الفصائل الفلسطينية لن تحقق نصرا دون الوحدة الوطنية
على مدى سبعة عشر عاما، شهدت الساحة الفلسطينية العديد من المؤتمرات والندوات والحوارات، سواء كانت ثنائية أو جماعية، بدأت في مكة، ومرورا بصنعاء والقاهرة وبيروت والجزائر وموسكو وبكين وغيرها من العواصم، في محاولة للتوصل لشراكة وطنية حقيقية تجمع كل الأطراف، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الواسع والكبير القادرة على مخاطبة العالم، كونها المعترف بها عربيا وأقليميا ودوليا ... إلا أن الانقسام ما زال مستمرا حتى في هذه اللحظات الخطيرة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني سواء في الضفة أو غزة، بل ازداد التراشق الإعلامي والاتهامات والتخوين والتكفير أكثر فأكثر، حتى أصبح الأمر مقرفا ومفجعا ومخيفا لشعبنا. فإسرائيل تزداد تقتيلا وتدميرا لشعبنا في غزة، وتفرض حصارا على السلطة الوطنية الفلسطينية، وتدمر كل مقومات استمرار مؤسساتها الخدماتية لأهلنا في غزة والضفة على حد سواء. وبالأمس أقر المجلس الوزاري المصغر جملة من القرارات الانتقامية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، عقابا لنشاطها السياسي والدبلوماسي المستمر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة الجنايات والعدل الدولية..كما أضفت قرارات الحكومة الإسرائيلية الشرعية على البؤر الاستيطانية العشوائية، وسحبت الصلاحيات التنفيذية للسلطة في المناطق المصنفة ب في منطقة بيت لحم وجنوب القدس، وألحقتها بسلطتها الإدارية والأمنية...كما أقرت بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية.. وبدا واضحا تماما أن تصريحات المسئولين الإسرائيليين تتحول بسرعة إلى قرارات وإجراءات نافذة على الأرض، والتهديد بضم الضفة الغربية كاملة إلى السيادة الإسرائيلية... وبالمقابل تحتل إسرائيل غزة من شمالها وجنوبها ومن شرقها إلى غربها، بما في ذلك معبر رفح ومحور فيلادلفيا الذي يفصل الحدود المصرية عن الحدود الفلسطينية، وتدمر غزة بمنازلها وبيوتها وأبراجها ومدارسها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها، وتقتل عشرات الآلاف من شعبنا، ويعيش أكثر من مليوني من المدنيين الفلسطينيين في مخيمات بائسة في مناطق مختلفة من غزة، ويتعرضون لمجاعة حقيقية، وخروج الآلاف من أهلنا في غزة عبر معبر رفح خلال الأشهر الماضية، مقابل ابتزازهم بدفع ملايين الدولارات لقاء خروجهم إلى مصر!! وأمام هول هذه الكارثة، ألم تتضح الصورة بعد أمام القيادات الفلسطينية التي تنتظر الاحتفال بالنصر!!!؟ إن المستهدف هو كل الشعب الفلسطيني بمكوناته وأطيافه دون تمييز، واقتلاع شعبنا من جذوره، وتدمير أي كيانية فلسطينية وطنية قادرة على تقديم ما يمكن أن يعزز صمود شعبنا على أرضه.. أيها السادة سبعة عشر عاما مليئة بالاتفاقيات تكفي لإنهاء حرب المائة عام في أوروبا ...ألا نخجل من أنفسنا أمام العالم ؟ ألا نستحي أمام شعبنا الذي ما عاد يكترث بهذه اللقاءات، ولا يعير اهتماما لما يجري من اتفاقيات... فمن يعمل من أجل شعبه، عليه التنازل عن بعض المسائل الحزبية الضيقة، ويقدم المصلحة الوطنية العليا لشعبه على المسائل الحزبية الضيقة... وفي هذا السياق لابد لي أن أذكر أن الزعيم ياسر عرفات عرض على حماس مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي نصف حصة فتح في المجلس الوطني الفلسطيني، كما أن القائد الوطني الكبير الحكيم جورج حبش أثنى على مبادرة حركة فتح وعرض أيضا على حماس نصف حصة الجبهة الشعبية في المجلس، إلا أن حماس رفضت ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاما!!! فلا يجوز لأحد أن يدعي أن التاريخ بدأ من عنده، فالثورة الفلسطينية ومقاومتها ضد المستعمر والاحتلال هي امتداد للانتفاضات التي بدأت منذ أكثر من مئة عام، وما زالت مستمرة، وهذا ما أكده الزعيم أبو عمار مرارا أن ثورتنا موجة تلو الموجة.. وكان أمير الشهداء أبو جهاد أكد في فترة سابقة أن الفصائل الفلسطينية لن تحقق نصرا دون تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية..من هنا تبرز الشراكة الوطنية لأي شعب طبقا للفهم والرؤيا في إطار تعريفها النظري بما تعنيه بأن القوى الوطنية سواء كانت حزبية أو تجمعات أو رموز أو شخصيات تشارك في اتخاذ القرارات الوطنية دون إقصاء أو تهميش أو استئثار أو استفراد أحد أو جهة باتخاذ القرارات لوحدها. وفي الحالة الفلسطينية في ظل الانقسام والاختلاف والتباين بين جميع القوى، لا يمكن تحقيق الشراكة الوطنية إلا عبر التوافقات السياسية.. التي تعتمد على تغليب المصالح الوطنية العامة على المصالح الحزبية والفئوية الخاصة الضيقة، وتتمتع بإرادة سياسية صادقة، وبروح وطنية عالية ومخلصة وواعية مستندة إلى التعاون والتكامل في مواجهة الاحتلال ومخططاته التي تستهدف الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه المختلفة، لذلك تعتبر الشراكة الوطنية بهذا المعنى العميق المرتكز الأساس للمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل في زوال الاحتلال والتحرر الوطني والوصول لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس... لذلك على كل القوى والفصائل الفلسطينية أن تدرك المرحلة الخطيرة التي تمر بالشعب الفلسطيني، والتي لم يسبق لها أن مرت بها من قبل، وأن يكون لديها القناعة بأن المنظمة هي البيت المعنوي للشعب الفلسطيني، وهي الجهة الوحيدة التي يتم التعامل معها في المؤسسات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة... وهذا ما أكده الأخ صالح العاروري عضو المكتب السياسي لحماس قبل رحيله بأسابيع قليلة... وبالتأكيد، مشاركة الجميع يعطي المنظمة المزيد من القوة، وتتكامل المسارات السياسية والدبلوماسية من جهة، والمقاومة بكل أشكالها من جهة أخرى..إذ لا يجوز أن نتصارع على الامتيازات الحزبية والفئوية الضيقة ما دامت بندقية الاحتلال موجهة ضد الجميع، لقد حان الوقت لنستيقظ من غفلتنا، ولتتحمل القوى والفصائل مسؤولياتها الوطنية، وتعلن ودون مقدمات الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير، ونعمل جميعا على وقف الحرب على غزة والضفة والقدس، لننقذ ما يمكن إنقاذه، فلم يعد مقبولا أن نتحدث عن المخاصصة وكرسي الحكم والانتخابات وغيرها من المسائل والتفاصيل الأخرى في ظل استمرار العدوان ... فلنتوقف عن الاتهامات بالتخوين والتكفير وغيرها من مصطلحات الشتم والسب، فشعبنا لم يعد يتحمل، وربما سينفجر منتفضا في أي وقت ...