اقتراح لمحاولة توحيد واستنهاض “اليسار الفلسطيني"
لو جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثالثة التي كانت مقررة في أيار/مايو 2021، وبالنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، وحقيقة أن "قوى اليسار الفلسطيني" سجلت قوائمها لتخوض الانتخابات فرادى، لكان لدينا اليوم، على الأرجح، مجلساً تشريعياً خالياً من "قوى اليسار". وهذا كان سينعكس أيضاً على تمثيل "اليسار" في هيئات منظمة التحرير وحكومة السلطة الفلسطينية وبالتالي الاندثار، خاصة في سيناريو توافق حركتي فتح وحماس. وهذا ربما يفسر حقيقة أن "قوى اليسار"، رغم المواقف المعلنة والتصريحات الإعلامية التي تدعو لإنهاء الانقسام، لم تكُن يوماً معنية أو جادة في جهودها المزعومة في إنهاء الانقسام. لأن هذه القوى باتت عبارة عن هياكل قيادية بدون قواعد جماهيرية أو حتى كوادر تعتمد عليها. وأن ما يحافظ على بقاء تلك الهياكل هو فقط استخدامها من قبل قيادة الأمر الواقع للمنظمة والسلطة في مناكفاتها مع حركة حماس ولاصطناع تعددية سياسية وديمقراطية صورية داخل هيئات المنظمة والسلطة.
ولكي لا نخوض أكثر في تشخيص أزمة اليسار الفلسطيني الوجودية التي يعلمها كل المعنيين بالأمر، والذي انكشفت عمق أزمته أكثر مما كنا نعتقد خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة منذ حوالي نصف عام. لا أعرف كيف قبلنا أن نصل إلى هذا الواقع المرير الذي نجد فيه مواقف بعض الدول أكثر تضامناً مع تضحيات الفلسطينيين العظيمة والعزيزة من مواقف قيادة الأمر الواقع الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية التي ما زالت تحظى بتضامن قل نظيره في قلوب الملايين عبر قارات العالم، لا يمكن القبول بأن تمثلها وتمثلنا هذه القيادة. ولا أعرف كيف أصبحنا نستجدي دولة فلسطينية على أقل من ربع مساحة فلسطيننا. لكل ذلك، ولأجل فلسطيننا، ولأجل تضحيات وصمود الغزيين الإعجازي، ولأجلنا ولأجل أولادنا وأحفادنا، هذا اقتراح لمحاولة توحيد قوى اليسار واستنهاضها، فالاختلافات المزعومة بين تلك القوى اختلافات مصطنعة أو غير جوهرية ولا تمنع الاتحاد:
أولاً: أن تقوم كل من قوى اليسار باختيار أو انتخاب لجنة من 30 عضواً من كوادرها تسمى "لجنة توحيد اليسار"، وأن يكون أعضاء اللجنة مناصفة من الجنسين ومن خارج الهيئات القيادية مثل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية. ويفضل مراعاة انتخاب أو اختيار أعضاء مشهود لهم بتوجهاتهم الوحدوية.
ثانياً: تجتمع اللجان المنتخبة أو المختارة (لجان توحيد اليسار) في مؤتمر مغلق يسمى "مؤتمر توحيد واستنهاض اليسار الفلسطيني"، تجتمع لعدة أيام تبدأ بنقاشات عامة في محاور محددة مثل الوضع السياسي وإصلاح منظمة التحرير، وتقييم مرحلة "أوسلو" وأداء السلطة الفلسطينية ومستقبلها. مع مراعاة أن تكون آلية النقاشات تسمح بمشاركة جميع أعضاء اللجان تحضيراً لانتخاب لجنة عليا ً من بين لجان توحيد اليسار المنتخبة أو المختارة.
ثالثاً: بعد إجراء النقاشات العامة بآلية وفترة تسمح بمعرفة توجهات وأفكار المشاركين، يفتح باب الترشح لعضوية "اللجنة العليا لتوحيد واستنهاض اليسار الفلسطيني".
