خُطَّة اَلْحَسْمِ اَلْإِسْرَائِيلِيَّةِ وَخَنْقِ اَلضَّفَّةِ اَلْغَرْبِيَّةِ اِقْتِصَادِيًّا
"الإرهاب" ينبع من الأمل، وليس من اليأس، هكذا تتمحور رؤية "بتسلئيل سموتريتش" زعيم حزب الصهيونية الدينية، ووزير المالية الإسرائيلي، والوزير في الوقت ذاته في وزارة الحرب الإسرائيلية كمسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وقد وردت رؤيته هذه في خطته لحسم الصراع، وتبناها حزب الصهيونية الدينية كبرنامج عمل، ومن ثم تبنتها الحكومة الإسرائيلية كبرنامج عمل فعلي، دون اعلانٍ رسمي، وإنما من خلال التطبيق الصامت على الأرض، وبالتالي هدف "خطة الحسم" افقاد الشعب الفلسطيني الأمل بإقامة الدولة الفلسطينية، أو انفاذ حقوقه الوطنية، وخلق واقع معيشي معقد للفلسطينيين، وتقويض الكينونة الفلسطينية، واضعاف السلطة الفلسطينية، وهو ما يعلنه صراحة المتطرف سموتريتش حيث قال أن مهمته الأساسية منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية، مشيراً إلى الضم الصامت على الأرض من خلال تشجيع الاستيطان، وتوفير البُنى التحتية واللوجستية المحفزة للتوسع الاستيطاني، وتغيير ملامح الضفة الغربية، مُشبّهاً الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية في العاميين الأخيرين، كتغيير الحمض النووي للنظام، بحيث تكون الآثار جوهرية، وعميقة، ودراماتيكية، وطويلة الأجل، وغير قابلة للتراجع. وخطة الحسم هي اعادة إنتاج للخطاب الصهيوني المُؤَسّس لـ” دولة إسرائيل” مع إضفاء للبُعد الديني عليه، حيث يحاول سموتريتش في الترويج لخطته، خلق مقاربات مع روايات توراتية، ومع خيارات "يُوشَعُ بْنُ نُونٍ" عندما دخل فلسطين في الماضي البعيد، معتبراً ذاته مُكلّف بأمرٍ مستمد من التراث الديني، ويحدد سموتريتش سيناريوهات رئيسة للتعامل مع الفلسطينيين، يتمثل الأول في الإبقاء على الفلسطينيين الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد مقيمين في “الدولة اليهودية”، بحقوق مدنية وليست وطنية، وكساكنين من الدرجة الثانية. والثاني يتفرع إلى فرعين، يتعلق بالتعامل مع من لا يريد التخلي عن تطلعاته الوطنية؛ فتطرح الخطة خيار التهجير الطوعي، أو التعامل مع الفلسطينيين باستخدام القوة المفرطة و”الحسم” العسكري. وانفاذاً لتلك الرؤية المسماة "خطة الحسم" ومن أجل تسريع انفاذها، عملت إسرائيل كدولة، في ظل الحكومة الحالية، على جملة سياسات وإجراءات منها:
استخدام القوة العسكرية المفرطة، تسريع الاستيطان، إحداث تغييرات جوهرية في شبكة الطرق في الضفة الغربية، مصادرة الأراضي، إضافة إلى توظيف الأدوات الاقتصادية لتسريع هذه الخطة، وعبر خنق مُمَنج للضفة الغربية، من خلال عرّاب الخطة "سموتريتش" مستغلاً سلطاته التي تمثل فكي كماشة، كوزير مالية، وكوزير مسؤول عن الإدارة المدنية في منطقة الضفة الغربية في وزارة الحرب الاسرائيلية، وبمباركة ودعم من الحكومة الإسرائيلية. وتمثّلت الأدوات الاقتصادية التي وظفتها إسرائيل في سبيل انفاذ خطة الحسم، وخلق واقع اقتصادي متردي، في احتجاز وقرصنة إيرادات المقاصّة، والتي تشكّل المكوّن الأكبر للإيرادات الفلسطينية، وتحت مسميّات متعددة، تارة تحت مسمى مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، وتارة أخرى تحت مسمى مخصصات قطاع غزة، وتارة ثالثة حتى مسمى تعويضات لقتلى وجرى إسرائيليين، وأمعنت في تثبيت و"قوننة" تلك الخصومات من خلال قوانين عنصرية أقرّها الكنيست الإسرائيلي، إضافة إلى اغلاق السوق الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية، وحرمان أكثر 200 الف عامل فلسطيني من العمل داخل الخط الأخضر، عدا عن حرب الإبادة على قطاع غزة غير المسبوقة، والتي دمرت اقتصاده وبنيته التحتية بشكل شبه كامل، إضافة إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية وحصار المدن والقرى والمخيمات فيها، وتدمير البنية التحتية في مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية، وإجراءات السيطرة والهدم في المناطق المصنفة (ج)، بل والامتداد في إجراءات الهدم الى المناطق المصنفة (ب)، وخلق واقع معيشي قاسٍ جداً للشعب الفلسطيني، عدا عن إجراءات أخرى مكبّلة للاقتصاد مثل عدم انتظام استقبال عملة الشيكل في البنوك الإسرائيلية، والتهديد بقطع العلاقة البنكية، وغيرها، وخلق مخاطر متعددة لآفاق الاستثمار في الضفة الغربية، الأمر الذى أدى الى انكماش الاقتصاد الفلسطيني، وتراجع دورة الاعمال، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، إضافة الى تقليص معظم منشآت القطاع الخاص لأعمالها في الضفة الغربية، وما نتج عنه من ارتفاع نسب البطالة، وفقدان مئات آلاف من فرص العمل. في ضوء العرض السابق، فإن خطة الحسم بدأت عملياً على الأرض، وبدون اعلان رسمي، وامعان إسرائيل في خنق الضفة الغربية، وتقويض مقوّمات الاقتصاد، وافقار الضفة الغربية، هي احدى الأدوات الاستراتيجية لإجبار الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، طلباً للرزق أو الأمان الاقتصادي والاجتماعي، استكمالاً لفصول خطة الحسم، والتي تعتبر تهديداً وجودياً للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب برنامجاً وطنياً فلسطينياً، لإفشال هذه الخطة، والتصدي لها، قبل فوات الأوان، مع ضرورة الوحدة الوطنية، وتكامل الكل الفلسطيني في مواجهة هذا التهديد الاستراتيجي، وضرورة إسناد عربي واسلامي ودولي للقضية الفلسطينية، وتوفير دعم سياسي ومالي من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والحفاظ على الكينونة الفلسطينية، وعبر حراك فلسطيني فاعل، خاصّة وأن بقاء الوضع الفلسطيني على حاله، يُنذر بالأسوء، مع وجود خطة مُمنهجة لنفي كل ما هو فلسطيني، وتقويض فكرة الدولة الفلسطينية، وتهديد الوجود الفلسطيني في أرضه، وحال اكتمال مزيد من فصول تلك الخطة، حينها ستكون مرونة العمل والتصدي محدودة لها، وَلَاتَ حِينِ مَنَاصٍ.