الكارثة والخلاص
مقالات

الكارثة والخلاص

أحدث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على مدار السبعة والسبعين يوماً الفارطة كارثةً إنسانيةً بكل الأبعاد والمعنى تعيد إلى الأذهان معاناة وآلام الآباء والأجداد في النكبة الأولى للشعب الفلسطيني عام 1948، لا يشعر بها أو يتلمس مفاعلها وآثارها إلا أولئك الواقفين الصامدين في غزة "ملاذ البحر إلى اليابسة ومأوى الحياة" الباحثين عن السلامة في أرجاء الموت المحيط بهم غصباً عن الدمار ورغماً من فقدان الأحباء. 
لا أحد اليوم يمتلك البلاغة لوصف الكارثة التي حلت بقطاع غزة وأهلها، حتى تلك الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تتحدث عن ذاتها بذاتها لجزء يسير من المعاناة الإنسانية. لم تعد غزة كما هي غزة، فالناس هناك فقدوا مكونات الحياة كالأسرة والصاحب والحبيب والجد والجدة والعم والخال والأصدقاء والجار ورفيق الطفولة وزميل المدرسة والعمل أو لم يعودوا كما كانوا، حل الدمار في البيت والشارع والحي والبلدة والمدينة، وبات البحر حزينا على ذكريات الحب وعلى الأمل والمستقبل الذي يرافق قوم غزة الجبارين عبر السنين.
هذا العدوان بطبيعته الفاشية وعنفه الهمجي لم يترك للأجيال القادمة إلا الانتقام القومي "الجمعي" الذي ستحمله؛ أولئك الذين رأوا أباءهم وأمهاتهم يُقتَّلون وأشلاء أبنائهم وأخوتهم متناثرة، والذين لم يتمكنوا من تقديم تقوس احترام الموت ووداع الشهداء، ليس حباً بالحرية والانعتاق من الاستعمار فقط بل بدوافع المأساة الكارثة ونوازع رد الاعتبار للذات الإنسانية لشعب الفلسطيني جُرد من آدميته بالصوت والصورة أمام العالم العاجز عن وقف جرائم الإبادة التي قامت بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. 
أطلقت مجموعة من الشخصيات الوطنية مبادرة الخلاص الوطني بهدف توحيد الجهود لوقف العدوان أولاً، ودعم وتسريع إدخال المساعدات الاغاثية والطبية ثانياً، واستعادة الوحدة الوطنية ثالثاً، وإنهاء الانقسام ومعالجة ذيوله رابعاً، ومعالجة آثار العدوان في قطاع غزة خامساً، والتحضير لإجراء الانتخابات العامة سادساً. 
الشعوب الحية والقيادات الناضجة عندما تحل بها كارثة تعيد النظر في طرائق عملها وتحالفاتها ومواقفها وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفكيك آثار الكارثة ومآسيها؛ حيث لا تبقى أسيرة أدواتها وتحالفاتها السابقة بل النظر إلى المصلحة الوطنية العليا للوطن وحدوده وبالشعب واحتياجاته وتطلعاته وإنْ كانت على حساب المصلحة الخاصة أو المصلحة الفئوية لهذا الفصيل أو ذاك. 
مرة أخرى هذا المقال صرخة في وجه القيادة السياسية الفلسطينية في رام الله والدوحة وبيروت وغزة ودمشق أو زعماء الفصائل الفلسطينية المختلفة من يمينها إلى يسارها من أجل تحمل مسؤولياتهم الوطنية؛ للنهوض من الكارثة كطائر الفينيق الفلسطيني، وللخلاص الوطني من الانقسام والاحتلال، ولوقف تيه اللجوء والمعاناة والألم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.