يلا نحكي: الدولة والتضامن والجنون
(1) الجنون: السلطة وحجز الأموال
إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عدم رغبته في تحويل أموال المقاصة المتبقية (١٧٠ مليون شيقل) بعد الاقتطاعات الموسعة التي تقوم بها حكومة الاحتلال (الأموال المخصصة لأسر الأسرى والشهداء، لقطاع غزة، وأخرى بناء على قرارات المحاكم الإسرائيلية، بالإضافة إلى أثمان الكهرباء والمياه والصرف الصحي والتحويلات الطبية...الخ)؛ أي ما يشكل أقل من ربع أموال الشعب الفلسطيني التي تقوم الحكومة الإسرائيلية بجبايتها نيابة عن الفلسطينيين بحكم سيطرتها على المعابر والحدود.
هذا الإعلان/ القرار يحتاج إلى قرار فلسطيني حازم في مواجهة الجنون الإسرائيلي؛ الخنق المستمر للسلطة الفلسطينية التي باتت على حافة الانهيار والفشل في تقديم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والأمن في مناطق الضفة المختلفة، موازي في الجنون كفعل عميق ومفاجئ ومدروس وقادر على التأثير.
(2) سقط الفلسطينيون في امتحان التضامن مع الطلبة في الجامعات الامريكية وحول العالم
على مدار ثلاثة أسابيع؛ أي منذ السابع عشر من نسيان/ إبريل الفارط، انطلقت الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الامريكية، التي تعرضت للقمع من قبل إدارات الجامعات وقوات الشرطة في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها، دون وجود حركة تضامن وتعاضد فلسطينية جدية وواسعة معها باعتبارها مسار لاستعادة روح التحالفات الثورية مع الطلاب الذين تحركهم المبادئ في تبنيهم للقضايا على عكس السياسيين الرسميين الذين تحركهم المصالح.
على ما يبدو سقط الفلسطينيون في امتحان التضامن مع المتضامنين، سواء أقرانهم من الحركة الطلابية الفلسطينية في الوطن والشتات، أو الكهول ممن يقودون الفصائل والأحزاب وسلطة الحكم، أو قادة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والعاملين فيه.
(3) التصويت لدعم طلب فلسطين العضوية في الأمم المتحدة
تصويت الجمعية العامة في الأمم المتحدة اليوم على قرار المقدم لاكتساب العضوية الكاملة "العاملة" في الأمم المتحدة بعد استخدام الولايات المتحدة الامريكية حق النقض "الفيتو" في مواجهة الطلب الفلسطيني في الجلسة الفارطة. هذا التصويت له قيمة رمزية عالية باعتبار أن دولة فلسطين تحظى بقبول واسع يتجاوز ثلثي أعضاء الأمم المتحدة وأنها مؤهلة للعضوية في المنتظم الاممي، إلا أنه لن يكون بديلاً عن توصية مجلس الأمن؛ أي قبول مجلس الأمن بالطلب باعتبار هذا القرار "قرار منشأ" لقبول العضوية فيما قرار الجمعية العامة اللاحق "قرار كاشف".
تشير تجارب انضمام الدول لهيئة الأمم المتحدة إلى أنها معركة طويلة وتحتاج إلى صبر وتأنٍ ما لم يكون هناك اتفاق بين الدول الخمسة دائمة العضوية؛ فكوريا الجنوبية حصلت على دولة مراقبة عام 1948 وكوريا الشمالية حصلت عليها عام 1971، وقد حصلتا على العضوية الكاملة في إطار صفقة عام 1991. فالتصويت في مجلس الأمن قائم على طبيعة الصراع القائم بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين فحينها لا يهم إن كانت الدولة صاحبة طلب العضوية مكتمل الأركان أو محققة لمتطلبات ميثاق الأمم المتحدة والالتزامات المترتبة عليه بل هو بالأغلب تصويت سياسي بقواعد قانونية شكلية.
كما ينبغي عدم الخلط في الإجراءات المترتبة على التصويت على طلب انضمام الدول لعضوية هيئة الأمم المتحدة والمسائل المرتبطة بتهديد السلم والأمن الدوليين؛ فجلسة اليوم ناتجة عن ضرورة قيام مجلس الأمن بتقديم تقرير للجمعية العامة للأمم المتحدة بنتائج التصويت وحيثياته والتي بدورها تقوم بمناقشة مفتوحة. ولا تتعلق بقرار 377/5 الذي جاء تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" والذي اتاح استخدام القوة المسلحة لوقف الحرب الكورية عام 1950، حيث يستخدم هذا البند أو العرف في حالة إخفاق مجلس الأمن بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، حينها يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة وقد تصدر أي توصيات تراها ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين. أي أن استخدام الاتحاد من أجل السلام يكون لحفظ السلم والأمن الدوليين في مجال خفض التوتر أو رد العدوان على أراضي دولة وليس النظر في طلب عضوية دولة في الأمم المتحدة.