كفى الفلسطينيين مكابرة وكفى العرب تجاهلا
الحرب الدائرة الآن تؤكد ودون مكابرة من أحد أنه لا يمكن للفلسطينيين الاستغناء عن العرب ولا يمكن للعرب تجاهل القضية الفلسطينية.
منذ سنوات وهناك توتر في العلاقات العربية الفلسطينية رسميا وشعبيا وغالبا كان خطاب الانتقاد للمواقف الرسمية العربية من قضية فلسطين هو الغالب على خطاب التفهم والتقدير، بل ذهبت بعض الجماعات السياسية للتحالف مع إيران من خلال ما يسمى محور المقاومة وهي تعرف حالة العداء بين إيران وكثير من الدول العربية مما أدى ليس فقط للتباعد ما بين فلسطين وبعدها القومي العربي بل نزع القضية من بعدها وسياقها الوطني والحاقها بمحور إيران.
بالتأكيد ذهبت كثير من الأنظمة العربية بعيدا في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب بل وظهرت ما تشبه حالة الردة الشعبية في بعض الدول تجاه فلسطين وعدالة قضيتها وتغلغلت الرواية الصهيونية على حساب الرواية الفلسطينية، و انخرطت دول فيما يسمى السلام الابراهيمي، و بان الأمر وكأن هناك قطيعة ما بين فلسطين ومحيطها العربي وخصوصا بعد فشل محاولات دول عربية انجاز مصالحة فلسطينية كان يمكن لها أن تصوب العلاقة بين الفلسطينيين والعرب.
استغلت إسرائيل هذه القطيعة وما أنجزته من اتفاقات تطبيع، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني، لتقوم بحربها الاستراتيجية ليس فقط على الفلسطينيين بل وعلى العرب عموما لتغيير جيواستراتيجية المنطقة تمهيدا لصناعة الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له واشنطن منذ عقدين من الزمن وتشارك اليوم مع إسرائيل لصناعته بالقوة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية، وكانت خرائط نتنياهو و تصريحات الوزير المتطرف سموترتش واضحة في كشف هذا المخطط.
قد تكون هناك مبالغة وتهويل في التهديد بحرب إقليمية وبقدرة إسرائيل على التوسع في المنطقة ولكن باتت واضحة العقيدة الدينية اليهودية الصهيونية المعادية ليس للفلسطينيين فقط بل لكل العرب والمسلمين، مما يدق ناقوس الخطر على مستقبل ومصير العرب كشعوب ودول في المستقبل وقدرتهم على مواجهة ثلاثة مشاريع معادية لهم تاريخيا وقوميا ودينيا ومذهبيا: المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني الفارسي والمشروع التركي التوراني، بالإضافة الى محاولات واشنطن للهيمنة على المنطقة في سياق صراعها الاستراتيجي العالمي مع روسيا والصين.
ما نرمي اليه من كل ما سبق أن فلسطين تبقى القضية المركزية سلما أو حربا ولا يمكن الفصل بين ما يجري في فلسطين وما يجري في المنطقة العربية، وأن الحاجة ملحة لتصويب العلاقة بين الفلسطينيين ومحيطهم العربي بعد أن تأكد أن مراهنة الفلسطينيين على غير العرب أوقعهم في مأزق وتهدد وجودهم الوطني، كما أن مراهنة بعض الأنظمة العربية على واشنطن والتطبيع مع إسرائيل لم يمنع من ظهور نزعة يهودية صهيونية متطرفة تعادي الإسلام والمسلمين والعرب وتعلن عن أطماعها في السيطرة على دول عربية.
إعادة تصويب العلاقات الفلسطينية العربية لمواجهة الخطر المشترك يبدأ بدور عربي فاعل في تحقيق المصالحة الفلسطينية وتقوية النظام السياسي الفلسطيني ليكون قادرا على مواجهة المخططات الصهيونية،
يبدو أن المصالحة بين الأحزاب الفلسطينية لن تتحقق لو تم ترك أمرها بيد الأحزاب ،ولذا يجب تدخل دولة أو عدة دول عربية وإسلامية لدفع الأحزاب أو إجبارها على التوصل لتوافقات على استراتيجية وطنية متعددة المسارات وخصوصا فيما يتعلق بمواجهة مخطط التهجير من شمال القطاع تمهيدا لتهجير قسري خارج القطاع والضفة وتصفية القضية الوطنية ،لأن تحول الحرب لحرب إبادة وتطهير عرقي واتساع رقعتها يكشف الأهداف الحقيقية للحرب المُعد لها مسبقا قبل السابع من أكتوبر
قد يقول قائل إن الحالة التي عليها العرب والمسلمين من انشغالهم بمشاكلهم الداخلية وتطبيع مع العدو الخ لا يؤهلها لأن تستلم ملف المصالحة ويجب الاستمرار بالمراهنة على مصالحة يفرضها الشعب بالثورة والتمرد على الأحزاب والابتعاد عن أية مراهنة على العرب.
هذا صحيح في الوضع الطبيعي، لكن حالة الشعب الفلسطيني الذي نصفه خاضع للاحتلال بالإضافة إلى فصل مناطقه بعضها عن بعض، ونصفه مشتت في أصقاع الأرض لا يستطيع الضغط على الأحزاب وقد صبر الشعب على الأحزاب طوال سبعة عشر عاما من الانقسام دون جدوى حتى حرب الإبادة والتطهير العرقي المتواصلة منذ أكثر من عام لم تدفعهم للمصالحة.
ومن جهة أخرى نتفق أن الحالة التي عليها العرب والمسلمون تجعل المراهنة عليها غير مضمونة النتائج ولكن وبصراحة هل حال نظامنا السياسي من منظمة تحرير وسلطة وأحزاب مقاومة وغير مقاومة، أفضل حالا؟ وهل حال شعبنا الآن أفضل من حال الشعوب العربية؟ دون مكابرة لا أعتقد ذلك.
وفي هذا السياق يمكن أن يكون لمصر والأردن دوراً رئيساً لاعتبارات تاريخية وجغرافية وقومية وسياسية بالتنسيق مع دول عربية وازنة.
عندما نقول مصر والأردن لأن هاتين الدولتين الأكثر استهدافاً وتضرراً من تداعيات مخطط التهجير القسري ومن تهديدات قادة الاحتلال بالتوسع في دول الجوار وصناعة الشرق الأوسط الجديد وقد كان نتنياهو وسموترتش واضحين في كشف هذه المخططات.
قدرة مصر والأردن ودول عربية أخرى على تحقيق وحدة وطنية فلسطينية تمنع تهجير الفلسطينيين وتثبت الشعب على أرضه في القطاع والضفة هو حماية للأمن القومي لهذين البلدين وللدول العربية وهو ما سيفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد.