الحكمةُ من إطالة إجراءات التشريع
مقالات

الحكمةُ من إطالة إجراءات التشريع

منح القانون الأساسي الفلسطيني حصراً أعضاء المجلس "أفراداً ومجموعات" ومجلس الوزراء حق تقديم اقتراحات ومشاريع القوانين؛ باعتبار أعضاء المجلس التشريعي ممثلي الشعب معبرين عن إرادته الحرة واحتياجات الشرائح الاجتماعية المتعددة فيه واهتمامات الفئات المختلفة منه، والثاني "مجلس الوزراء" أصحاب الخبرة والاطلاع وممتلك الإمكانيات بما يتوفر له من معرفة وإدراك مؤسسي لها. فيما فصّل المشرع الفلسطيني في النظام الداخلي للمجلس التشريعي الإجراءات التشريعية بثلاثة قراءات بإضافة إلى قراءة العامة (القراءة التمهيدية للموافقة أو الرفض لمبدأ والاحتياج لهذا مقترح أو مشروع القانون) واحتمالية قراءة خامسة في حال اجتمعت في هذه الحالة مقترحات مجلس الوزراء على القراءة الثانية واعتراض الرئيس على مشروع القانون.
عادة تمتد الإجراءات المتعلقة باعتماد وإقرار والمصادقة على مشروع القانون أشهر عديدة وهي تمنح التفاعل بين السلطة التشريعية والتنفيذية في إعمال الرقابة المتبادلة وفقاً لمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في القانون الأساسي. الأمر الذي يتيح فرصة للنقاش الجماعي العلني لأعضاء المجلس مجتمعين في الجلسة العامة للمجلس، وفرصة للدراسة المتأنية والتدقيق والتمحيص لأعضاء اللجان البرلمانية ذوي الاختصاص أو الاستعانة بذوي الاختصاص من الجهات المختلفة الحكومية والمجتمعية، وخلق التفاهم من جهات التشريع والتنفيذ لضمان القدرة على الوصول للغايات المتوخاة من هذا القانون أو ذلك لمصلحة المجتمع عبر التطبيق السليم للقانون.   
إنّ الحكمة المتوخاة من إطالة أمد إطالة إجراءات التشريع ومن تعدد القراءات المعتمدة ومن علنية جلسات المجلس ومن استعانة اللجان البرلمانية بأصحاب الخبرة وحق النقض "الاعتراض الممنوح لرئيس الدولة وفقاً لأحكام المادة 41 من القانون الأساسي المعدل؛ تكمن في منح فرصة للمجتمع للاطلاع على ما يدور أو يحاك في أروقة مؤسسات الحكم والسياسية الفلسطينية، ولإشباع مشاريع القوانين نقاشاً مجتمعياً وتعمقاً في صياغة القانون وتنقيةً من الأخطاء أو الهفوات التشريعية، وللتهيئة التشريعية بهدف تطبيق القانون من المجتمع كأفراد ومن المؤسسات المعنية الحكومية والمجتمعية، ولمنع مراكز النفوذ من استغلال نفوذهم للتأثير في توجيه القوانين لمصالحهم الشخصية على حساب الصالح العام أو خصهم بالمزايا والامتيازات غير مستحقة، ولوقف نفاذ الفساد السياسي إلى أروقة الحكم. 
في ظني أنّ الحكمة من إطالة إجراءات التشريع بالأساس ضمان نزاهة الحكم المبني على المصلحة العامة، وتعزيز الملكية الخاصة للمواطنين للدفاع عن هذه التشريعات، وتوفير مساحةً وفضاءً لمشاركة المواطنين في إدارة شؤون الدولة، وتكريس المساواة بين المواطنين أمام القانون المنصوص عليها في وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي وفقاً لمفهوم الدولة الديمقراطية المتخيلة فيهما.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.