يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (4- 5)
مقالات

يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (4- 5)

يتطلب تقييم عملية طوفان الأقصى، بعد مرور عام، دراسة الجوانب المختلفة لما جرى قبل وأثناء العملية ومساراتها ومآلاتها أو تحقيق أهدافها من جوانب متعددة تُأخذ بالحسبان أثناء التخطيط لها، وهي قواعد حاكمة لنجاح العملية أو الفعل. لذا تقرأ هذه المقالات مجتمعية بما يحقق التكامل فيما بينها. سيخصص هذا المقال للحديث عن النجاحات والإخفاقات أو بالأحرى الأرباح والخسائر إثر "طوفان الأقصى".

على الجانب الإسرائيلي، أحدث يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 زلزالاً هائلاً في نظرية الردع أو هالة قدرة الردع الإسرائيلية في المنطقة بمجملها، والتفوق العسكري المبني على التفاخر بالقدرات التقنية أو الصناعة العسكرية فائقة التقنية، وشكلت ضربة "قاسمة" هزت مكانة الجيش الإسرائيلي "البقرة المقدسة" في المجتمع الإسرائيلي الذي بدا أنه غير قادر على حماية حدود الدولة أو مواطنيها، والقدرات الاستخبارية لأجهزة الأمن الإسرائيلية حيث كشف عن قصور في قدراتها على الوصول إلى المعلومات وعجزها في الحصول على الخطط التي تقوم بها حركة حماس للقيام بعملية "طوفان الأقصى". ناهيك عن عجز تقديرات الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها على التنبؤ أو التقدير لحجم التهديدات أو سلوك الأطراف "المعادية" حيث أشارت تقارير تقدير الموقف أنّ حركة حماس مردوعة وغير راغبة بالمواجهة وأنها استأنست الحكم وملذاته وتريد الحفاظ عليه.

في المقابل شكل طوفان الأقصى في ذلك اليوم (أي العملية العسكرية) نجاحاً مبهراً للفلسطينيين، وطبعاً لحركة حماس كما أشرنا في المقالات الفارطة، لم يعتادوا عليه سابقاً بهذا الحجم والقدرة وأعداد المقاتلين المشاركين في العملية والأدوات والقدرات والوسائل. وإعادة ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وبقدرتهم على مواجهة قوات الاحتلال و"التفوق" على قدراته العسكرية والتقنية. فيما أعادت هذه العملية المسألة الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي التي غابت لسنوات أو بالأحرى لم تعد ضرورة من أجل تحقيق الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط.

في المقابل اعتبرت الحكومة الإسرائيلية أنّ الانتقام أو الحرب فرصة للعودة إلى الأحلام التوراتية والأفكار الأيديولوجية التي يتبناها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لاستعادة الأطماع الاستعمارية بإقامة مملكة إسرائيل من البحر إلى النهر وفقاً لما سجله نتنياهو في كتابه "مكان بين الأمم" ومستخدماً في ذلك القوة الغاشمة التي تمتلكها إسرائيل والدعم الدولي الذي تلقاتها بداية الحرب، ومعتمداً على نظرية "الجدار الحديدي" القاضية باستخدام القوة المفرطة لاستسلام الفلسطينيين أو تهجيرهم من أراضيهم.

عملت الحكومة الإسرائيلية بسياسة ممنهجة للتدمير الكلي والشامل في قطاع غزة لمنع إمكانية الحياة فيه ولاستهداف المواطنين الفلسطينيين بشكل واسع، وتدمير البنية التحتية بما فيها نظام الرعاية الصحية بجميع مكوناته وكذلك التعليم وأنظمة البيئة القائمة في القطاع. وهي خسائر هي استراتيجية لجميع الفلسطينيين تؤثر وستأثر في طبيعة حياتهم وفي البنى الثقافية والاجتماعية لعقود قادمة.

في المقابل، نجح الفلسطينيون باستعادة وضع قضيتهم على جدول أعمال المجتمع الدولي، وزيادة التضامن الدولي على مستوى الشعوب بشكل عام، ومنح دولة فلسطين امتيازات استثنائية في الأمم المتحدة تشبه إلى حدٍ بعيد امتيازات الدول الأعضاء، وتغيير في مواقف بعض الدول كان أوضحها الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول أوروبية على سبيل المثال، وظهور بوادر لمقاطعة إسرائيل من بعض الدول الأوروبية في قضايا محددة، وناهيك عن "تفعيل" ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية؛ كمحكمة العدل الدولية في القضية المرفوعة من دولة جنوب افريقيا بشأن خرقها لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع  جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، أو المحكمة الجنائية الدولية التي تدرس إصدار بطاقات جلب لرئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير جيشه كمجرمي حرب. ناهيك عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صادق على قرار محكمة العدل الاستشاري المتعلق بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي واستمرار منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير باعتباره أحد أهم مقاصد ميثاق هيئة الأمم المتحدة وغايات إنشائها. يجدر التنبيه إلى أنّ هذه النجاحات على مستوى المؤسسات الدولية بشكل خاص لم تكن نتيجة "طوفان الأقصى" وحده بل أيضا نتيجة جهدٍ سياسي مستمر لسنوات متعددة.  

هذا المقال لا يبحث في مفهوم المقاومة اصطلاحاً فهي حق مقدس أو قيمة عليا لشعوب العالم، وهي ملك الشعب وحده، إنّما النقاش والمجدالة في فعل المقاومة أو أساليبها وأياً منها أنجع وأقل تكلفة أو يجنب الخسائر الاستراتيجية للشعب الفلسطيني، والأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحدقة بالقضية وبالبشر في آن. مما لاشك فيه أنّ الشعوب لديها الاستعداد للتضحية المتكافئة بحجم الأهداف الاستراتيجية المتحققة أو المراد تحقيقها، وتريد أيضا قيادة تتقدم الصفوف في التضحية وقادرة على إدارة دفة المعركة بتعظيم الإنجازات وتقليل الخسائر، وتحويل التضامن الشعبي إلى تحالف دولي لنزع الظلم وإحقاق الحق للشعب الطامح للحرية والذي يرنو للسلام والأمن والاستقرار والازدهار.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.