وثيقة نتنياهو ... والرد الفلسطيني
أخيراً، قدم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وثيقته لليوم التالي للحرب "اليوم التالي لحماس"، تتضمن الوثيقة عدداً من المحاور القديمة الجديدة؛ وهي تمثل تجميعاً لتصريحات نتنياهو المتعاقبة على مدار سنوات حكمه والتي تندرج بين أضغاث أحلامه الأيديولوجية وحبائل مهاراته السياسية وحدود قدرة السيطرة العسكرية القائمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ أي بمعنى الاستمرار في السيطرة العسكرية على الأراضي الفلسطينية في جميع المجالات "الحيز البري والبحري والجوي والكهرومغناطيسي والمدني والاقتصادي"، وإخضاع الفلسطينيين للهيمنة الاستعمارية، وسلب الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني ومنعه من حقه في تقرير المصير.
وثيقة نتنياهو تأتي في سياق استمرار نتنياهو زعمه بالنصر على الفلسطينيين في عدوانه على قطاع غزة وفي الضفة الغربية من خلال تكريس واقع الاحتلال العسكري عملياً وتحويله إلى استعمار دائم، وفي ذات الوقت فإنه يحاول ان يستمر بالقول بأنّ أيّ تحول سياسي للفلسطينيين ينبغي أن يكون بموافقة إسرائيلية؛ باستمرار امتلاك إسرائيل وحكوماتها حق النقض "الفيتو" على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
في ظني، أن المجتمع الدولي وليس فقط الفلسطينيين، قد قالوا للحكومة الإسرائيلية "سبق السيف العذل" بعد إدراكه أن حكومات إسرائيل المتعاقبة لديها النيّة باستمرار خرق القانون الدولي وهي تعمل على تدمير جميع الحلول المؤدية للسلام في المنطقة، وخرق مقاصد الأمم المتحدة الداعية لتعزيز السلم والأمن الدوليين.
بل أكثر من ذلك، فإن نتنياهو ووثيقته التي جاءت بعد 140 يوماً من حربه التدميرية والقتل الجماعي تدور في فلك مغاير لطبيعة الإرادة الدولية ولقواعد القانون الدولي، خاصة مع بدء محكمة العدل الدولية بالنظر في القضية المرفوعة من قبل دولة جنوب إفريقيا حول خرق إسرائيل للاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ونظر ذات المحكمة في طلب الإفتاء "الرأي الاستشاري" المقدم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر في طبيعة الاحتلال الإسرائيلي المستمر والانتهاكات لقواعد القانون الدولي، وكذلك التغيرات في مواقف الشعوب خاصة الغربية من طبيعة إسرائيل الاستعمارية القائمة على الإخضاع العسكري وإقامة نظام تمييز عنصري لحكم السكان الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي.
في ظني أن الرد الوحيد على وثيقة نتنياهو من قبل الفلسطينيين، بغض النظر عن ردود الأفعال الدولية وعن مواقف الكيانات والمؤسسات الإسرائيلية، يتمثل فقط في استعجال استعادة الوحدة وتقديم وثيقة فلسطينية موحدة لرؤية الفلسطينيين لليوم التالي للحرب وعدم الاكتفاء في العجز القائم وبعدم القدرة على معالجة اليوم الحالي. فالدول والشعوب لا تنهض دون رسم معالم المستقبل ودون تحضير المقومات اللازمة له.