السّفارات البعثات الدبلوماسيّة الفلسطينيّة: مُشكلات، ومُقترحات للتطوير
طالعتُ وبحُرقة ما تداولته وسائل التواصل المحليّة المقروءة عن السّفارات والبعثات الدبلوماسيّة الفلسطينية في العالم ووجدت لزاما عليّ الكتابة في هذا الموضوع لا سيّما ونحن في أمس الحاجة للتمثيل الجيد بل المميز للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية خاصة وأن القضية الفلسطينيّة تحتل المرتبة الأولى أو الثانية عالميا في ظل الحرب المدمرة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.
فالعمل الدبلوماسيّ يتطلب موظفين على درجة عالية من العلم والمعرفة بالعمل الدبلوماسي وبالقضية الفلسطينية، إضافة إلى الانتماء الصادق والإلمام الجيد بالواقع السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ في فلسطين والدول المضيفة.
والعمل الدبلوماسيّ بحاجة إلى أشخاص يتمتعون بمهارات إدارية عالية في التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والاتصال والتواصل وصنع القرار وحلّ المشكلات. السفير أو القنصل ممثل لبلده ووطنه في الدولة التي يعمل فيها، وبالتالي يتطلب الأمر مهارات عالية في الاتصال والتواصل والتمثيل، ويتطلب منه إجادة اللغات المختلفة مثل اللغة العربية والإنجليزية ولغة البلد المستضيف إن أمكن مما يشكل نقطة قوة لدى عمل السفارة. وعليه أرى من الضرورة -إن أمكن- أن يتمتع المرشح للعمل في السّفارة- بغضّ النظر عن طبيعه مكان وبلد السفارة- أن يكون لديه العلم والمعرفة الكافية بالعمل الدبلوماسي وعمل السفارات والقنصليات والممثليات. والعملُ الدبلوماسي يتطلب الدراسة الجامعية ذات العَلاقة بالعمل الدبلوماسي والعَلاقات العامة إن أمكن، مع وجود مهارات قيادية وإدارية وخبرة في مجال العلاقات الدولية والعامة.
العمل الدبلوماسي علم، ومعرفة، ومهنة. ووجود الصفات المذكورة لا يكفي ولا يضمن النجاح في العمل الدبلوماسي في ظل غياب مبادئ وأخلاقيات الأعمال المتمثلة بالنزاهة والشفافية والصدق والأمانة والإخلاص في العمل، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة. ومن هنا أرى أنّه من الضروري أن تتوافر هده الصفات ليس فقط في السفير أو نائبه بل في جميع طاقم السفارة أو الممثلية.
يتطلب العمل الدبلوماسي إلى جانب المؤهلات الشخصية خبرة علمية وعملية في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة. والعمل الدبلوماسي علم، وعمل، وفنّ، ومهنة. من هنا أقترح على جامعاتنا الفلسطينية طرح تخصصات ومساقات في الدبلوماسية بما يُمكّن المشاركين من اكتساب مهارات تساعدهم على تحمل المسؤوليات والتعرف على طبيعة العمل الدبلوماسي وعمل السفير ومهامه تحديدا. كما وأقترح الاستفادة من وحدة التطوير الدبلوماسي في وزارة الخارجية، فعمل السفير والقنصل يتطلب الانتماء الصادق ومعرفه بالعلاقات الخارجية مع تكريسه الجهود للنجاح وتمثيل بلده ووطنه أحسن تمثيل. كما وعلى السفير التعامل مع المراجعين بكل إحترام وجديه، متابعه سير العمل في السفاره والتأكد ان ما هو حاصل مطابقأ تمامأ لما يجب ان يكون. كما وعليه التحلي بالنزاهه والشفافية وممارسه الحكم الرشيد في العمل وعدم استغلال المنصب لأغراض شخصيه خاصه وعدم التعامل بعجرفه وخشونه مع المراجعين حيث أن ألسفاره ملجأ للمحتاجين من المواطنين الفلسطينيين والعرب ان يتكيف مع المتغيرات، ان يكون شجاعا في الدفاع عن القضيه الفلسطينيه كما وعليه ألإبقاء على تواصل مع الوزاره في الأمور الاستراتيجية والجوهرية الحساسة التي تهم القضيه الفلسطينية. على الصعيد الشخصي على السفير ان يهتم بنظافه الجسد وحسن المظهر، التمتع بالصفات الأساسية المتمثلة في الإنفتاح والجديه والتواضع والتعامل بهدوء في حال التعرض لضغوطات مع التحلي بالصبر. على صعيد العمل على السفير ألاهتمام بقضايا المراجعين، كما وعليه المشاركه في الأنشطه ذات العلاقه بالقضيه الفلسطينيه سواء كانت على مستوى دعوات من سفراء او إتحادات طلابيه في الجامعات او منظمات أهليه أو مؤسسات خاصه أو عامه.
