مصير الحرب يتوقف على مدتها
صدى نيوز - تدخل جريمة الحرب على غزة يومها التاسع والثلاثين، ولا تزال الأسئلة مطروحة فيما يتعلق بنتائج الحرب، ومتى تنتهي، ومن المنتصر والمهزوم فيها، وما مصير حكومة بنيامين نتنياهو والقيادة الفلسطينية وحركة حماس، وما سيناريوهات ما بعد الحرب، وهل تمتد إلى الجبهة الشمالية وتقع الحرب الإقليمية المفتوحة أم لا، وما تأثير القمة العربية الإسلامية والانتفاضة الشعبية العالمية؟
لقد تناولت معظم هذه المسائل في المقالات السابقة التي كتبتها منذ السابع من أكتوبر، لذا سأركز على المستجدات والتطورات.
مصير الحرب، ومدتها، ومن المنتصر فيها؟
على الرغم من الكارثة التي ألمت بشعبنا الفلسطيني كما نلاحظ في حجم الخسائر، لا بد من رؤية البطولة التي يجسدها شعبنا الصامد الذي لم ينقلب على المقاومة، بل يلوم بغالبيته الساحقة الاحتلال على ما جرى، وآثرت مئات الآلاف البقاء في شمال القطاع وعدم النزوح إلى الجنوب، مع أن البقاء يعني العيش في الجحيم، والتعرض إلى محرقة بكل معنى الكلمة، وأن المتمسك ببقائه في بيته يعني معرفته بأنه مشروع شهيد، وهذا يدل على عظمة هذا الشعب، وأنه متمسك بوطنه وجذوره ضاربة عميقًا في هذه الأرض.
جسدت المقاومة بطولة مستمرة بصمودها وتصديها الباسل، على الرغم من احتلال قوات الاحتلال ثلث غزة، وفصل الشمال عن الجنوب، وتهجير 1.6 مليون مواطن وفق الصليب الأحمر، وصولًا إلى فتح حرب على المستشفيات من أجل إغلاقها، واستكمال عملية التهجير، وتدمير الشمال تدميرًا كاملًا تمهيدًا لجعله كله أو أجزاء واسعة منه منطقة أمنية عازلة، لدرجة إلقاء أكثر من 32 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، وهذا أكثر من ضعفي القنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية.
كما يعاني القطاع من التجويع جراء الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الاحتلال، وعجز العرب والعالم عن إدخال المعونات الإنسانية الممنوع وصولها إلى الشمال؛ حيث إنها تدخل بالقطارة، وما دخل منها حتى الآن لا يساوي ما كان يدخل القطاع قبل العدوان في يومين أو ثلاثة.
متى تنتهي الحرب؟
السؤال الملح والأصعب: متى تنتهي الحرب؟ والإجابة عنه عندما ينتصر طرف انتصارًا ساحقًا على الطرف الآخر، وهذا حتى الآن على الأقل بعيد المنال، أو أن يصل الطرف المعتدي إلى نتيجة بأن استمرار عدوانه سيلحق به ضررًا وخسائر أكثر من الأرباح والفوائد التي تعود عليه من وقفه، وهذا السيناريو يتحقق في خمس حالات، وهي:
أولًا: إذا صمدت المقاومة وألحقت بالقوات الغازية خسائر فادحة، وهذا سيناريو يحدث ومحتمل أن يتواصل، فخسائر قوات الاحتلال وصلت إلى تدمير وإعطاب أكثر من 175 دبابة وآلية وفق بيانات كتائب القسام، و47 قتيلًا بين ضابط وجندي إسرائيلي وأضعافهم من الجرحى وفق بيانات الناطق العسكري الإسرائيلي، وأضعاف هذه الأرقام بكثير وفق تقدير عدد من الخبراء.
