نتنياهو يعيد الصراع إلى الجذور والوطن البديل
أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بخارطته، التي عرضها في مؤتمريه الأخيرين، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الجذور؛ أي الصراع الوجودي وطرح الوطن البديل، ولم يعد الحديث عن الاقتسام أو الحدود في المنطقة بين البحر والنهر تحت شعار خيار حل الدولتين الذي طرح على مدار الثلاثين عاما الفارطة. تعيد هذه الخارطة ما طرحه حزب الليكود في برنامجه السياسي عام 1977 بأن حدود دولة إسرائيل من النهر إلى البحر وتسعى إلى إقامة الوطن البديل للفلسطينيين في شرقي نهر الأردن من خلال تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى المملكة الهاشمية الأردنية لإقامة وطنهم البديل وفقا للزعم الصهيوني، ووفقا لمنهج نتنياهو الأيديولوجي الذي يريد تغيير طبيعة الشرق الأوسط ودولة على حد قوله من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يرى بذلك تنازلا عن قسم واسع من "أرض إسرائيل الانتدابية" كما وصف في كتابه "مكان بين الأمم" وقوله أنّ (هنالك حل للنزاع بني الشعبين، يتمثل بإقامة دولتين: دولة يهودية للشعب اليهودي المقيم غرب نهر الاردن، ودولة عربية للشعب العربي الذي يقيم معظمه شرقي النهر).
تنتمي سياسات الحكومات الإسرائيلية المختلفة إلى هذه الفكرة "إقامة الدولة اليهودية من النهر إلى البحر" وتعمل على تطبيقها وفقا للثالوث الصهيوني للنظر إلى الفلسطينيين "التهجير أو الاستسلام أو الموت لمن يرفض الاستعمار اليهودي" بأشكال مختلفة، فالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية يسير بشكل مستمر على مدار 57 عاما بغض النظر عن حكومات حزب العمل أو الليكود أو الحكومات الائتلافية بأنواعها وأشكالها المتعاقبة، والاختلاف القائم بين مجمل الأحزاب والكتل والحكومات الإسرائيلية تقوم على طريقة تهجير الفلسطينيين أو تهجينهم وطبيعة الوسائل المستخدمة؛ فحكومات العمل جرت باتجاه التهجير الهادئ أو الطوعي فيما سياسات اليمين وخاصة بعد الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة تقوم على التهجير القسري تحت النار والقتل والخوف سواء بشكل مباشر بأدوات الدولة الرسمية "الجيش" أو أدواتها غير الرسمية "المستوطنين" بدعمهم وتسليحهم وحماية اعتداءاتهم على الفلسطينيين وبلداتهم وممتلكاتهم ومنح الحصانة لهم للإفلات من العقاب.
فيما سياسات التهجين "الاستسلام" تقوم على سياسات العصا والجزرة المستخدمة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فالعصا تتمثل بالتنكيل "العقوبات الجماعية" بالأشكال المختلفة كمحاصرة المدن والبلدات ومنع العمل وهدم المنازل وتدمير جهودهم المبذولة في تحقيق أحلام الفلسطيني الفرد المتمثلة؛ ببناء منزل وإنشاء أسرة ومصدر رزق وبعض الممتلكات لحسين تنقلاته، وغيرها لمنع أي حاضنة شعبية لمقاومة الاحتلال أو الاحتجاج على سياساته الاستعمارية، أما سياسة الجزرة فتقوم على تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين بتحقيق بعض الرفاهية من خلال ربطهم بالاقتصاد الإسرائيلي أو تفعيل مفهوم الاغيار "غير اليهود" الذين يعملون لصالح الأخيار "شعب الله المختار" كعبيد. بينما سياسات القتل تقوم على ملاحقة وقتل جميع الفلسطينيين الذين يحتجون على وجود الاحتلال ويرغبون بالتخلص منه وممارسة حقهم بتقرير المصير في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في الضفة والقطاع.
تأتي جميع سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية وتصورات نتنياهو لطبيعة الصراع في إطار تطبيق هذا الثالوث الذي يعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الجذور كصراع وجودي، ما يعني استمرار العنف والمواجهة والموت في هذه المنطقة إلى الأبد ومنع السلام والأمن والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.