عمل موظف الاستقبال وباقي الموظفيين في السفارة لا يقل أهمية عن عمل السفير وبالتالي أرى أن موظف الاستقبال في السفارة من أهم الموظفين فهو الذي يشكل الانطباع الأول والصورة الدهنية عن السفارة، وبالتالي يكون الانطباع الأولي والنهائي لدى المراجعين. وعليه أرى ضرورة التركيز على مبدأ أساسي في إدارة المنظمات وهو اعتبار الموظف البسيط في المؤسسة على درجة عالية من الأهمية مثله مثل الموظف القوي (رئيس أو مدير المؤسسة) على غرار الجهاز الكهربائي، فعطل قطعة في الجهاز قد تكون قيمتها المادية لا شيء غير أن خراب القطعة قد يعطل عمل الجهاز.
في الحالة الفلسطينية - كما هو الحال في جميع أنحاء العالم - أرى من الضرورة اختيار السّفراء بمهنية ودقة عالية بعيدًا عن المحسوبية والمحاصصة، على أن يتم الاختيار للعمل في السفارات لمن يتمتعون بمهارات وخبرات متنوعه في مجالات العلوم السياسية والإدارة العامة والعلاقات الدولية والشؤون والسياسات العامة، وإدارة الصراع والنزاعات السياسية والمالية، وكذلك ممن سبق وأن شغلوا متطوعين في مجال العمل البلوماسي مما يمكنهم من عمل علاقات وتطويرها مع المواطنين المحليين وبالمجتمع المحلي، مع القدرة على تطوير علاقات في القطاعات الاقتصادية والصناعية في البلد الذي يعملون فيه لصالح الوطن. بالإضافة لمن لديهم خبرة في العمل الإنساني والعمل السياسي. وبالتالي العمل الدبلوماسي ليس كأيّ وظيفة أو منصب مجرد إشغاله بأي شكلٍ من الأشكال، فأرى من الضرورة اجتياز المرشح للعمل الدبلوماسي لدورة أو امتحان في الدبلوماسية، والعَلاقات العامة مع الجاهزية والاستعداد للعمل خارج الوطن.
يوجد في السفارات طاقم دبلوماسي لتقديم خدمات قنصلية للمواطنين والمساعدة في منح (الفيز) والقيام بوظائف إدارية واستقطاب متطوعين، وعليه أرى أنّ كل سفير دبلوماسي لكن ليس كل دبلوماسي سفير. تكريس الجهود للعمل الدبلوماسي والسياسات الخارجية والعلاقات الدولية والعمل بمهنية يُمكّن الشخص من الحصول على منصب سفير لبلده. ولكي ينجح الدبلوماسي في عمله عليه أن يطور قدرات الإنصات والاستماع وتفهّم النظراء والتغلب على نقاط الخلاف وحلها -إن وجدت- مع المحافظة على تطوير علاقات طيبة مع الدولة المستضيفة والمجتمع المحلي. كما وأرى من الضرورة أن يتمتع السفراء بالمهنية وإلإخلاص في العمل وحسن الانتماء والجدية، مع عدم الانشغال بأية أمور شخصية خاصة أو عمل خارج نطاق العمل الرسمية، بغض النظر عن طبيعة العمل، على حساب الوظيفة العامة ودون علم الوزاره المعنيه.
فقد ينجم عن التعثر في العَلاقات الدبلوماسية تعثر الاهتمامات والرغبات الدبلوماسية في البلد الذي يعمل فيه السفير، وفي الكثير من الحالات قد ينجم عن ذلك قطع في العلاقات أو سحب سفراء وتخفيض مستوي التمثيل، وقد تصل العلاقات إلى طريق مسدود مما ينعكس سلباً على أداء المؤسسة وعملها، وعليه أرى أن السفير هو المرآة التي من خلالها تنعكس طبيعة البلد التي يمثلها.
ولكي ينجح السفير في عمله عليه ان يدير المؤسسه بمهنيه عاليه وأن يجيد المعارف ويطور العلاقات والمهارات المتعلقة بحل النزاع والصراع والاتصال والتواصل الناجح والفعال، بالإضافه إلى تطوير مهارات الإنصات والاستماع وخدمه المراجعين والتعامل مع النظراء بمهنية ,والتعاون والإبداع في العمل، مع توفر القدرة والمهارة على التحليل والتشخيص، بالإضافة إلى القدرة على حل الصراع والنزاع والتحليل والتشخيص للمواقف المختلفة وهذا ما يتطلبه العاملون في الحقل البلوماسي في يومنا هذا.
