قراءة في "مخيمات الصيف" 
مقالات

قراءة في "مخيمات الصيف" 


تحت شعار "مخيمات الصيف"، شن جيش الإحتلال إسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، بدأت فجر الأربعاء الماضي، بهدف تحقيق عدة أهداف. أحد هذه الأهداف هو التهجير الطوعي المؤقت الذي تسعى إسرائيل لتحويله إلى تهجير دائم، مما يعكس نوايا بعيدة المدى لتفريغ المنطقة من سكانها الفلسطينيين اللذين هم بطبيعة الحال لاجئين منذ 1948م.
تتعدد الأهداف الإسرائيلية من هذه العملية، وتشمل أبعادًا سياسية وأمنية وعسكرية. يأتي توقيت العملية في سياق تصعيد واسع على الجبهات الأخرى، خاصة في قطاع غزة ولبنان، حيث تزامنت العملية مع تراجع حدة العمليات العسكرية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وبعد أيام من جولة المواجهة الأخيرة مع حزب الله اللبناني في 25 أغسطس 2024. 
تستغل إسرائيل هذا التوقيت لإبراز دور إيران في دعم المجموعات الفلسطينية المسلحة، وذلك لخدمة سياسات إسرائيلية أوسع لمواجهة "التهديد الإيراني" في المنطقة. اغتيال إسرائيل لشخصيات بارزة مثل العميد خليل المقدح وفراس قاسم يعزز من هذا الهدف، إذ تتهم إسرائيل هؤلاء الأفراد بتورطهم في تهريب أسلحة ودعم عمليات ضد إسرائيل.
بدأ الحديث عن التهجير الطوعي المؤقت بشكل علني على لسان وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء في "الكنيست"، مدعومين بضوء أخضر أمريكي يتيح لإسرائيل تنفيذ أوسع عمليات إبادة جماعية في قطاع غزة والضفة. وقد أعربت الولايات المتحدة عن "تفهمها" لعمليات الإخلاء في الضفة، رغم معارضتها العلنية لتهجير الفلسطينيين، مؤكدة في الوقت نفسه على احتياجات إسرائيل الأمنية لمكافحة الأنشطة الإرهابية.
انتهت المهلة المحددة لسكان مخيم نور شمس لمغادرة بيوتهم طوعياً، إلا أن الأهالي رفضوا الخروج والتزموا منازلهم. وتقوم إسرائيل بمحاولة إفراغ المخيمات من سكانها عبر تحويل حياتهم إلى جحيم، وهو ما يظهر من خلال تفجير خط المياه الرئيسي في "نور شمس" وتجريف الشوارع والطرق، وفرض حصار يمنع حصول السكان على المواد الأساسية، بالإضافة إلى إقامة نقاط عسكرية تتحول إلى مراكز تحقيق وتعذيب.
ومع استمرار العدوان وتركزه في جنين وطولكرم بعد انسحاب القوات من مخيم الفارعة في طوباس، أصبحت المخيمات ساحة لمواجهات عنيفة بين المقاومين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي. شهدت مخيمات جنين وطولكرم اشتباكات مسلحة عنيفة، تمكن المقاومون خلالها من تفجير عشرات الآليات العسكرية. وقد تمثّل التطور الأبرز في اغتيال قائد "كتيبة طولكرم" محمد جابر، وأربعة من رفاقه في مواجهة في "نور شمس". وعلى الرغم من عمليات الاحتلال، تواصل فصائل المقاومة عملياتها بنجاح، مؤكدةً قدرة الفلسطينيين على الصمود وإفشال مخططات التهجير.
أدعي هنا أن القتال في الضفة قد بلغ شدة غير مسبوقة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، وأحذر من إمكانية تحول الضفة إلى حلبة قتال مركزية في حال استمرار الوضع. وأدعي أيضاً أن العملية العسكرية في شمال الضفة لن تقضي على المقاومة، بل إنها على العكس تعزز من عزم الفلسطينيين على الصمود. ورغم كل الضغوطات، يبقى الوجود والصمود الفلسطيني إنجازًا يُبقي الاحتلال في حالة قلق مزمن. هذا بينما يعترف المحللون الإسرائيليون بأن الحل العسكري لن ينهي المشكلة في الضفة ما لم تُغلق الحدود مع الأردن وتُمنع عمليات تهريب الأسلحة.
مع الأخذ بعين الإعتبار أن الأردن حذر مرارًا من تداعيات التصعيد الإسرائيلي على الضفة الغربية. تأتي هذه المخاوف في سياق أوسع، حيث ترى عمان أن الإجراءات الإسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأردني. في هذا السياق، صعّد الأردن من خطابه الرسمي تجاه إسرائيل، وأرسل مستشفى ميداني إلى نابلس في نوفمبر 2023، كإجراء استباقي لمواجهة تداعيات التصعيد.
تأتي العملية العسكرية الإسرائيلية "مخيمات الصيف" في سياق تصاعدي يُنذر بمزيد من التوتر والعنف في الضفة الغربية. هذه العملية، التي تعتبرها إسرائيل ضرورية لأمنها، تُزيد من تعقيد المشهد الفلسطيني الداخلي، وتدفع المنطقة نحو المزيد من عدم الاستقرار. بينما تستمر إسرائيل في محاولاتها لتصفية القضية الفلسطينية، تتزايد التحديات أمام المجتمع الدولي في إيجاد حلول عادلة ومستدامة من خلال إنهاء الإحتلال.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.