ثانيًا: إذا ثارت الضفة المحتلة والداخل الفلسطيني؛ أي إذا تحولت انتفاضة الضفة المحدودة إلى انتفاضة شاملة، وهذا مستبعد لعوامل عدة، أبرزها أن السلطة تساهم بقوة في ضبط الضفة، وأن هناك مجزرة صغيرة في الضفة ترتكب من قوات الاحتلال وجماعات المستوطنين، كما يظهر في العدوان الذي يمارسه الاحتلال على الضفة، الذي خلف 195 شهيدًا، وآلاف الجرحى والأسرى، فضلًا عن تسليح عشرات الآلاف من المستوطنين إضافة إلى وجود أكثر من 100 ألف مسلح من قبل، وتكليفهم بمهمات أمنية للتخفيف عن الجيش الذي يركز قواته وجهوده على الجبهتين الجنوبية والشمالية، مع العلم أن عمليات المقاومة وفق "نيويورك تايمز" تضاعفت أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل طوفان الأقصى، ومع ذلك فإن احتمال انفجار الضفة لا يمكن استبعاده كليًا إذا استمر العدوان والمجزرة الجماعية المفتوحة، وفي ظل تردي الأحوال الاقتصادية، مع عدم ذهاب أكثر من 200 ألف عامل للعمل داخل الخط الأخضر للشهر الثاني على التوالي، وعدم صرف رواتب السلطة بعد اقتطاع حصة قطاع غزة من أموال المقاصة المحولة من وزارة المالية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، ورفض استلامها وإعادتها، مع العلم أن أموال المقاصة في الشهر القادم ستكون أقل بكثير.
ماذا وراء صمت الداخل؟
من المستبعد أن تفتح جبهة الداخل بقوة في ظل الإجراءات القمعية غير المسبوقة التي وصلت إلى حد إقرار قوانين عنصرية وتنفيذ اعتقالات واسعة، وصلت إلى اعتقال الفنانة دلال أبو آمنة لأنها كتبت "الله غالب" في منشور لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وطرد طلبة جامعيين وموظفين من أعمالهم لأنهم تضامنوا مع شعبهم، إضافة إلى اعتقال قيادات بارزة لأنها شاركت في مظاهرة، فضلًا عن التأثير السلبي لوجود جناح سياسي له ثقل يعتقد أن الاندماج في إسرائيل أسلم الخيارات، إضافة إلى تأثير تفشي الجريمة والعنف في الداخل على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي.
ثالثًا: إذا ارتفع احتمال تحوّل الحرب المحدودة (حرب الإسناد) على الجبهة الشمالية التي يخوضها حزب الله وفصائل لبنانية وفلسطينية، إلى حرب مفتوحة، ومع أن هذا الاحتمال جدي ولكنه ليس حتميًا ولا مرجحًا حتى الآن على الأقل، لأسباب عدة، وهي: أن السيد حسن نصر الله ترك الأمر في خطابه الثاني معلقًا على ما يحدث في الميدان، ولأن فتح الجبهة الشمالية سيجعل المقاومة مباشرة وجهًا لوجه مع الأساطيل الأميركية المحتشدة، وهذا لم يتم الاستعداد له، وأن لبنان في وضع سيئ جدًا وغير مجمع ولا متفق على الحرب، وأن عنصر المباغتة مفقود، وأن محور المقاومة لم يختر التوقيت وهو غير جاهز للمبادرة إلى حرب قد تتحول إقليمية وعالمية وسيشارك فيها الجيش الأميركي، مع أنه مستعد لخوضها إذا فرضت عليه، ولأن إيران الحليف القوي لا تفضل خوض حرب الآن، وقد تنزلق الأمور إلى حرب غير مرغوبة نتيجة أخطاء أو سوء في التقدير، مع ضرورة ملاحظة أن نتنياهو وعددًا من أركان حربه وصقور البنتاغون يفكرون في شن حرب على لبنان للقضاء على حزب الله أو إضعافه، ولكن إدارة بايدن وأوروبا كلها والعالم كله تقريبًا ضد توسّع الحرب.
رابعًا: إذا تواصلت الانتفاضة الشعبية العالمية ووصلت إلى مستوى القدرة على التأثير في صانعي القرار في الدول الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة، وهذا الاحتمال قائم، ومن المحتمل أن يزداد تأثيره في القرار العالمي، خصوصًا إذا استمرت المجزرة الجماعية المفتوحة. ومن المهم استخلاص العبر والدروس مما يجري، وأن الرهان يجب أن يكون أولًا وأساسًا على الشعوب وقواها الحية وحركات التضامن السياسية والدينية وقوى التقدم والعدالة والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية.
