اغتيال حسن نصر الله.. هل انتصرت إسرائيل؟
في تطور مفاجئ وصادم، أعلنت مصادر إعلامية إسرائيلية صباح اليوم عن اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في عملية نوعية نفذتها قوات خاصة إسرائيلية. يأتي هذا الاغتيال في وقت يشهد توتراً غير مسبوق على الجبهة الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وسط تصعيد عسكري مستمر ومعادلات جديدة قد تغير ميزان القوى في المنطقة. يعتبر هذا الحدث تطوراً خطيراً يفتح الباب أمام تساؤلات حول تبعاته على المشهد السياسي والأمني في لبنان والشرق الأوسط بأكمله، ويثير مخاوف من ردود فعل قوية من قبل حزب الله وحلفائه في المنطقة.
في وقت سابق أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن استدعاء لواءَي احتياط إلى الجبهة الشمالية، وذلك بالتزامن مع انعقاد الكابينت، وهنا، وفي ظل هذه الظروف، علينا أن نسأل ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد تعلّمت شيئًا من تحقيقات لجنة فينوغراد، وهل هي مستعدّة حقًا لخوض هذه المرحلة بكل معطياتها؟ خصوصًا أنها الآن تواجه ملفًا من ستمئة صفحة، كل سطر فيه يعكس حالة الضعف التي تمر بها، وعليه فإن كل خطوة تقوم بها إسرائيل يجب أن يتم قياسها وفق ما جاء في ذلك الملف، وتحديدًا فيما يتعلق بالاجتياح البرّي للأراضي اللبنانية!
إن الحديث عن الاجتياح البرّي يعيدنا إلى عام 2006، أو متلازمة عام 2006 كما يصحّ تسميتها. إن إسرائيل تدرك أنها تملك سلاحًا جويًّا قويًا، ولو اكتفت به لكانت المنتصرة بلا شك، ولكن هزيمتها كانت بالتوغل البرّي آنذاك.
وإذا أرادت إسرائيل أن تكسر هذه المعضلة، فعليها أن تمتلك معطيات أخرى، خصوصًا أنها تخوض حربًا أخرى على قطاع غزة. وهذا يوضح أن الظروف السابقة ليست مشابهة أبدًا للظروف الحالية، كما أن قدرات حزب الله قد تغيرت منذ عام 2006 وحتى اليوم، وكذلك قدرات إسرائيل بالمناسبة.
وعليه فإن المعضلة الحقيقية تكمن في أن إسرائيل لا تعرف مقدّرات حزب الله على وجه التحديد، فهي لم تخض معه حربًا منذ سنوات، ولهذا فإن كل ما تقوم به إسرائيل حاليًا يمكن القول بأنه مجرد جسّ نبض أو أقرب ما يكون إلى عملية تقييم لما يملكه ويستطيعه حزب الله إذا ما قامت بتصعيد المواجهة إلى مرحلة ثانية، ومدى تحمّلها إذا خاضت حربًا على مستويات أعلى.
ما بين الحرب على غزة ولبنان، علينا التوقف عند نقطة هامة، وهي أننا لا نستطيع أن نقيس كل مجريات الأمور في داخل الجبهة الشمالية على ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة في بداية الحرب. فالمقدرات والمعطيات مختلفة، كما ذكرنا سابقًا، فعندما دخلت إسرائيل إلى قطاع غزة كانت في حالة من الإرباك، حالة من عدم اليقين، ولكنها الآن لديها ترتيبات، وكانت قد أخذت بالحسبان كل التوقعات من أفضلها إلى أسوئِها حول كل ما سيحصل في حال ضغطت على زناد الحرب!
تدرك إسرائيل أن كل خطوة تقوم بها تجاه حزب الله قائمة على سياسة أو إستراتيجية المرآة، بمعنى أن كل فعل تقوم به إسرائيل يقوم حزب الله بالرد عليه بنفس المستوى والمقدار. وهذا ما تحاول إسرائيل تغييره، فهي تعرف أن لدى حزب الله معرفة بالكثير من المناطق ويمكنه الوصول إليها، وهذا لا يفاجئها، خاصة بعد بثّ ما صوّرته مسيّرة الهدهد، فمنذ ذلك اليوم أدركت إسرائيل أن لدى حزب الله شبكة مكشوفة للمناطق الحسّاسة.
