محللون وكتاب ومختصون في مهب المصلحة ام في الدفاع عن القضية؟
كثر المحللون والكتاب والمختصون بالشأن الفلسطيني والاسرائيلي والايراني واللبناني، نراهم يهيمون من فضائية الى اخرى ومن قناة الى نظيرتها، صنفوا وفقا لتوجهاتهم فمنهم لا يخرج الا على الجزيرة ومنهم لا يخرج الا على فضائية العربية والحدث وسكاي نيوز، ومنهم من يتنقل من المشهد الى الشرق، اما جزء اخر فانهم يظهرون على المنار او الميادين او فلسطين اليوم والقليل للاسف من يحظى بتغطية معقولة على فضائية فلسطين، اما الاذاعات المحلية فقصتها مغايرة وفهمها مختلف.
لن نتحدث كيف يتم انتقاء المحللين والكتاب، فاصبح واضحا للجمهور ان لكل فريق متعهدين لرأي يتفق معهم او يسايرهم، ولن نتحدث عن مبدا الارتزاق، فالحق ابلج والباطل لجلج .
لن نتحدث عمن يبيع موقفا هنا وتراه بعد يوم هناك على الطرف النقيض، لن نتحدث عمن يقول انه متخصص بالشأن الاسرائيلي وهو لا يعرف اللغة العبرية او لا يعرف مكونات مجتمع المحتل، ولا من يدعي انه خبير بالشأن اللبناني وهو لا يعرف مكونات النظام السياسي وكيف يتخذ القرار داخل لبنان او ايران.
في الغرب تتخصص مراكز ابحاث ببعض الدول ويكون في كل زاوية من المركز قسم متخصص بمكونات المجتمع في هذه الدولة او تلك، يحللون اللغة والثقافة والمكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يبذلون الجهود لفهم ما هو قائم ويقترحون سياسات حكومية طويلة المدة ومتوسطة وقصيرة كذلك.
ليس كل من اتقن اللغة هو خبير وليس كل من ملك القدرة على الكلام فهو محلل، وليس كل من كتب في موضوع معين اصبح كاتب لا يشق له غبار.
نتساءل ماذا سيقول المختص والخبير بعد ان يتحدث لمدة ساعة في اللقاء هنا او هناك، من اين سياتي بمعلومات جديدة ورؤيا جديد او قدرات تحليلية جديدة طالما انه يخرج يوميا بالساعات، اذن من الطبيعي انه سيعيد تكرار نفسه، وسيمل المستمعون منه.
قوة الصحافة والكتاب والخبراء والمحللين في عالم الاعلام تنبع من امتلاكهم معلومات من مصادر موثوقة تؤهلهم للحديث عنها بثقة، وان يتناولوا تحليلها بجدية، وأن يخرجوا باستنتاجات ذات مصداقية، فليس كافيا ان تعرف الثقافة واللغة، وليس كافيا ان تكون ذكيا في اللعب بالكلمات، فان امتلكت المعلومة حول ما تتحدث عنه تصبح مستنيرا في طريق عرضك للاشياء، فتصيب من تشاء في رؤيتك وتغادر بعد حين بثقة، محمد حسنين هيكل امتلك الرؤيا بعد ان ملك المعلومة،فاصبح محللا وصحفيا ناجحا، وكذلك الدكتور عزمي بشارة ، قدم مقاربات جديرة بالاهتمام والنقاش في وقت معقول ولم يكرر ذاته، المهم ان تقدم فكرة واضحة وتقدم رؤية متزنة، اساسها معلومة تقف على قدميها لا تحلم عليها.
الاعلام العبري منذ بداية الحرب، يمثل الناطق الرسميى باسم المؤسسة الرسمية وان حصل نزاع فهو يتعلق بالخلاف السياسي بين اقطابه، انظروا كيف تقوم اسرائيل والغرب بتقديم روايات اعلامية مفبركة وكيف يتم استخدام وسائل اعلام عربية اداة في يد هذه المنظومات المعلوماتية، لتحقيق الانتصار المعنوي والهلاك النفسي بحق ابناء شعبنا وامتنا العربية والاسلامية المعركة اصبحت تقوم على الوعي والصورة.