خامسًا: إذا أخذت القمة العربية والإسلامية، التي لم ترتق في نتائجها إلى مستوى التحديات والمخاطر، قرارها المتعلق بكسر الحصار على محمل الجد، ووضعت الإجراءات والآليات الكفيلة بتحقيقه، وهذا مستبعد، ولكن لا يمكن عدم وضعه في الحسبان كليًا، خصوصًا أن الأنظمة المعتدلة صديقة الغرب والولايات المتحدة محرجة أمام شعوبها، وبعد أن ظهر مرة أخرى أن وزنها وتأثيرها ومصالحها ليس لها وزن يذكر عند الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والمستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
أوراق قوة العرب مجمّدة
لو ولو كما يقال تفتح عمل الشيطان ولوح العرب باستخدام الأوراق السياسية والدبلوماسية التي يملكونها، وخصوصًا سلاح النفط، وإغلاق القواعد العسكرية، ووقف أو تقليص التبادل التجاري، وأعطوا نموذجًا على ذلك (حجم التبادل التجاري بين العرب وأميركا 550 مليار دولار، ومع الدول الإسلامية يفوق تريليون دولار)، من خلال الإقدام على خطوات أخرى مثل سحب السفراء العرب من تل أبيب وطرد سفراء الكيان المحتل من العواصم العربية المطبعة؛ لتغير الموقف جذريًا، حتى لو من خلال عرض مقايضة تقوم على التطبيع الكامل مقابل انسحاب وسلام كامل ووقف العدوان، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم يخشون من المواجهة مع واشنطن والعواصم الغربية وتأثيرها في عروشهم، وكونهم يصدقون أن الحرب أرادتها "حماس" ضدهم، وأن الحرب ضد "حماس" وليست كما هي ضد الشعب الفلسطيني، فعندهم "حماس" امتداد لجماعة الإخوان المسلمين التي يحاربونها، وجزء من المحور الإيراني العدو أو المنافس لهم على زعامة المنطقة، مع أن قرار طوفان الأقصى ثبت بأنه فلسطيني 100%.
ولولا حرب الإبادة والمجازر وتقدم خطر التهجير وخطر امتداد الحرب إلى جبهات أخرى، وما يعنيه من تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وإلقاء عبء القضية الفلسطينية على العرب، خصوصًا في البلدان المحيطة بفلسطين والأردن ومصر بصورة خاصة، لما تردد بعض زعماء العرب من اتخاذ موقف داعم للعدوان.
وحتى نفهم موقف العديد من البلدان الطامحة للقيام بدور مركزي في المنطقة، لا بد من أن نتذكر أن المنطقة قبل السابع من أكتوبر كانت تسير بسرعة نحو تطبيع سعودي إسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية، تمهيدًا لخلق شرق أوسط جديد يتحقق فيه تعاون وتنافس معظم بلدان المنطقة مع إسرائيل والعالم الغربي والهند، كما يدل على ذلك تبني إقامة الممر الهندي من الهند إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل، في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني، ولتحقيق هذا الشرق الأوسط الجديد القديم لا بد من إزالة أو احتواء بؤر التوتر.
احتواء "حماس" وهدنة طويلة الأمد
في هذا السياق، كان مطروحًا قبل السابع من أكتوبر احتواء "حماس" لاستخراج الغاز من بحر غزة عبر إقامة هدنة طويلة الأمد، مقابل تخفيف جدي للحصار وإقامة مشاريع ومجالات استثمار ومناطق صناعية وتجارية في سيناء، وإذا رفضت "حماس" وبقية فصائل المقاومة سيتم ضربها عسكريًا، لذلك جاءت معركة طوفان الأقصى في أحد أسبابها بوصفها مبادرة استباقية.
إسرائيل وأميركا لا تريدان وقف الحرب قبل القضاء على "حماس"
الحكومة الإسرائيلية ومعها الإدارة الأميركية لا تريدان حتى الآن وقف العدوان قبل تحقيق هدف القضاء على حركة حماس، أو إضعافها بشكل كبير، بصورة لا تعود قادرة على حكم قطاع غزة وتهديد دولة الاحتلال مجددًا، لذلك أقصى ما أبدى حكام واشنطن وتل أبيب الموافقة عليه هو الهدنة الإنسانية المؤقتة، التي تحولت حتى الآن إلى هدن لاإنسانية، ومجرد ممرات لاستكمال التهجير القسري لأهل شمال قطاع غزة، مع المماطلة في إتمام صفقة تبادل أسرى ومحتجزين جزئية؛ كونها تعطي نصرًا ما للمقاومة، وتتضمن وقفًا للعدوان لمدة من ثلاثة إلى خمسة أيام، من شأنه أن يعطي فرصة للمقاومة لالتقاط الأنفاس وترتيب صفوفها، كما أنه يمكن وسائل الإعلام من تصوير ما حدث ورؤية حجم الدمار والفظائع التي لم تظهر حتى الآن؛ ما يدفع بالجهود لوقف العدوان إلى التصاعد، بما يهدد القدرة على استئنافه.
