واقع وتحديات اليوم أمام استكمال منهج وعد بلفور الأستعماري
ما يجري اليوم وفي تزامن لذكرى وعد بلفور الذي صادفت قبل ايام ما يحقق مفهوم الوعد المشؤوم من خلال ممارسات والمنهج المتجدد المستمر لأصحابه منذ عام ١٩١٧ .
اخطار وتحديات كبيرة قادمة امام شعبنا في ظل مجريات العدوان البربري وحرب الابادة الجماعية ، ليستكملوا بها من جهة ، ما وعدتهم به قوى الأستعمار من خلال الصهيوني بلفور لاستدامته وتوسيعه من خلال هذه الشراكة المتجددة ، وفق ما يقدمون أنفسهم به أو ما يقدمهم الاستعمار به بما يخالف مفهوم القانون الدولي "كشعب" وكضحية التاريخ الوحيدة وساميين مضطهدين ، وعلى أساس التوسع الاستيطاني والحروب وانكار وجود شعبنا ونفي حقنا في تقرير المصير . حتى يتسنى لهم تنفيذ ما يريدون دون محاسبة أو عقاب في ظل حماية تاريخية ممن ابتدعو كيانهم بكل الأشكال والإنماط ، وحتى على حساب اليهود أنفسهم.
ان ما يجري اليوم والذي لا يستهدف احداً دون أحد بحق كل شعبنا ومرتكزات وجودنا والهوية الوطنية لشعبنا من تصعيد لجرائمهم المستمرة منذ اكثر من ٧٥ عاما ، يجب أن يدفعنا الان بعد أولوية وقف حرب الابادة الجماعية بل والتطهير العرقي والتهجير القسري الى تقييم المرحلة والرؤية والاداء ولو متأخرا ، حتى نتمكن من الصمود والبناء من أجل أن نبقى في وطننا .
فلا يوجد خيارات متعددة أمامنا سوى المقاومة بمفاهميها واشكالها المتعددة وفق الظروف ، فقد استمر الأحتلال لفترة عقدين من الزمن دون تكلفة ، في حين استمر الانقسام على اثر الانقلاب المؤسف بتكلفة عالية على برنامجنا الوطني وحضورنا الدولي ومقومات صمودنا . وقد كان مبرِرا للبعض الدولي والاقليمي العربي في اضعاف وتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية كما تُفترض مكانتها من التمثيل الوحيد لشعبنا والتي ساهمنا نحن ايضا في اضعافها لأسباب عدة وبأشكال مختلفة لا يتسع هنا الحديث عنها الان .
هنا لا اريد ان ادخل في تفاصيل تتعلق بالكيفية التي سَمحت لبعض التوجهات بتصور التاريخ وكأنه سيقف عند نقطة محددة ، دون إدراك علمي بأن التاريخ يسير للأمام ولا ثابت فيه سوى المتغير وبمسيرته التي تاخذ اشكالا مختلفة فهو لا ينتظر احد ولا يقبل الفراغ ولا تتكرر به اللحظات المناسبة لطبيعة عمل ما .
ومع الإدراك بحجم التضحيات العظيمة والكبيرة التي يقدمها شعبنا هذه الأيام على اثر جرائم لا تتسع الكلمات لوصفها وتعدادها ، كتضحيات مماثلة كان قد قدمها شعبنا بكل مراحل الكفاح الوطني حتى من على اراضي دول اخرى بعد الشتات القسري لنا وحين كان يرتكز نضالنا على المقاومة المسلحة . مراحل متعددة كانت يجب أن توصلنا إلى الحرية والاستقلال الوطني ، الا اننا لم نمتلك جرأة التقييم النقدي للمراحل السابقة بامانة ثورية وتاريخية أمام شعبنا ، ولهذا أدخلُنا الغير أو أدخلنَا انفسنا نحن في مسارات ودهاليز دون تحقيق ما يصبو شعبنا وحركتنا الوطنية اليه .