رابعاً: يقوم أعضاء المؤتمر بانتخاب اللجنة العليا لتوحيد واستنهاض اليسار الفلسطيني المكونة من 21 عضواً، مع مراعاة أن يكون عضواً واحداً على الأقل في اللجنة العليا من كل من القوى المشاركة. وفي هذه اللجنة أيضاً تكون العضوية مناصفة من الجنسين.
خامساً: بعد إجراء نقاشات عامة شبيهة بنقاشات انتخاب اللجنة العليا، تقوم اللجنة العليا المنتخبة بانتخاب رئيساً لها. وتقوم اللجنة باتخاذ قراراتها بالأغلبية المطلقة (50% +1).
سادساً: تقوم اللجنة العليا بتشكيل لجان متخصصة داخلها لصياغة وإقرار الأهداف الوطنية والهوية الفكرية والشكل التنظيمي والبرنامج السياسي لقوى اليسار الموحد، ويتم المصادقة على الوثائق من قبل أعضاء المؤتمر بالأغلبية المطلقة.
سابعاُ: تكون قرارات المؤتمر ملزمة لكل القوى المشاركة.
ثامناً: يقوم المؤتمر بالمصادقة على تشكيل مجلساً استشارياً لليسار الموحد يتكون من كل أعضاء المكاتب السياسية للقوى المشاركة. ويقوم المؤتمر بتحديد دور ومهام المجلس الاستشاري.
تاسعاً: تقوم اللجنة العليا بتسمية ممثلي اليسار الجدد (من خارج أعضاء اللجنة العليا) في كل الهيئات التي فيها ممثل أو ممثلين لقوى اليسار مثل هيئات المنظمة والسلطة. مع ضرورة إجراء تقييم مستمر لشكل وجدوى هذا التمثيل.
عاشراً: يقوم المؤتمر بإعداد خطة تنظيمية لاستنهاض وحصر عضوية كوادر اليسار، وعقد مؤتمر عام بطريقة ديمقراطية خلال عام.
الرفاق والرفيقات،
لأنه من غير المرجح أن تقوم قيادات قوى اليسار بالمبادرة أو الاستجابة لهذا الاقتراح تمسكاً منها بمصالحها الشخصية، أدعو الشباب والشابات الغيارى على فلسطين وتاريخ قوى اليسار ومستقبلها، إلى أخذ زمام المبادرة لعرض هذا الاقتراح على قيادات قوى اليسار، فإن قبلوا به فهذا جيد ومقدر، أما إن رفضوه، فوجب فرضه كأمر واقع رغماً عنهم. وستجدون عشرات الآلاف من خيرة كوادر ومؤازري قوى اليسار الأوفياء الذين ابتعدوا عنها بسبب خذلان القيادات لهم، وينتظرون من يقوم بأخذ زمام المبادرة، ستجدونهم خلفكم وداعمين لكم بكل الوسائل التي لديهم. ومن وسائل الضغط والفرض على القيادات الرافضة للتجاوب مع هذا الاقتراح: تنظيم اعتصامات في مقرات القوى، ملاحقة القيادات أمام بيوتهم ومكاتبهم وتشويش عملهم وحركتهم، جمع توقيعات بعدم شرعية تلك القيادات ونشرها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، مطالبة الصحافة والإعلام بعدم مقابلتهم وتجاهل وجودهم بعدم نشر أي خبر عنهم إلا في إطار تغطية وسائل الضغط والفرض.
أخيراُ، في هذه الأيام التاريخية والمصيرية، أدعوكم عند إعدادكم لوثائق وحدة اليسار مثل الأهداف الوطنية والهوية الفكرية والشكل التنظيمي والبرنامج السياسي، أدعوكم إلى التحلي بالواقعية والموضوعية والتحلل من كل الشعارات التي تبدو كمسلمات. وكذلك التحلل من الكليشيهات الايديولوجية والعمل على محاولة تمثيل أكبر شريحة ممكنة من الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وأن تثقوا بأنفسكم ولا تترددوا في تقديم رؤى وبرامج تحررية نضالية ثورية مرتكزة على أن إرادة ووحدة الجماهير التي تثق بقيادتها قادرة على صُنع المعجزات.