الفلسطينيون والعرب، مَن يعتب على الآخر؟
انتقاد المواقف الرسمية العربية واتهامها بالتقصير في دعم الشعب الفلسطيني ليس بالأمر الجديد بل مصاحب للقضية الفلسطينية منذ تسبُب الجيوش العربية المشاركة بحرب 48 بنكبة الشعب الفلسطيني، وهي انتقادات كانت تتأثر أحيانا بحالة الاستقطاب في العالم العربي ما بين أنظمة تقدمية وأنظمة رجعية ثم بين ما تسمى جبهة الصمود والتصدي في مواجهة المعسكر اليميني المتحالف مع الغرب والمطبع مع إسرائيل وكانت الأحزاب الفلسطينية المقاتلة تتبنى رسميا رواية دول الطرف الأول، وثبت لاحقا أنها لا تختلف عن دول الطرف الثاني فيما تقدمه من دعم واسناد للشعب الفلسطيني إلا بالشعارات، وقد تزايدت هذه الانتقادات مع حرب الإبادة الحالية على الشعب الفلسطيني.
كتبا كثيرا عن العلاقات العربية الفلسطينية بما فيها كتابنا المعنون : (البعد القومي للقضية الفلسطينية) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 1987، ثم تلته كتابات طالبنا فيها بتصويب العلاقات بين الطرفين من بينها دراستنا المنشورة في ديسمبر 2015 في مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مؤسسة الأهرام في مصر تحت عنوان: (نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية) بعدما لاحظنا تدهور هذه العلاقات وانفضاض كثير من العرب من حول القضية الفلسطينية، وكانت آخر كتاباتنا بهذا الشأن موقف الفضائيات الناطقة بالعربية من الحرب الحالية، وكلما ازدادت شراسة الحرب وتواصل صمت العرب أنظمة وشعوبا تزايدت صرخات الفلسطينيين وبعض المتعاطفين معهم من الشعوب العربية استنكارا وتنديدا بهذا الصمت واتهاما بالتواطؤ مع العدو.
ولكنني أحيانا أتردد وأنتقي كلماتي بحذر عندما اكتب عن هذا الأمر، ليس خوفا أو ابتغاء مصلحة أو تبرئة الأنظمة العربية من المسؤولية وتجاهل موقفها السلبي المخزي بل لأنني لو كنت عربيا وأبحث عن عذر لتقاعسي وحتى تآمري لسألت المشككين بموقفي: إذا كان الفلسطينيون غير متفقين على رأي أو موقف واحد من الحرب ومما يجري في غزة والاتهامات المتبادلة لدرجة التخوين والتكفير بين الفصائل وخصوصا بين حركتي فتح وحماس، فكيف تريدون أن تتفق الأنظمة والشعوب العربية على رأي واحد؟ وإلى جانب من تريدوننا أن نقف؟ إلى جانب السلطة ومنظمة التحرير التي تتهم حركة حماس بالانقلاب والتآمر عليها والتفرد بقرار الحرب وتضحيتها بالمدنيين حتى تحافظ على سلطتها في غزة؟ أم إلى جانب فصائل المقاومة في غزة وخصوصاً حركة حماس التي تُخوِّن السلطة والمنظمة وتتهمهم بالتواطؤ مع العدو ومطاردة المقاومين في الضفة؟ هل تريدون أن نساعد حركة حماس في غزة أم أهالي غزة المحتجين على حكم حماس؟ هل تريدون منا أن نحارب إسرائيل فيما منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وقعت اتفاقية تسوية معها والتزمت بالحل السلمي؟ أم تريدوننا أن نقاتل إلى جانب حماس التي تتحالف مع إيران ومحور المقاومة المعادي لكثير من الدول العربية؟ أليس من المعيب أن تفشل أحزابكم وقياداتكم في تحقيق مصالحة توحد صفوفكم لمواجهة ما تتعرضون له من حرب إبادة حتى مصالحة بكين ولِدت ميتة، وتعيبون علينا عدم وجود موقف عربي موحد تجاه اسرائيل؟ ...
اتفقوا على كلمة سواء فيما يخص قضيتكم ونحن سنساعدكم قدر ما نستطيع.
هذا القول لا يبرئ الدول العربية من المسؤولية التاريخية عن ضياع فلسطين ولا يعني ما سبق أن موقفهم قبل الحرب كان على قدر المسؤولية وخصوصا بعد التطبيع مع اسرائيل، بل لا نبرئ بعضهم من المسؤولية في صناعة الانقسام، ولكن علينا كفلسطينيين أن ننزع الذرائع ونصلح أحوالنا قبل انتقاد الآخرين أو على أقل تقدير نتفق على ما نريده من الدول والشعوب العربية، وأن نعلم أن زمن الشعارات الكبيرة التي كانت تلهب مشاعرنا ونبني عليها رهانات التحرير والعودة أكثر من رهاننا على أنفسنا قد ولى ولم يعد هناك أمة عربية واحدة أو مصير عربي مشترك ولم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى.
نأمل أن تكون هذه الحالة المرتدة والمتنكرة للبعد القومي للقضية الفلسطينية مجرد موجة عابرة وبعد حرب غزة وحالة الانكشاف والتعري السياسي والأخلاقي لدولة الكيان الصهيوني ستكتشف الدول العربية وخصوصا المطبعة مع الاحتلال إنها ظلمت مرة أخرى الشعب الفلسطيني وأن حالة الانقسام والارباك السياسي في المشهد الفلسطيني لا تبرر مواقفهم السلبية تجاه الفلسطينيين، ومن يتحججون بعملية طوفان الأقصى الحمساوية كمبرر لتصديق الرواية الصهيونية عليهم أن يعلموا أنه حتى مع افتراض خطأ الطوفان إلا أنه لا يُقارن بخطيئة الاحتلال طوال 76 سنة.