والأمثلة كثيرة على ذلك ، لكن أهمها يتعلق بعدم ادراك تلك التوجهات لدى البعض لحقيقة الدور الأستعماري للولايات المتحدة وما تسعى له من خلال محددات العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل ذات الابعاد الدينية والسياسية الفكرية الاستعمارية والاستيطانية التي تستند الى جرائم التطهير العرقي والفكر الفوقي هنا وهنالك ، فبقي البعض بتوجهاته تلك يركض خلف ذلك السراب الامريكي بحجة أن امريكيا تمتلك قدرة التأثير على دولة الأحتلال ، بل وتمتلك ٩٩% من أوراق اللعبة كما كان يردد السادات، فبتنا نناشدها في كل الظروف رغم قولنا لا "لترامب"، وامتناعنا مؤخرا مع الأشقاء العرب عن لقاء بايدن في اطار فهم صحيح لدورهم
الذي يحرك الكثير من الجغرافيا السياسية اليوم كحالة أوكرانيا لمحاولة انضمامها إلى الغرب ، وإسرائيل الانضمام إلى شرق أوسط جديد وفق استكمال اتفاقيات التطبيع وبهيمنتها ، الأمر الذي يشكل توافقا روسيا ايرانيا مشتركا في اعاقة تنفيذ المسألتين في مواجهة الرغبات الأمريكية ، التي تهدف للقضاء على ما تبقى من حركات التحرر الوطني أو حتى تراثها كما في حالتنا الفلسطينية وعلى المقاومة بالأقليم بمختلف مسمياتها بهدف ترتيب الأوراق الأمريكية بالمنطقة التي ترتكز اساسا على حماية اسرائيل التي ستشهد متغيرات داخلية كبيرة بالوقت القريب . ترتيبات وفق ما نُفذ سابقا في مناطق اخرى من العالم ، التي عادت ونهضت وانهت الدور الأمريكي فيها .
ذلك الدور الأمريكي صاحب مسلسلات الجرائم حول العالم ، الذي هدفَ وما زال الى تحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية وافراغ مقومات قضيتنا العادلة من جوهرها السياسي،وتحطيم الكيانية الفلسطينية تحت مسميات مشاريع وذرائع مختلفة إلتي أوصلتنا إلى حالة الجمود عبر عقدين من الزمن وفق احتكارهم لعملية ادارة ازمة الصراع دون حلها حتى حدوث العدوان البربري الذي يجري بشراكتهم وحمايتهم ، رغم ما يسعون له من جهة اخرى الان لتخفيض الضغط على إسرائيل .
ان دولة الأحتلال تسعى برأيي لمحاولة استكمال تنفيذ مشروعها بالسرعة الممكنة لتفادي ظهور جبهات جديدة أو تصاعد الجبهات القائمة الآن ومنها اولا : جبهة صمود المقاومة الجارية الاَن في غزة وفق امكانياتها وامكانية اتساعها من حدود الشمال الذي بات امراً مقلقا لاسرائيل بحكم ما يحيطه من كتمان حول توجهات قوى اخرى . ثانيا : اتساع جبهة التضامن الشعبي الدولي التي تاخذ اشكالا جديدة يوميا في كل دول العالم التي باتت تظهر كشكل الانتفاضة العالمية ضد الولايات المتحدة والحركة الصهيونية العالمية واداتها دولة الأحتلال وضد حكومات دول الغرب التي باتت تخشى اتساعها .
ثالثا : اتساع حجم المقاومة الشعبية المتعددة الاشكال في مناطق الضفة الغربية بما فيها القدس ضد الأحتلال والمستوطنين . رابعا : تصدع جبهتهم الداخلية بتفاصيلها المتعددة وعدم انسجام مستوياتها السياسية والعسكرية وخاصة مع اهالي اسراهم وقتلاهم ودون تمكنهم من اعادة اي منهم حتى اللحظة وتصاعد المعسكر المناهض لنتنياهو الذي أعتقد أنه يخوض معركته الأخيرة . فبات السؤال لدى اوساط مختلفة من شعب القوميات المتعددة المسمى "الشعب اليهودي" باسرائيل حول جدوى حروبها المستمرة منذ ٧٥ عاما ، ومدى قدرة مجتماعاتهم على تحمل الثمن الباهظ للعدوان واستمراره بغض النظر عن إمكانية تعدد الجبهات من عدمه .