ثلاثة أشهر أم ثلاثة أسابيع
يدرك قادة الاحتلال أن الوقت الممنوح لهم ليس طويلًا: أولًا، لأن الحرب الطويلة تنهك الاقتصاد الإسرائيلي وتستنزفه، وقد مني بخسائر باهظة وأكثر بأضعاف عدة من الدعم الأميركي الذي فاق 14 مليار دولار. وثانيًا، لأن العرب والمسلمين قد يشرعون في تنفيذ قرارهم بالقمة بفك الحصار، وربما قد تتحول الجبهة الشمالية إلى حرب مفتوحة، كما أن حالة الغضب والإحباط من آثار العدوان المخيفة التي اجتاحت العالم كله وأطلقت انتفاضة شعبية عالمية أحدثت وستحدث تأثيرًا في الدول الغربية، وسيصل هذا التأثير في لحظة ما إلى الولايات المتحدة.
لذا، قد يكون صحيحًا ما قيل إن بايدن رد على طلب نتنياهو منحه ثلاثة أشهر إضافية بأن هذا غير ممكن، وأن المدة المتاحة أقل من هذه المدة بكثير وتتراوح بين ثلاثة أسابيع وحتى أعياد الميلاد.
ومع الحذر من أخذ توقيت وقف العدوان المذكور بشكل جدي، وأنه يمكن أن يكون نوعًا من الخداع مثلما يحصل مع الهدن الإنسانية التي يجري الحديث عنها منذ أسابيع ولم تتحقق حتى الآن، لذلك نلاحظ أن قوات الاحتلال تبدو في سباق مع الزمن تبحث عن نصر لا تجده حتى الآن، ولو عن طريق إطلاق سراح الأسرى كافة، ويتحقق هذا النصر للاحتلال إذا فقدت المقاومة قدرتها على إطلاق الصواريخ وعلى تنفيذ عمليات تلحق خسائر ملموسة بالقوات الغازية كما تفعل حتى الآن، وهنا تظهر معضلة نتنياهو في أنه لا يستطيع تحقيق هدفه إلا إذا كانت الحرب طويلة، والحرب الطويلة قد تكون مكلفة جدًا ليس لإسرائيل فقط، بل لمكانة أميركا ونفوذها في المنطقة.
مستقبل قطاع غزة
يقودنا ما سبق إلى ما يثار حول مستقبل قطاع غزة، خصوصًا من نتنياهو الذي يتحدث عن بقاء السيطرة الأمنية الشاملة على قطاع غزة، وأن لا مكان لحماس فيه، ولا مكان للسلطة؛ لأن رئيسها لم يدن طوفان الأقصى، وسلطته تدفع رواتب للأسرى وعائلات الشهداء، وتحافظ على مناهج مدرسية معادية لإسرائيل، وتبث التحريض في وسائل الإعلام، وتلاحق إسرائيل دوليًا عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية؛ أي إن نتنياهو يقول إذا تخلت السلطة عن كل ما تقدم فإنه يسمح لها بالعودة، ولكن مع بقاء الأمن بيد الاحتلال، مع أنها إذا فعلت ذلك تتحول إلى سلطة عميلة.
