يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (3-5)
مقالات

يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (3-5)

 يتطلب تقييم عملية طوفان الأقصى، بعد مرور عام، دراسة الجوانب المختلفة لما جرى قبل وأثناء العملية ومساراتها ومآلاتها أو تحقيق أهدافها من جوانب متعددة تُأخذ بالحسبان أثناء التخطيط لها، وهي قواعد حاكمة لنجاح العملية أو الفعل. لذا تقرأ هذه المقالات مجتمعية بما يحقق التكامل فيما بينها. سيخصص هذا المقال لأهداف عملية "طوفان الأقصى" التي أرادتها قيادة حركة حماس.

قراءة بيان انطلاق عملية "طوفان الأقصى" الذي ألقاه محمد الضيف صبيحة يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 يثير لغطاً في أهداف العملية ذاتها؛ أهي حرب تحرير لكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 "لتطبيق وعد الآخرة" أو تحرير الأراضي المحتلة عام 1967، أم أنّ هذه عملية لتحريك القضية الفلسطينية وتعديل موازين القوى. فمن جهة يصف البيان في مقدمته إقامة دولة إسرائيل على حساب الفلسطينيين لكنه ينتقل سريعاً في الفقرة الثانية للقول إنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يحترم القانون الدولي والقرارات الدولية (بعض هذه القرارات هي من أنشأت دولة إسرائيل في هذه المنطقة) "سبق وحذّرنا قادة الاحتلال من استمرار جرائمهم، وأَهَبْنا بقادة العالم التحرك لوضع حدّ لجرائم الاحتلال بحقّ ومقدساتنا وشعبنا وأسرانا وأرضنا، ولإجبار الاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي وبالقرارات الدولية. فلم يستجب قادة الاحتلال، ولم يتحرك قادة العالم، بل ازدادت جرائم الاحتلال وتجاوزت كل الحدود".

عدّدَ البيان الأسباب الدافعة لعملية "طوفان الأقصى" كما يلي: (1) ما يحيق بالمسجد الأقصى من مخاطر والاعتداءات المستمرة من قبل الاحتلال والمستوطنين والتخوف من هدمه وبناء الهيكل المزعوم. (2) استمرار احتجاز الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي. (3) اقتحامات قوات الاحتلال للمدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية. (4) استمرار الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية من أجل زيادة الاستيطان وتفاقم اعتداءات المستوطنين على المواطنين. (5) فرض الحصار المجرم على قطاع غزة. هذه الدوافع التي سردها البيان جميعها تتعلق بممارسات وتمظهرات الاحتلال للأراضي المحتلة عام 1967، ويدعم هذا الاعتقاد ما جاء في الدعوة التي وجهها الضيف في البيان إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 "يا أهلنا في الداخل المحتل، في النقب والجليل والمثلث، في يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، أشعلوا الأرض لهيباً تحت أقدام المحتلين الغاصبين، قتلاً وحرقاً وتدميراً وإغلاقاً للطرقات، وأَفْهموا هذا المحتل الجبان أنّ طوفان الأقصى أكبر ممّا يظن ويعتقد" مقارنة بالدعوة التي وجهت للمواطنين في الضفة الغربية التي دعتهم لكنس الاحتلال "اليوم يومكم لتكنسوا هذ المحتل ومستوطناته عن كل أرضنا في الضفة الغربية".

ثم أتْبَعَ البيان أنّ عملية طوفان الأقصى جاءت " في ظل هذه الجرائم المتواصلة بحقّ أهلنا وشعبنا، وفي ظل عربدة الاحتلال وتنكُّره للقوانين والقرارات الدولية، وفي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت الدولي، فقد قررنا أن نضع حدّاً لكل ذلك بعون الله، ليفهم العدو أنه قد انتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب" في المقابل أضافت وثيقة حماس التي نشرتها بمرور مائة يوم على طوفان الأقصى "هذه رؤيتنا ....لماذا طوفان الاقصى" وماذا يفعل ليحقق أمل 7 مليون فلسطيني بالعودة إلى ديارهم بعد 75 عاما من النفي والشتات" وأضافت الوثيقة "كانت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، خطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وخطوة طبيعية في إطار التخلص من الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية، وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".

إنّ تبني هذه الأهداف والتوجهات ودعوة الفلسطينيين في الساحات المختلفة والحلفاء في الجبهات المتعددة الأطراف المختلفة يحتاج إلى مسألتين رئيسيتين؛ الأولى: الإعداد والتهيئة في الساحات المختلفة وهي لم تأخذ بالحسبان وربما اعتبرتها خلية الإعداد "المجلس العسكري المحدود" أنّها تحصيل حاصل أو التعامل بأن الأطراف تتبع المركز دوماً بغض النظر عن التهيئة الواجبة لتفعيل الساحات. والثانية: التنسيق مع الجبهات "إيران وحزب الله وحلفائهم" كي تكون مستعدة للمشاركة الفعالة لكن على ما يبدو أنّ ذلك لم يكتمل وكان يحتاج إلى المزيد من الوقت وفقاً لما تم كشفه في الوثائق المسربة عن اجتماعات المجلس العسكري المحدود الذي أَعَدَ "المشروع الكبير".   

في ظني أنّ نجاح التخطيط العسكري لكتائب القسام والحفاظ على سريتها ونجاح العملية العسكرية صباح يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر باختراق الحدود والوصول إلى القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، واستمرار المقاومة على مدار أكثر من عام كان أمراً لافتاً. لكن مثل هذه العمليات الضخمة تحتاج من حيث الجوهر والمضمون إلى قرارات سياسية تصدر عن القيادة السياسية؛ فهي أكثر حكمة في تقدير الموقف وفهم تأثيرات العمل العسكري على الواقع السياسي، وهي أكثر قدرة على تحديد الأهداف المتسقة مع الإمكانيات والقدرات. أما من حيث الشكل فإنّ العسكريين مهما علا شأن مكانهم ليسوا بديلاً عن السياسيين أو القيام بدورهم الأمر الذي اتضح في إلقاء محمد الضيف بيان انطلاق العملية بديلاً عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.