اسرائيل لا ينشر فيها خبر الا باذن الجيش ولا يسمح لصورة ان تخرج الا بتعليمات من الجهات الامنية، اما عندنا فترى جيش من الجهات تعبث بالجبهة الداخلية، بل البعض لا يستحي ان ينشر اخبار مفبركة حتى وبعد ان يتبين انها مفبركة، فانهم يستمرون بنشرها، اقول انهم يعملون احيانا بدافع كراهيتهم وحقدهم الشخصي واحيانا دورهم الوظيفي.
كثير من المحللين لا يستطيعون التمييز بين الالم الشخصي ووجع الفقدان والتيه، والحاجة لاهلنا في غزة اليومية وبين الموقف السياسي. بعدهم دخل مرحلة السذاجة بالقول انه يمكن ايقاف الحرب، وان احد الاسباب هم الفلسطينين ومنهم من يتعامل مع الملف الاسرائيلي بمعزل عن الامريكي، وكل من يحلل له جمهور يسمعه ويصفق له.
بعض المحللين والكتاب وابطال السوشال ميديا يقدمون انفسهم كأنهم يملكون الحقيقة خلاف منافسيهم، فيخرج على الهواء ليلقي ما بجعبته من وهم ويمضي، ثم يأتي اخر ويرمى ما لديه ويعدو الى مكان اخر، ليقول الم اقل لكم ان هذا سيحدث وذاك قد حدث، فخلط ما بين التحليل والتنجيم وما بين التمنى والحقيقة، وما بين المعلومة والواقع.
البعض من المحللين حجز مقعده من الشهرة فاستكفى بمن يدفع له اكثر طالما انه مع هذا التيار او ذاك، وكيف انه يناصر المقاومة او اخرين كيف يقفون ضد المقاومة مع العقل والمنطق كما يقولون، كيف اصبح البعض ندا لذاته وقضيته وشعبه وامته.
اخطر ما في المرحلة اننا نواجه جزء من القيادات السياسية والاعلامية وحتى عدد من الدهماء يناصرون ما يقوله المحتل ويسددون سهامهم بحق الضحية، ويبررون بغباء في الغالب مسوغات الاستمرار بالحرب، والادهى والامر ان هناك من اصبح ينظر بوقاحة ضد الحق البين ويقف مع الباطل بصورة احيانا مثقفة الشكل وغالبا واضحة بدرجتها من الوقاحة.
نسال انفسنا لماذا وصلنا الى هذا التشظي في المواقف، فبدلا من ان توحدنا المذابح ونقف مع بعضنا في وجه الوجع والظلم والقتل والحرمان، باتت هذه المعركة تمزقنا بشكل اكبر واصبحت تقودنا الى تخوين بعضنا البعض ، قد يكون للاسف بعض هؤلاء المحللين والكتاب ونشطاء السوشال ميديا هم من قادنا الى هذه الحالة اما بوعي او بحكم الالة الاعلامية الضخمة التي تهدف ليس الى سحق المقاومة بل سحق ما تبقى من مكونات مجتمعنا الفلسطيني وبناءه الاجتماعي والاقتصادي.
المعركة انتقلت الى ساحة وعنا الفردي ، فما حصل ويحصل الان على الفضائيات وصفحات السوشال ميديا من صدام ينعكس على الارض ويعيد بناء مفهوم الهزيمة والانهيار في بوتقة من الخلاص الموهوم، لذا علينا ان نعيد بناء مفاهيم او نتصدى لهؤلاء الجيوش من العدوان المستمر على وعينا الفردي والجماعي لنحمي ما تبقى من مستقبلنا الوطني والقومي.فمعركة الاعلام اصبحت اهم من المعركة في الميدان، فالمقاتل في الميدان عينه على العدو، اما نحن فالاغتيالات المعنوية تلاحقنا يوميا، فاما النجاة واما الهزيمة، اما ثبات او ضياع مقيم!