دولة الاحتلال تسعى من خلال مشروعها وفق سياسة المراحل في حرق الأرض لدفع شعبنا إلى الهجرة نحو الجنوب ومن ثم استخدام كل الوسائل لدفعهم باتجاه سيناء ، رغم معارضة الموقف المصري الواضح حتى اللحظة رغم المغريات المقدمة .
ان ما تخطط له دولة الاحتلال لأستكمال مكونات مشروعها الأخرى في الضفة الغربية في إطار محاولة تنفيذ خطة الحسم المبكر والترانسفير الى الاردن الذي يصطدم اليوم بموقف أردني واضح برفض ذلك وبصمود شعبنا ومقاومته السياسية والشعبية والقانونية والإعلامية وظهور أشكال من المقاومة المسلحة .
لذلك فان السؤال القائم الآن هو ، هل ستحتمل دولة الاحتلال كل تلك التبعات الناتجة عن تشابك المؤثرات التي أشرت اليها ، وخاصة الخسائر بالأرواح وما يشكله ذلك العدوان من عبئ مالي على اقتصادهم المتزعزع اصلا منذ عام مع بداية الانقلاب القضائي . طبعا الخزانة الأمريكية مفتوحة على مصراعيها لهم رغم وجود معيقات تتعلق بتحركات المعارضة الجارية بالشارع الأمريكي ومنها منظمات يهودية ضد تداعيات السياسة الأمريكية والإسرائيلية ومنها استقالة موظفي بالكونغرس وموقف عدد من اعضائه ايضا .
هذا إضافة لبدء تراجع طفيف بمواقف عدد من الدول الأوروبية خجلا اخلاقيا وتحت ضغط المظاهرات الشعبية فيها عن موقفها المنحاز تماما . كما وبدايات سحب السفراء الذي بادرت له دول لاتينية صديقة وتبعته دول شقيقة ، الامر الذي يجب ان نطالب نحن باستكماله ليشمل كافة الدول الصديقة والشقيقة وفق ضرورة تراجعنا عن مبدأ تقديم دولة الأحتلال كشريك بالسلام سندا لاتفاقية اوسلو التي قد عطلتها وتنكرت لها هي نفسها ، وضرورة تقديمها من جانبنا اليوم كدولة اجرام مارقة يتوجب مقاطعتها .
ورغم أن الولايات المتحدة تقول ان الوقت غير ملائم الآن لوقف النار رغم تناقض تصريحاتهم اليوم حول الهدنة الانسانية المؤقتة الذي ينم عن الفشل في ادارة الازمة ، ولانها تريد للعدوان الاستمرار لكن بضمان النجاح بحكم مشروعها الشرق اوسطي الجديد بالمنطقة وتوحشها لتنفيذه ، الا ان معظم دول العالم يطالبون اليوم بوقف النار فورا ، وهنالك امكانية لاتساع جبهة الشمال وجبهات اخرى من العراق واليمن .