مستقبل قطاع غزة لا يقرره نتنياهو
لا تكتمل القصة إلا بمعرفة أن نتنياهو لن يبقى في الحكم طويلًا ليقرر أو يساهم في تقرير مستقبل قطاع غزة، فالمطالبة برحيله فورًا تتسع، والمطالبة بتبكير الانتخابات تتسع كذلك، فضلًا عن أن اليمين المتطرف الديني والقومي لن يشارك في أي حكومة قادمة، فكما تشير الاستطلاعات فإن الائتلاف الحاكم سيخسر في أي انتخابات قادمة، وبالتالي خطط بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وغيرهما ستُزال عن طاولة التداول للتطبيق، فيما يتعلق بالحكم و إعادة الاستيطان لقطاع غزة، ورفض عودة السلطة إلى غزة، وحل السلطة، وإقامة إدارات محلية بدلًا منها، وضم الضفة، خصوصًا مناطق (ج)، وإقامة مناطق عازلة حول المستوطنات لا يسمح للفلسطينيين بدخولها. وسيحل محل الحكومة حكومة أقل تطرفًا، ولكنها تتمسك باللاءات الإسرائيلية، ولن يتسع برنامجها للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك تجسيد الاستقلال للدولة الفلسطينية.
آراء في أميركا وإسرائيل: الرئيس عباس ليس الشخص المناسب للمرحلة الجديدة
سيحل محل خطط اليمين المتطرف الخطط والمواقف التي يطرحها بيني غانتس ويائير لابيد وأمثالهما، وهي تتسع لعودة السلطة، ولكن بعد إعادة تأهيلها حتى تتجاوز العجز والضعف الذي تعاني منه، وأدى إلى خسارتها غزة، وضعف سيطرتها على مناطق عدة في الضفة، وهذا الموقف بشأن الموافقة المحتملة على عودة السلطة إلى قطاع غزة يتوافق مع موقف الإدارة الأميركية وأوروبا والمجتمع الدولي، وهنا يتردد في أروقة الحكم والقرار في واشنطن وتل أبيب بأن الرئيس محمود عباس ليس الشخص المناسب لقيادة المرحلة الجديدة، وأن المطلوب شخص شاب أو أقل عمرًا يملك التصميم على تنفيذ المطلوب منه بتصميم أكبر، لذا جاري البحث عن قائد أو قيادات المرحلة الجديدة، والمعضلة هنا أن عودة السلطة من دون عملية سياسية جادة تختلف عن سابقاتها، وستظهر مهما كانت القيادات التي ستقوم بها القديمة أو الجديدة بأنها عودة على ظهر الدبابة الإسرائيلية، خصوصًا إذا اختارت الحكومة الإسرائيلية تقليص مساحة وسكان القطاع كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، والتعامل مع قطاع غزة كما تتعامل سلطات الاحتلال مع المناطق المصنفة (ب) في الضفة؛ حيث تحتفظ بالأمن بينما تحتفظ السلطة الفلسطينية بالصلاحيات الإدارية والمدنية.
لقد بقيت السلطة على حالها بعد تجاوز الحكومات الإسرائيلية لالتزاماتها في اتفاق أوسلو، على الرغم من فقدانها شرعية وجودها المبنية على تحقيق برنامج الدولة عن طريق المفاوضات والتنازلات الذي لم يتحقق بل تحقق عكسه، وبدلًا من تغيير السلطة وتبني مسار جديد وإعطاء الأولوية للوحدة تعايشت مع واقع عودة السيطرة الأمنية الكاملة لقوات الاحتلال على المناطق المصنفة (أ) و(ب)؛ حيث لم يعد هناك فرق بينها كما يظهر في اقتحام قوات الاحتلال للمدن وقتما تشاء، واعتقال أو اغتيال من تشاء، أو هدم منزل أو وضع كاميرات أو إزالة كاميرات ... إلخ.
إن سيناريوهات ما بعد الحرب قبل وقف الحرب جزء من الحرب النفسية، ومحاولة مكشوفة لتصوير أن سيناريو الهزيمة هو السيناريو الوحيد، وإنّ تداول اللاعب الإسرائيلي واللاعبين الآخرين من الرئيس القادم وتغيير السلطة ومن يحكم القطاع أمور مهمة، ولكن يقررها الشعب الفلسطيني وقواه الحية ومؤسساته الوطنية، من خلال الوحدة والتوافق الوطني على كيفية إدارة مرحلة انتقالية إلى حين الاحتكام إلى الشعب عبر خوض انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها.
إن الانقسام وغياب الرؤية الشاملة والإستراتيجيات المناسبة والقيادة الواحدة هي التي توفر الفراغ الذي يسمح بكل أنواع التدخلات الضارة، لذا لا بد من بناء البديل الوطني حتى لا يفرض على الفلسطينيين بدائل غير وطنية.
