فلسطين عابرة للقارات
يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني تم اعتماده في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1949 ذات اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم رقم 181 وتقرر على اساسه تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية ولطالما تحدث المستوى الرسمي الفلسطيني عن الدولة اليهودية التي انشات وهي قائمة بينما الدولة الفلسطينية لم يتم العمل على اقامتها بسبب غياب الارادة وازدواجية المعايير الدولية اذ لم يتم العمل ولم يدرك العالم اهمية ازالة وتصحيح الظلم التاريخي الذي وقع بحق شعب فلسطين منذ ذلك الحين وحتى لم يفهم هذا العالم المتفرج قبوله بقرار تقسيم وطنه مرغما، ولسنا هنا بصدد تحليل السياق الذي رافق محطات هامة منذ نشاة القضية الفلسطينية وجذورها وحتى اليوم، وحجم المؤامرة الذي مورست على شعبها بعيدا عن هذا التحليل الذي يقود في نهاية المطاف لاستنتاج واحد ان هنا شعب لا يموت، ولا يتلاشى، وهو غير قابل للذوبان او الاندثار متمسك بهويته مهما اشتدت على عنقه حبال المؤامرات من القريب والبعيد لسبب بسيط هو انه صاحب الارض وصاحب الحق وبالعودة لقرار التقسيم في ظل الظرف الذي تمر به الذكرى هذا العام المختلفة كليا عن كل المراحل السابقة ولم تشهد القضية الفلسطينية في اي مرحلة منها ما تشهده اليوم .
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام يتزامن مع حرب عدوانية يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني، وان نال قطاع غزة حصة الاسد وبات رأس الحربة على مدار 49 يوما بعد السابع من اكتوبر الماضي او ما يعرف "بطوفان الاقصى" كرد فعل ومحصلة لسلسلة متواصلة من الانتهاكات الجسمية التي استهدفت المقدسات الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس اضافة لتسعير الاستيطان، وسياسات التطهير العرقي في الضفة الغربية، وخطوات تنفيذ مخطط الضم، واطلاق يد المستوطنين لترويع الناس والاعتداء على القرى والبلدات، والاعدامات الميدانية على مراى ومسمع العالم دون ان يحرك ساكنا وهو ما ادى الى ما حدث يوم السابع من تشرين اول الماضي كتطور نوعي لتراكم كمي وما تلا ذلك من عدوان دموي راح ضحيته حتى الان بحسب التقديرات غير النهائية ما يقارب 50 الف شهيد وجريج، وتدمير اكثر من 60% من المباني في قطاع غزة اضافة لنزوح ما يقارب المليون مواطن لاحقتهم صواريخ العدوان حتى في المدارس والمشافي، ودور العبادة .
هذه الهجمات غير المسبوقة التي تفوق ما تعرضت له هيروشيما بعدة اضعاف من اطنان القذائف، والذخائر التي معظمها امريكية الصنع والتوريد ومنها المحرمة دوليا، وما رافق هذه الحرب المجنونة من عشرات المجازر التي تقشعر لها الابدان ضحيتها من النساء والشيوخ، والاطفال تدمير البيوت فوق رؤوس اصحابها، ومشاهد الموت ادت فيما ادت اليه من نتائج الى ما يشبه(صحوة عالمية) غير مسبوقة ايضا لم يشهد لها العالم مثيلا ربما في العصر الحديث في تعاطف دولي بالغ الاهمية فهذه المرة تختلف كليا عن كل ما سبق من حيث حجم المشاركات، واتساع رقعة التحركات العالمية فغدت شوارع المدن، والعواصم العالمية مسرحا واسعا وساحة من ساحات فلسطين بكل معنى الكلمة فترى احزاب سياسية يسارية وتقدمية، مؤسسات مجتمع مدني، نشطاء، وطلبة حتى رجال الشرطة، وبرلمانيين وعديد الحكومات اعلنت موقفها الرافض لاستهداف المدنيين، واعلت صوتها بعد ان كانت في البداية مترددة او متلعثمة بسبب تاثير الاحتلال او خشية من عقاب سيد البيت الابيض او لاعتبارات عديدة اخرى لا داعي الان للدخول فيها، ومنهم من غير وهم كثر موقفه ولغته، مقارنة مع ما صدر عنهم بداية العدوان، وهو ما من شأنه ان يمثل مؤشرا على اهمية الضغط الشعبي على صناع القرار في دول العالم على اختلاف توجهاتها لتعزيز التأييد للقضية الفلسطينية .
