ألمانيا لا تعارض الإبادة الجماعية، بالأمس الناميبيون والأرمن واليهود واليوم الفلسطينيون!
ألمانيا تريد أن تُكفر عن ذنوبها التاريخية على حساب فلسطين وشعبها وبسقوط أخلاقي جديد في سياساتها ، ليس فقط من خلال انضمامها أمس إلى مرافعة دفاع دولة الأحتلال في محكمة العدل الدولية أمام أتهامها بارتكاب الابادة الجماعية والدفاع عنها ، بل ومن خلال الانضمام القانوني القضائي إلى جانب دولة الأحتلال كطرف ثالث في مجريات القضية المرفوعة بمحكمة العدل الدولية .
فهي لا تزال لم تستخلص الدروس من تاريخ جرائمها المروع بالحرب العالمية الثانية ومن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قبل ذلك بحق شعب ناميبيا عام ١٩٠٥ وصمتها أو مشاركتها عن جرائم ابادة الشعب الأرمني على يد الإمبراطورية العثمانية حليف الإمبراطورية الألمانية بالحرب العالمية الأولى ، والتي اعتذرت عنها فقط بقرار برلمانها عام ٢٠١٦ اي بعد مرور مئة عام عليها واقرت بجريمة الابادة بحقهم .
واليوم تقف ألمانيا إلى جانب الدفاع عن اعمال ترتقي إلى جريمة الأبادة الجماعية والمحرقة التي ترتكبها دولة الأحتلال الأستعماري بحق شعبنا الفلسطيني ، وهي بذلك لا تستطيع أن تعبر عن التزامها باتفاقية الأمم المتحدة في مناهضة جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وقد كانت المانيا النازية أصلاً هي من تاَمرت مع الحركة الصهيونية العالمية لحلّ "المشكلة اليهودية" وتوقيع اتفاقية "هاعافارا" بعيدا عن الغرب وعلى حساب فلسطين من خلال ابتداع اضطهاد فقراء اليهود بألمانيا وفرض هجرتهم الأستعمارية إلى وطننا مقابل أموالهم.
وكان المتحدث الألماني في بيان نقلته وكالات صحفية إن “الحكومة الألمانية ترفض بشدة وصراحة الأتهامات الموجهة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية"
وأضاف "أن هذا الاتهام ليس له أي أساس من الصحة على الإطلاق".
ورغم كل أرقام إعداد الضحايا المؤلمة من شعبنا في غزة وبشكل خاص الأطفال منهم وانهيار الأوضاع المعيشية بشكل تام نتيجة حرب الأبادة ومنع المياه والكهرباء والوقود والدواء وتصريحات اعضاء حكومة الأحتلال الإسرائيلي حول التخلص من شعبنا في غزة كما والتحريض على ارتكاب مكوناتها والتي تشكل كلها عناصر لجريمة الإبادة الجماعية .
الا ان ألمانيا تصر على أن أياً من هذا لا يشكل قضية اتهام بارتكاب إبادة جماعية، بحجة أن دعمها لإسرائيل ينبع من مسؤوليتها الخاصة تجاه إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية النازية لعدد من الشعوب الاوروبية ومن ضمنهم اليهود هنالك خلال الحرب العالمية الثانية . تلك المحارق التي ارتكبها الالمان النازيون أو الابادة الجماعية التي نُدينها نحن الفلسطينيون ضحايا جرائم حكومات إسرائيل التي تتصاعد منذ ٧٦ عاما حتى اليوم دون عقاب .
وقد أكد المتحدث الرسمي الالماني من خلال تصريحه المنشور انه "في ضوء تاريخ ألمانيا، والجرائم ضد الإنسانية، والمحرقة ، فإن الحكومة الالمانية ملتزمة بشكل خاص باتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية" ، مضيفاً أيضا "إن الحكومة الألمانية تدعم محكمة العدل الدولية في عملها، كما فعلت منذ عقود عديدة ، وبذلك فأن الحكومة تعتزم التدخل كطرف ثالث الى جانب دولة الأحتلال قضائيا في الجلسة الرئيسية."
وبدأت حكومة الأحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة الدفاع عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية، رافضة الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية، لكنها فشلت أيضا في تقديم أي حجج أو أدلة مقنعة أمام القضاة .
وكانت دولة جنوب أفريقيا التي تسعى لأمتحان مصداقية العدالة الدولية والى مناصرة شعبنا صاحب الحقوق التاريخية ، قد رفعت القضية أمام المحكمة الدولية ووجهت الاتهام المباشر لدولة الأحتلال الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة خلال هجومها وعدوانها العسكري المستمر والمدمر حتى اليوم .
كما طلبت دولة جنوب افريقيا الصديقة والتي انتصرت على جريمة الابرتهايد ، من المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية الشعب الفلسطيني لحين البت بالقضية ، بما في ذلك مطالبة والزام إسرائيل بوقف الهجمات العسكرية على الفور.
