قراءة في مسرحية نتنياهو على خشبة الكونغرس
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مبنى الكونغرس الأمريكي، حيث ألقى خطابه الرابع أمام جلسة مشتركة، محطمًا الرقم القياسي الذي سجله ونستون تشرشل للزعماء الأجانب. لكن هذه المرة، كانت الأجواء مختلفة بشكل واضح، مما يعكس التغيرات الكبيرة في الديناميات السياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
عزلة متزايدة واحتجاجات حاشدة
نتنياهو، الذي كان في الماضي عنصرًا أساسيًا في السياسة الأمريكية كما هو في إسرائيل، وجد نفسه يواجه احتجاجات حاشدة خارج مبنى الكابيتول ومقاطعة واسعة من الديمقراطيين داخل الكونغرس. تظاهر الآلاف في شوارع واشنطن، حيث رفعوا لافتات منددة بسياسات إسرائيل في غزة، بينما قاطع العشرات من المشرعين الديمقراطيين خطابه، معتبرين أن دعمه للحرب في غزة يأتي على حساب الإنسانية.
لم يكن هذا النوع من الاحتجاجات جديدًا بالنسبة لنتنياهو، فقد واجه احتجاجات مماثلة في الماضي. ومع ذلك، فإن حجم المقاطعة ودرجة الاحتجاج تعكس تغيرًا كبيرًا في موقف بعض الأوساط السياسية الأمريكية. فقد كان الخطاب الذي ألقاه نتنياهو هذه المرة مصحوبًا بانتقادات حادة من قِبل قادة ديمقراطيين بارزين، وهو ما يعكس انقسامًا عميقًا حول قضية الدعم لإسرائيل.
خطاب يفتقر إلى الجديد
في خطابه، لم يقدم نتنياهو أي جديد بشأن خطة لإنهاء الحرب في غزة، مما زاد من إحباط النقاد والمهتمين بالشأن الفلسطيني. كان الخطاب تركيزًا دفاعيًا إلى حد كبير، حيث ركز نتنياهو على تعزيز دعم الولايات المتحدة لإسرائيل دون تقديم أي خطوات ملموسة لإنهاء الإحتلال أو معالجة القضايا الإنسانية في غزة. وكرر تعهده بالاستمرار في القتال حتى يتم "تدمير قدرات حماس العسكرية" وإعادة جميع الرهائن إلى الوطن، مما أغلق الباب أمام أي آمال في تقدم سريع نحو وقف إطلاق النار.
لقد هاجم نتنياهو المتظاهرين المناهضين لإسرائيل في الولايات المتحدة، واتهمهم بأنهم "أغبياء مفيدون" لإيران، كما انتقد رؤساء الجامعات وحركات دعم غزة. بينما كانت تعليقات نتنياهو تحمل بعض التلميحات إلى دعم عسكري أمريكي إضافي، إلا أنها لم تطرح أي مقترحات جديدة حول كيفية إنهاء الصراع.
تراجع الدعم الديمقراطي
تجلى تراجع الدعم الديمقراطي لنتنياهو بوضوح من خلال غياب شخصيات بارزة مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر عن الحضور خلفه على المنصة. هذا الانقسام يعكس تحول الدعم لإسرائيل إلى قضية حزبية بشكل متزايد في الولايات المتحدة، وهو ما كان نتنياهو جزءًا من تأجيجه على مدى سنوات. كان من المتوقع أن يشهد خطاب نتنياهو حضورًا قويًا من الديمقراطيين كما في السابق، لكن هذا الدعم تضاءل بشكل ملحوظ، مما يعكس تزايد التوترات داخل الحزب الديمقراطي بشأن السياسة الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، أظهر استطلاع للرأي انقسامًا حادًا بين الجمهوريين والديمقراطيين حول التعاطف مع إسرائيل، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي لنتنياهو. هذه الانقسامات قد تعني أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل قد يصبح أكثر تباينًا حسب الحزب الحاكم، مما يضع نتنياهو في موقف حرج في المستقبل.
تحديات إضافية
في الماضي، كانت واشنطن ملاذًا لنتنياهو، مكانًا يمكنه الاعتماد فيه على دعم قوي حتى عندما كانت شعبيته تتراجع في إسرائيل. ولكن يبدو أن هذا السحر قد تلاشى اليوم. مع تزايد الاحتجاجات والانتقادات من الداخل والخارج، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا إلى مواجهة واقع جديد: أنه أصبح شخصية مثيرة للجدل وغير ذات صلة بشكل متزايد في السياسة الأمريكية.
مع تصاعد الأزمات الداخلية في إسرائيل، بما في ذلك الانتقادات بشأن إدارة الحرب على غزة والقضايا القانونية والسياسية، قد يواجه نتنياهو صعوبات إضافية في الحفاظ على الدعم الأمريكي. التغيرات في السياسة الأمريكية وتزايد الانقسام الداخلي يمكن أن تؤدي إلى تقليص تأثير نتنياهو في واشنطن، مما يزيد من تعقيد جهود تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
نظرة إلى المستقبل....
بينما كان من المتوقع أن يحصل نتنياهو على تصفيق حار من الكونغرس، حتى ولو من جانب الجمهوريين بشكل رئيسي، فإن الحقيقة أن أكثر من 70% من الإسرائيليين يرون أنه يجب أن يستقيل. هذا الشعور يتماشى مع التوترات الداخلية والانتقادات التي يواجهها، مما يعزز الفجوة بين الدعم الداخلي والدولي.
إن تراجع الدعم الأمريكي، خاصة من الحزب الديمقراطي، قد يشير إلى تغيير كبير في العلاقة التاريخية بين البلدين، مما يضع نتنياهو في موقف صعب داخليًا وخارجيًا. يمكن أن يؤثر هذا الوضع على استراتيجياته السياسية ويعقد من جهود تحقيق أي نوع من التسوية أو السلام في المستقبل. في النهاية، قد يكون هذا الخطاب بمثابة بداية لفصل جديد في العلاقة بين نتنياهو وواشنطن.