الرئيس عباس مستعد لعودة السلطة إلى غزة ضمن مسار سياسي
على الرغم من كل المحاذير، أبدى الرئيس عباس استعدادًا لعودة السلطة إلى قطاع غزة قبل انتهاء العدوان، وكأنه يحاول أن يشتري المزيد من الوقت في الحكم من خلال التساوق مع السيناريوهات المطروحة لما بعد "حماس"؛ كونه تحدث عن مؤتمر دولي وجدول زمني لم يشترط أنه ملزم لكل أطرافها العملية السياسية، بما فيهم دولة الاحتلال، ولا يتمسك بوجود "حماس" وكل القوى الفلسطينية، ولا يضع شرط إنهاء الاحتلال وموافقة إسرائيل منذ البداية على إقامة دولة فلسطينية، ولكنه طالب فقط أن يكون ذلك ضمن مسار سياسي على أساس حل الدولتين، ولكنه لم يحدد على أي أسس، بما قد يعني أنه مستعد لقبول مجرد استئناف ما سمي "عملية السلام"، وهذا قابل للتحقيق مع حكومة إسرائيلية برئاسة غانتس أو لابيد، مع أن الخبرة السابقة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن ما جرى طوال ثلاثة عقود في ظروف أفضل ليس عملية سلام، بل عملية بلا سلام، واستخدمت بوصفها غطاء لخلق حقائق احتلالية واستيطانية وعنصرية تجعل تحقيق السلام مستحيلًا، فضلًا عن أنها فتحت الطريق لتطبيق مشاريع الضم والتهويد والتهجير.
وهم جديد ... بايدن سيكافئ السلطة بدولة
هناك وهم جديد يطل برأسه بأن الإدارة الأميركية ستمنح السلطة دولة مقابل موقفها من الحرب وإقصاء "حماس"، وعدم الانخراط في الحرب من خلال ضبط الضفة، وهذا الوهم يعرف أصحابه أكثر من غيرهم أنه وهم ضار جدًا، ولكن يروجون له لتبرير ما فعلوه ولم يفعلوه ردًا على حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، مستغلين الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي ألمت بالفلسطينيين بسبب "حماس" كما يتردد في الكواليس.
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن احتمال فوز ترامب إذا ترشح أو مرشح جمهوري آخر أقوى من احتمال فوز بايدن، وما يعنيه ذلك من دعم أكبر لإسرائيل وإحياء صفقة ترامب أو صيغة جديدة لا تختلف عنها بظروف أسوأ، فإن الأمور ستكون أسوأ، وبحاجة إلى استعداد ورد فلسطيني موحد في مستوى التحديات والأخطار.
"حماس" بعد الحرب
يتوقف مستقبل "حماس" أولًا على نتيجة الحرب، فهل ستقف بعد توجيه ضربة قاصمة للحركة وإقصائها من الحكم، وعندها ستفرض دولة الاحتلال شروطها، ولن تقبل بدولة ولا ما يحزنون، أم تقف الحرب مع استمرار صمود المقاومة، وإفشال تحقيق أهداف العدوان، وبالتالي ستكون اللاعب الرئيسي الفلسطيني، وستفتح هذه النتيجة نافذة الأمل والأفق السياسي، وفرض إنهاء الاحتلال وإقامة دولة، أم تنتهي بصيغة لا غالب ولا مغلوب، وعندها سيستمر الصراع، وستكون هناك جولات أخرى، وتكون "حماس" فيها أضعف عسكريًا وسياسيًا وقوية جماهيريًا؟
وهناك إمكانية للبحث في خيارات سياسية من دون أن تملك إمكانية النجاح، وفي هذه الحالة تتغير أو يمكن أن تتغير "حماس"؛ حيث تتكيف مع الوضع الجديد، ويمكن أن تكون لاعبًا مهمًا يؤثر في القرار الفلسطيني والمؤسسة الفلسطينية لكن من خارجها؛ أي تشارك في تشكيل الحكومة من دون أن تمثل فيها مباشرة؛ لأن اشتراكها سيمنع أو يحد من إمكانية إعادة الإعمار، أو الأصح إعادة بناء مساحات كبيرة تم تدميرها بالكامل.
نتيجة الحرب هي التي تحدد، ومدة الحرب قصيرة أو طويلة عامل حاسم.