ان ما حدث من حراك متواصل بهذا الشكل الضخم الحاشد في عواصم ومدن مثل لندن، اتوا، وسيدني، ومدن اوروبية، وامريكية اضافة الى مئات الاف في شوارع العالم يؤكد استعادة القضية لبهو حضورها كقضية مركزية على اجندة الاهتمام الدولي باعتبارها قضية العدالة الانسانية مهما حاول الاحتلال تزوير الحقيقة، وطمس معالمها، وانها فعلا عابرة للقارات، للافئدة وقلوب الشعوب لا بوصفها تملك ترسانة من الصواريخ البالستية بعيدة المدى لكنها تملك قوة الحق التي بامكانها ان تحطم الحدود، وتخترق الضمير الجمعي الانساني، والوجدان الاخلاقي لمحبي السلام لتحركه هذه المرة ليس بفعل الحالة العاطفية امام الاشلاء الممزقة فحسب ومشاهد الموت والدمار الذي يخلفه الاحتلال على الهواء مباشرة في نشرات الاخبار في بث حي، وانما ايضا كحالة صراع بين اولئك الذين يساندون الخير، والشر الفضيلة والرذيلة بين من يمارس الاضطهاد وبين من يقف مع حق الشعوب في الحرية هذا هو اصطفاف دولي جديد مغاير ينبغي الاستفادة منه فلسطينيا في تشكل الوعي العالمي من اجل العمل بصورة محددة واضحة تحددها عدة مرتكزات تتماثل مع القانون الدولي اولها هو اننا نعيش مرحلة تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، وان العالم مطالب على هذا الاساس بحقن المزيد من الدماء والتحرك لانهاء الاحتلال، واثبتت التجرية ان حالة التعايش مع استمرار واقع الاحتلال هي غير ممكنة في واقع الحال مرة والى الابد .
ومن المهم في يوم التضامن ايضا مع هذه السيول الجارفة من البشر انصار الحياة رفضا للموت التي تجتاح العالم تتعالي فيها الاصوات والهتافات التي تعج بها الكرة الارضية جمعاء تحويل هذا الفعل لمطالب سياسية على اهمية النداء لوقف العدوان علينا تحويل الشعار الذي يرفعه العالم الى(انهاء الاحتلال الان) تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه الحالة العاطفية الجامحة حالة الغضب العارم امام ورغم محدودية الحكومات وخيبة الامل بالمؤسسات الدولية من وقف حمام الدم الجاري في الضفة الغربية وقطاع غزة هو بتحويل هذه الحراكات الى ضغط ممنهج على صناع القرار من اجل الوصول الى مسألتين في غاية الاهمية بالتوازي، ومن شأن تحقيق اختراق نوعي فيهما ان يؤدي الغرض المامول كمقياس لمدى المساهمة في الانتصار لقضية فلسطين الاول توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والثاني العمل على تامين محاكمة ومعاقبة دولة الاحتلال وما بينهما تأتي اهمية العمل على الضغط لقطع العلاقات مع الاحتلال، وان تحذو دول العالم حذو بوليفيا، وفنزويلا، وجنوب افريقيا الى جانب اجراءات، وخطوات مماثلة لانهاء الاتفاقيات التجارية وبضمنها استيراد وتصدير الاسلحة مع الاحتلال نظرا للانتهاكات الجسمية التي ترتكبها في الاراضي الفلسطينية المحتلة
المناخ الدولي اليوم في جهوزية عالية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تكن القضية الفلسطينة في صدارة المشهد الدولي مثلما هي اليوم هذا يتطلب العمل على خطاب واسع النطاق لتطوير اليات دولية فاعلة ترتقي لمستوى الجريمة الحاصلة، والعمل على فتح افق سياسي جديد عنوانه الامم المتحدة لحشد التأييد لعقد مؤتمر دولي تحت مظلتها للوصول لتسوية تنهي الاحتلال بكل اشكاله، وايصال الالياذة الفلسطينية الى وضع التطبيق لانهاء الظلم الحاصل الذي لم يعد مقبولا استمراره، ومن غير المعقول ان تنتهي هذه (الجولة) كسابقاتها بعد ما سفك من دماء لا يجب القبول باستمرار الاحتلال جاثما فوق صدورنا، وان يستمر صمت العالم فبدل البحث عن ايجاد قيادة بديلة، وترتيبات اليوم التالي للحرب وسيناريوهات من شأنها ان تطيل امد الصراع، وعلى العالم اليوم ان يرى الحقيقة الماثلة استقلال فلسطين الان دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس وفي يوم التضامن الذي عقدت تحضيرا له العديد من الاجتماعات الموسعة محليا وضمت القوى السياسية والمؤسسات الاهلية، والاتحادات، والنقابات، والاطر النسوية، والمهنية علينا العمل على تحويله ليوم فلسطين بامتياز تتحول شوارعنا فيه لساحات تشتعل بالهتاف، والنداء بالحرية والعدالة من اجل ان يعم السلام على ارض فلسطين الخالية من الظلم ولو بعد حين نحن بحاجة الى مفردات مصطلحات مفاهيم من نوع جديد لمرحلة جديدة لغة موحدة مختلفة نجمع عليها في نظام سياسي قادر على مجابهة التحديات هو يوم الحقيقة، والانحياز للحق العالم يتحول فيه الى وحدة واحدة من اجل انهاء الاحتلال من اجل الحرية لفلسطين .