أن في ذلك الآن مصلحة وضرورة ملحة لشعبنا لوقف الإبادة الجماعية وهو موقف القيادة والكل الفلسطيني بما فيها حركة حماس التي اختلفَ شكل ومضمون خطابها المعتاد وفق ما جاء على لسان رئيس مكتبها السياسي قبل يومين ، رغم ما نختلف فيه او نتفق معهم عليه ، الا ان الأمر يتطلب اليوم ضرورة الابتعاد عن اثارة عدد من الأسئلة التي تطرح حول جدوى الفائدة المضافة لما جرى من مفاجأة هزت قوة ردع جيش الأحتلال وقدراته يوم ٧ أكتوبر ، كما ومدى استعداد شعبنا في قطاع غزة لمواجهة كل ما ترتب عن ذلك الهجوم المقاوم كرد فعل طبيعي لشعب يعاني جرائم الأحتلال ، وما له علاقة بالتضخيات وبقدرات المقاومة وإمكانيات المساندة الجوهرية الغائبة حتى كتابة هذه السطور سوى من بعض الاشتباكات على الحدود الشمالية وفق قواعد الاشتباك المعتادة حتى الآن ، لكن دون تمكن دولة الاحتلال من اعادة لبنان إلى العصر الحجري كما كانت تهدد ، وذلك وفق متغيرات معادلات الردع .
أسئلة يتوجب نقاشها لاحقا في إطار تقيم المسيرة والنتائج لكن ليس الآن ، بل المطلوب الان تشجيع الخطاب الواقعي العقلاني ذو البعد الوطني لدى قيادة حماس والجهاد وانضمامهم إلى بيت الحركة الوطنية الفلسطينية منظمة التحرير وبدء إجراءات الترميم والتصحيح الديمقراطي التحرري فيها ، والبدء الفعلي وليس اللفظي لعملية البناء والتكامل السياسي والدبلوماسي مع دور المقاومة التي اتاحتها المواثيق الدولية للشعوب الخاضعة للأحتلال . فهذا التكامل هو حال سر نجاح حركات التحرر حول العالم كما اهمية المساندة الخارجية التي مكنتها من حصاد نتائج سياسية نحو تحررها .
ورغم اننا نكره ماَسي الحرب ولا أعتقد بأن أحدا يرغب بتوسعها ، لكن ذلك يعتمد على طبيعة شكل ومضمون القرار الإسرائيلي من استكمال العدوان والتفكير باليوم التالي لانتهائه أمام الاحتمالات المختلفة التي بدأ التفكير بها ، وعلى منهج التفكير الأمريكي بخصوص اتساع رقعة الحرب ومدى استفادتهم منها وتعاطيها مع تعدد اللاعبين بالمنطقة وامتداداتهم .
الان علينا نحن تقع مسوؤلية استثمار المؤثرات التي تتسع ووتعمق بنتائجها على دولة الاحتلال ومصير مشروعها ، وهي لحظة يجب أن تكون مواتية الان للبناء على العوامل المذكورة في هذا الظرف لبناء جبهة عالمية ضد العدوان ومن اجل وقف المحرقة ، كما وضد دولة الاحتلال نحو عزلها وعقاب مجرمين حربها . أن ما يجري يجب أن يفتح افقا سياسيا جديدا نبادر له مع قوى عالمية ينهي اسباب الصراع المستمر الناتج عن الأحتلال والأستيطان الذي يشكل جوهره ، من خلال استعادة دور الحركة الوطنية الفلسطينية واستيعابها لكافة القوى في برنامج وطني واحد للنهوض الذاتي ومن أجل الوصول بانفسنا إلى حق تقرير المصير والأستقلال الوطني واسقاط الابرتهايد.
ولذلك علينا كسب المعركة بكل ابعادها لان خسارة دولة الاحتلال للمعركة الجارية بكل ابعادها يعني انتهاء وخسارة مشروع الاحتلال الاستيطاني ، لهذا فإن إسرائيل والولايات المتحدة التي تذر الرماد في العيون بحديثها عن حل الدولتين وتدفع باتجاه المزيد من تعقيدات الامور وارتكاب المجازر التي رغم ضحاياها الجسام والمؤلمة لا يجب ان تأخذنا إلى حيث ما يريد أن يأخذنا الاحتلال له من معركة أرقام . لذا علينا أن ننتصر لوحدتنا واَسرانا ومستقبل كفاحنا الوطني ولمستقبل شعبنا ولمبادئ الحرية والمساواة والعدالة والسلام ..