كما وأرى ضرورة تفعيل عمليات الرقابة والتقييم لأداء السفارات وعملها ومكاتب التمثيل الفلسطينية. الرقابة والتقييم
من أهم العناصر الإدارية، وهي أشبه بالسور الواقي الذي يحمي المدينة أو ألمؤسسة من الأعداء. الرقابة عملية مستمرة وتعني التأكد من أن ما هو حاصل مطابق تمامًا لما يجب أن يكون. كما تتمثل الرقابة في الرقابة الأولية والرقابة أثناء وبعد العمل.
أي الرقابة السابقة والمتزامنة واللاحقة. ولتحقيق النجاح والانضباط في عمل السفارة أرى ضرورة أن تتم عملية الرقابة والمتابعة
لأداء السفارات ومكاتب التمثيل الفلسطينية من خلال تقديم السفير تقارير شهرية مكتوبة، أو كلما لزم الأمر إلى وزير الخارجية أو الرئاسة إذا لزم الأمر كون وزارة الخارجية تتبع منظمة التحرير مع تطبيق سياسة العميل الخفي أو المراجع السري، وهي أداه
تستخدم في مجال تطوير العملية الإدارية والتسويقية من خلال تقمص شخصية العميل؛ للتعرف على مستوى الانضباط والالتزام
بتقديم أداءأفضل للخدمة بأسلوب علمي مبني على الملاحظة بغرض التقييم واتخاد الإجراءات التصحيحية المناسبة، وتتم عملية الرقابة والتقييم لأداء العاملين في السفارة ومتابعه مدى الالتزام بالدوام في السفارة من خلال تطبيق سياسة العميل الخفي أو المراجع السري والاتصال الفجائي بالسفارة في أوقات غير معلنه للتعرف على مدى الالتزام والانتماء من قِبل الموظفين مع تسجيل المكالمة بغرض تقييمها واستخلاص العبر فيما بعد. وبالتالي تفيد هذه السياسة في الرقابة على الامتثال والالتزام بساعات الدوام. هذا مع العلم أن عمل السفاره أو الممثلية لا ينحصر في ساعات العمل الرسمي بالتالي أرى ضرورة اتباع سياسة الهاتف المفتوح نظرا لتفاوت التوقيت بين الدول مع عدم إغلاق الهاتف حتى خارج ساعات العمل الرسمي. وللتدقيق في عمل السفارات ومدى الالتزام والامتثال لمتطلبات الوظيفة يطلب من الطاقم المختص في ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الوطنية الفلسطينية إجراء التقييم الخارجي لعمل السفارة أو الممثلية من خلال طاقم مختص يقوم بإجراء التدقيق المالي والإداري والفني لعمل السفارة أو البعثة الدبلوماسية بموجب كتاب تكليف مُسبق.
قد تكون عمليه الرقابة مفاجئة أو معلنة مسبقاً، هذا مع العلم أن الهدف من الرقابة ليس التصيّد بل التنبيه إلى الأخطاء والمخالفات وتصحيحها، إلى جانب الاستفادة من وحدة التدريب الدبلوماسي في وزارة الخارجية الفلسطينية.
في النهاية أرى أنّ ما حصل في بعض السفارات من إشكاليات أو قصور في الأداء قد يكون ناجما عن صراعات داخلية، وعليه أرى ضرورة عمل طاقم السفارة بروح الفريق وليس المجموعة بعيدًا عن الأنانية والشللية، وتفضيل المصالح العامة على المصالح الخاصة. وعليه أرى ضرورة المتابعة المهنية المستمرة لعمل السفارات ومكاتب التمثيل وتقييم أدائها واتخاد الإجراءات التصحيحية الفورية اللازمة حفاظًا على هيبة مؤسساتنا وسمعتها ولا سيما أن القضية الفلسطينية تمرّ في مراحل صعبة تتطلب العمل بجدية وحكمة ودبلوماسية حفاظا على الزخم والدعم العالمي الذي تتمتع به قضيتنا الفلسطينية العادلة. وعليه أرى أن السفارة أو مكتب التمثيل المرآه التي تعكس صوره وهيبة الدولة.
كما وأرى أنه لا بدّ من التنبيه إلى خطر الاعتياد في العمل الدبلوماسي، حيث الاعتياد على الشيء يفقد الشعور بوجوده. ومن هنا أوصي بعمليات التدوير لوزرائنا وسفرائنا والعاملين في السفارات والوزارات، مع إجراء تقييم شامل لعمل السّفارات ومكاتب التمثيل واتخاد الإجراءات التصحيحيّة اللازمة قبل فوات الأوان.