات الحرية لفلسطين . 

ناهيك عن الشعوب العربية والاسلامية الغاضبة ، والضاغطة على حكوماتها بضرورة نصرة شعب فلسطين ووةقف ما يتعرض لع الشعب الفلسطيني من ابادة جماعية وتهجير قسري . 

ومن ثم تلى مبادرة فياض اشارات فلسطينية ، وكان محرما الحديث عنها في ظل العدوان ، ابرزها تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد اشتية ، الرافضة لاي ادارة اممية لقطاع غزة ، لافتا الى ان قطاع غزة مسؤولة من الحكومة الفلسطينية منذ ثلاثين عاما ، وان لا حلول جزئية لقطاع غزة او الضفة الغربية ، مشيرا الى ان حركة حماس جزء من المشهد "السياسي" الفلسطيني . 
ورشحت معلومات من الغرف المغلقة للقيادة الفلسطينية في رام الله ، ان الرئيس محمود عباس تحدث في هذا الاطار وعن ضرورة ضم حركة حماس الى منظمة التحرير الفلسطينية ، ونقاش دار حول ادراة قطاع غزة بعد انتهاء العدوان . 

في ضوء ما تقدم ، هل اتت مبادرة الدكتور سلام فياض من فراغ ؟ ام تبرع مشكورا بتقديم رؤية من ذاته ؟ وهل كان ينطق عن الهوى ؟ ام انه سيكون رجل المرحلة القادمة ؟ 

تقديري ان الدكتور فياض ، وبحكم علاقته الشخصية الحميمة التي تجمعه والرئيس محمود عباس، وبحكم علاقاته القوية والحزب الديموقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الامريكية ، وبحكم حسن ادارته للشؤون الفلسطينية ابان توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية ، والرضى الشعبي عن ذلك ، لم يكن ينطق عن الهوى ، وانما تلقى اشارات من تحت الطاولة ، ربما امريكية ، وربما من الرئيس محمود عباس للادلاء بدلوه ، لجس نبض الشارع وتهيئته لقيادة المرحلة القادمة ، حتى ولو كانت انتقالية . 

بصرف النظر، ان كانت حركة حماس قد اخطأت ، او اصابت في عملية " طوفان الاقصى " الا انه من دون شك ان هذه العملية البطولية الاسطورية قد حركت المياه الراكدة ، فقد كشفت زيف الاساطير الاسرئيلية عن الجيش الذي لا يقهر وعرته امام شعبه وامام العالم اجمع ، ما استدعى دولة الكيان الى طلب النجدة من حلفاءها وخاصة الولايات المتحدة والغرب الذين حركوا الاساطيل والبوارج لانقاذها من السقوط بالهاوية ، كذلك فقد اسقطت هذه العملية القناع وكشفت الصديق من العدو ، خاصة اولئك المتهالكين على التطبيع ، واستحالة تحقيقه مع الشعوب التي تقطر قلوبها نحو فلسطين ، حتى لو بادر الحكام المهزومين اليه ، كما والحقت " طوفان الاقصى " ولاول مرة في تاريخ الصراع خسائر مادية وبشرية فادحة في صفوف الجانب الاسرائيلي لم يسبق لها مثيل ، ودفعت باتجاه ضرورة ايجاد حل عادل وشامل للصراع يستند الى الشرعية الدولية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب دولة الكيان. 

وربما دعوة الرئيس محمود عباس في اجتماع القيادة الاخير لعقد قمة عربية طارئة تأتي ضمن هذا الاطار ، لبلورة اجماع عربي واحياء المبادرة العربية للسلام وفرضها على الطاولة من جديد وبموافقة امريكية ودولية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.