بداية النقاط الحاسمة
يوجد في العلوم الإمبيريقية شيء اسمه النقطة الحاسمة «Critical Point»، ويوجد ذات الشيء في العلوم الاجتماعية، السياسية، الثقافية، الاقتصادية وحتى الرياضية. باختصار وببساطة لنتخيل سفينة على وشك الغرق، سيكون كل واحد من ركابها على استعداد لمساعدة الآخر، ولكن فقط إلى أن تأتي لحظة يزداد فيها ضغط الظروف المحيطة؛ من حيث أن يختار بين أن ينقذ ذاته أو أن ينقذ الأقرب عليه.
نحن الآن بدأنا في هذه المرحلة، البعض يعلم هذه القاعدة وهناك من يجهلها، وهذا ما نجده في عالم السياسة بشكل واضح، على سبيل المثال لا الحصر نجد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو يفهم هذه القاعدة بالفطرة، فتراه وترى الآخرين أمثاله في عالم السياسة يضغطون ثم يضغطون في الطريق إلى نقطة الحسم.
هي في الواقع نقاط للحسم كثيرة متباينة في واقعنا الفلسطيني وكيان الاحتلال، بعضها في ضخامة نقطة الحسم التي لدى نتنياهو «أكون أو لا أكون» بمعنى «من بعدي ليغرق الجميع»، وبعضها يبدو صغيراً كما هو الحال في الكثير من المشاهد بواقع بقايا هيكل النظام السياسي الفلسطيني.
أستطيع القول وبعد تفكير عميق، إن عملية «طوفان الأقصى» وتطوراتها المستمرة في كل الجبهات قامت بتسريع «الكل» للوصول إلى نقطة الحسم، على صعيد البيت الفلسطيني بكل مكوناته ومؤسساته، وأيضاً مكونات واقع الاحتلال وصورته.
حيث أرست عملية «طوفان الأقصى» واقعا جديدا غير مسبوق ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما العالم، إذ الصراع «كاحتلال إسرائيلي» لم يعد بين فلسطين كدولة تحت الاحتلال والكيان المُحتل، وإنما مع أبناء العالم الأحرار، بالتالي لا يمكن معرفة مستقبل هذه المعركة في كل تفاصيلها العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإنسانية أيضا.
لكن ما نراه، اليوم، هو أنها جولة يحاول كل طرف أن يعزز رصيد نقاطه من الصراع قبل أن يُجهز على خصمه بالضربة القاضية، وعلى ما يبدو أن هذه الضربة إما يكون صداها محدودا في شرق المتوسط وغرب آسيا، أو يمتد حتى مضيق جبل طارق وما بعده غربا، وإلى بحر الصين الجنوبي شرقا.
على أي حال، أستطيع تعريف النقطة الحاسمة من زاوية العلوم السياسية بأنها المقدرة واللياقة في التنقل بين التحديات واستغلال الفرص ما يجعلنا أن نصل إلى النقطة التي يصبح فيها اتخاذ القرارات أمرا حيويا، وتحدد الأفعال مسار مستقبلنا.
تشبه هذه النقطة الحاسمة مفترق الطرق، حيث تقدم التحديات والفرص على حد سواء يتطلب انتباها دقيقا وتحركات حاسمة، وهذا للأسف ما لا أجده لدى أغلب قيادات العمل السياسي الفلسطيني لأنهم يذهبون أكثر إلى عالم ردود الأفعال وليس الفعل؛ ومن زاوية أخرى يتماشون مع التيار مهما كان غامضا ربما للحفاظ على مصالحهم الخاصة وخوفهم من مواجهة الحقيقة.
جميعنا يعلم بأننا الآن في مرحلة النقاط الحاسمة، لو قُدر لي أن أهمس في أُذن عدد من «القيادات» الفلسطينية لنصحتهم بالتالي:
بما أننا في هذه المرحلة عليك تقييم أهدافك. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة ترتيب الأولويات والسعي وراء أهداف أكثر ملاءمة سريعة التحقيق، اتخذ قرارات مدروسة غير مستهلكة. دون الاستغراق في تقييم الخيارات ووزن الإيجابيات والسلبيات والنظر في العواقب البعيدة لأننا في مرحلة لا نحسد عليها، لهذا بناء المرونة هو الأساس لمواجهة التحديات في النقطة الحاسمة. تكون القدرة على التكيف مفتاحا للاستجابة بشكل أفضل للتغيرات المتسارعة.
تظل النقطة الحاسمة جزءا لا يمكن تجاهله في واقعنا الزمني الآني. بينما قد تبدو التحديات مرهقة، إلا أنها تمثل فرصة للتقدم والتحول. علينا التنقل من خلال هذه اللحظات الحاسمة بعقلانية وقلب مفتوح، يمكن للأفراد أن يخرجوا من النقطة الحاسمة ليس فقط بدون أذى، ولكن بلغة تثري تجربتهم وتشكل رحلتهم بخروج أو/و دخول آمن. بعد كل شيء؛ غالبا ما يحدث في هذه المفترقات دروس وعبر لمن سيُكمل الطريق الوعرة.