وحتى لو كانت مثل هذه الأهداف تحت مرمى نيران حزب الله، فإن إسرائيل تتعامل بنوع من التعتيم عندما يتعلق الأمر بمثل هذه المنشآت. وبالمناسبة، هناك اختلاف لدى إسرائيل في التعاطي مع المستويين: السياسي والعسكري مع الاستهلاك الإعلامي، وقد خاضت إسرائيل في هذا الأمر تجربة واضحة وكبيرة في حربها على غزة، فقد كان هناك نوع من التماهي بين المستويين، ثم أصبح المستوى السياسي يهوّل ويضخّم مجريات الأمور، بينما أصبح المستوى العسكري أكثر دقة وحساسية.
إن كل هذا المشهد، مشهد تعاطي إسرائيل مع الضفة الغربية وقطاع غزة مختلف كليًا عن تعاطيها مع الجبهة الشمالية. ففيما يتعلق بالضفة والقطاع هناك أصوات داخل إسرائيل تقول إن المقاومة رد فعل، وهي أصوات موجودة حتى داخل المؤسسات العسكرية والسياسية، حيث يوقنون بأن المقاومة جزء من رد الفعل، فما دام أن هناك احتلالًا فستكون هناك مقاومة.
وحتى داخل اليمين هناك من يسمي المقاومين بمحاربي الحرية بدون أن يصرّحوا بذلك علنًا. أما فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، فإن تعاطي إسرائيل مع مفاهيم الأمن القومي مختلف كليًا، فحزب الله مرتبط بإيران، ونتنياهو على مدار خمسة عشر عامًا أدخل إسرائيل في داخل البارانويا الإيرانية، واستهلكها بشكل كبير، وهذه فرصته لكي يثبت مدى خطورة الوجود الإيراني، وكل ما بعد الحدود هو تهديد حقيقي للوجود الإسرائيلي.
لذلك فإن كل الاختلافات السياسية والإستراتيجية تتماهى مع هذه التهديدات حسب الرؤية الإسرائيلية، وإذا سُئل أي شخص في إسرائيل مع من يشعر بثقة أكبر، فسيختار نتنياهو، حتى ولو كان من اليسار أو من أشد المعارضين لنتنياهو!
من المهم إدراك أن هناك ثأرًا مبيتًا بين إسرائيل وحزب الله منذ عام 2006، فإذا عدنا إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وسألنا عن سبب خوض إسرائيل هذه الحرب، فسيكون الجواب أنها طُعنت في الخاصرة الأهم أي هيبة الردع العسكرية.
وبالتالي هي بحاجة إلى إعادة هيبتها خصوصًا أن لديها ثأرًا قديمًا مع حزب الله، لذا فإن الرؤية السياسية تتماشى مع الأهداف العسكرية، وهذا بخلاف التعاطي مع ملف حركة حماس، حيث هناك خلاف في إسرائيل فيما يتعلق بجزئية أو هدف الإطاحة بحماس والتعامل مع القطاع.
السؤال الأهم في هذا السياق: ما هو مقياس النصر لإسرائيل في الحرب على لبنان؟ وعند الإجابة تظهر نقطة الاختلاف والتباين، فهناك من يرى أن الهدف الأساسي هو إزاحة تمركز حزب الله إلى ما بعد الليطاني، وهناك من يرى صورة النصر في الإطاحة بحزب الله وإنهاء وجوده، وهناك من يرى أن النصر يكون بالاستيطان الفعلي في الجنوب اللبناني. وهذا يعيدنا إلى المشروع الأساسي لدى بن غفير وسموتريتش، وهو الاستيطان، ولهذا لا يوجد مقياس أو تعريف واضح للنصر.
هناك تباين واضح في المضمار الدبلوماسي، وحتى لدى المعارضة الإسرائيلية. فالمعارضة الإسرائيلية تقرّ بأن الدخول في المسار الدبلوماسي لا يكون إلا بعد إظهار القوة، ومثالًا على ذلك تجربة إسرائيل مع مصر عام 1982 واتفاقية كامب ديفيد. ولكن لا يمكن القياس عليها، والسبب في أنها كانت تتعامل مع دولة، أما الآن فهي تتعامل مع منظمات تصفها بالمنظمات الإرهابية، ولا يمكنها التعامل بذات الطريقة التي تعاملت بها مع دولة كمصر.
يبقى لدينا السؤال الكبير، ما الذي يريده نتنياهو؟ هل يريد مثلًا إعادة السكان إلى الشمال؟ وهل استطاع استعادة أسراه من القطاع رغم السيطرة الكاملة عليه؟! إذن ما الذي يسعى إليه خصوصًا في الجبهة اللبنانية؟ هل يريد توريث هذه القضية بكل تعقيداتها إلى داخل الشارع الإسرائيلي ولمن سيرث الحكم من بعده؟ أم يطمح من خلال ذلك للمفاصلة والمفاضلة في جزئية طاولة المفاوضات؟!