ومع كل ذلك ، تبقى ألمانيا التي تقود فعلياً الأتحاد الأوروبي ملتزمة كما الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه دولة الأحتلال "إسرائيل" سندا لمحددات الفكر الاستعماري والفوقية الغربية البيضاء ، على الرغم من الغضب المتزايد في جميع أنحاء العالم بشأن لغة وسلوك فعل الإبادة الجماعية التي يتم تنفيذها بحق شعبنا ، والتي تتصاعد على اثرها موجة عزل إسرائيل الجارية بين شعوب العالم بما فيها الشعب الألماني الذي يطالب مسوؤلين المان بفرض إجراءات عقابية عليه بشأن المظاهرات التضامنية ومنع مظاهر عديدة منها .
وبينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته تعمل على تسهيل "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين خارج غزة، قال وزيرهم عميحاي إلياهو في وقت سابق من شهر تشرين ثاني الماضي ، إن إلقاء قنبلة نووية على غزة "هو خيار".
ورغم ذلك فقد صرح المستشار الالماني اولاف شولتز بعد ايام قليلة من بدء الحرب العدوانية على شعبنا بأنه "لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا وهو الوقوف بقوة إلى جانب إسرائيل ، هذا ما نعنيه عندما نقول إن أمن إسرائيل كان وسيظل الدافع الرئيسي لتصرفات دولة ألمانيا” ، مضيفا “إن تاريخنا والمسؤولية التي نتحملها نتيجة للمحرقة، تجعل من مهمتنا الدائمة الدفاع عن وجود وأمن دولة إسرائيل" .
وبقي هذا الموقف الألماني ثابتا حتى اليوم دون تغير حتى بعد مئة يوم من حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها حكومة الأحتلال الإسرائيلي بوحشية مطلقة .
وهو موقف يتفق مع المواقف الإسرائيلية في مهاجمة محكمة العدل الدولية لانحيازها المفترض ضد إسرائيل كما يدعون ، وهو ما يندرج وفق كافة الاتهامات التي توجهها دولة الاحتلال كعادتها إلى المنظمات الأممية والحقوقية بالعالم عند بحث قضية شعبنا الفلسطيني ، وهي تهم جاهزة يكيلونها بمعاداة السامية وانكار المحرقة وأن إسرائيل هي الضحية الوحيدة للتاريخ ، ضد كل من يعارض منهج سياساتهم وجرائم دولتهم بمن فيهم اليهود المناهضين للصهيونية.
إلا أن الموقف الألماني كان متسقاً مع سلوكيات الماضي ، فقبل فترة طويلة من العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة في السابع من أكتوبر ، كانت ألمانيا أيضًا بمثابة المدافع الرئيسي عن إسرائيل ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي تم حثها على النظر في قضية جرائم حرب ارتكبها أفراد إسرائيليون ضد الفلسطينيين.
ويرتبط جزء من التأخير في القضية تلك بدول مثل ألمانيا، التي استمرت في القول بأن القضية لا يمكن المضي قدما بها بسبب مشكلات قانونية أو فنية.
حيث قدمت ألمانيا سابقا رأي صديق للمحكمة، بحجة أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها إطلاق تحقيق رسمي بحق الإسرائيلين لأن فلسطين لا تستوفي تعريف الدولة بموجب نظام روما الأساسي بحسب وجهة نظرهم .
لقد كان الأجدر بألمانيا خاصة لمسؤوليتها التاريخية تجاه تداعيات الإبادة الجماعية من خلال الهولوكوست الذي نفذه الالمان النازيون بحق الشعوب الأوروبية ومنهم اليهود الذين عاشوا هنالك ضمن المجتمعات الاوروبية ، حيث ما زالت المانيا تدفع التعويضات لإسرائيل حتى اليوم . فإن الأجدر بألمانيا ان تسعى جاهدة إلى العمل على إحلال سلام عادل وشامل يُفضي إلى تجسيد الدولة المستقلة ذات السيادة والمتواصلة جغرافيا وعاصمتها القدس للشعب الفلسطيني وفق مبدأ حل الدولتين على حدود ما قبل الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ وتنفيذ القرار ١٩٤ المتعلق باللاجيئن . وهذا لن يتأتّى بانحياز أعمى دون قيد أو شرط إلى الطرف إلاسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني ، وإنّما عبر العمل الجادّ من خلال دورها منفرداً وموقعها من خلال الإتحاد الأوروبي من أجل إنهاء الأحتلال والاستيطان والإفراج عن الأسرى ، وعبر الانحياز المطلق إلى القوانين الدوليّة ومبادئ حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب .
فليس ثمة من سبيل أمام الحكومة الألمانية إن كانت جادّة في وقف رحى حرب الإبادة إلاسرائيلية إلا تسمية المسميات بأسمائها ووقائعها والوقوف إلى الجانب الصحيح من مسار التاريخ .