قراءة قانونية في الاعلان الدستوري الصادر عن الرئيس محمود عباس
مقالات

قراءة قانونية في الاعلان الدستوري الصادر عن الرئيس محمود عباس

الاعلان الدستوري الصادر عن الرئيس محمود عباس اليوم الاربعاء الموافق 27/11/2024 يمثل منعطفا مختلفا في حياة شعبنا منذ انشاء السلطة الوطنية. في مقالنا هذا سنناقش مفهوم الاعلان الدستوري وشروط اصداره ومضمون ما ورد في الاعلان الدستوري الصادر عن سيادة الرئيس محمود عباس.
الاعلان الدستوري ، هو باختصار مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حياة الناس في اقليم معين بهدف تسهيل اصدار قوانين لحين وضع دستور متفق عليه، بعد ان تم تعطيل الدستور القائم و/او لحين وضع دستور جديد نظرا لظروف استثنائية مرت بها البلاد. من هنا نجد ان الاعلان الدستوري له عدد من الشروط لاصداره وهي:
1.    ان يكون هناك دستور موجود وتم تعطيله بسبب حرب اهلية او انقلاب عسكري او ثورة شعبية او عدم وجود دستور في الدولة اصلا، وهذا لا يتوفر في الحالة الفلسطينية، فلدينا قانون اساسي فلسطيني، لم يعطل لاي سبب من الاسباب المشار اليها.
2.    ان يشمل الاعلان الدستوري على عدد واسع من المواد تكون اشبه بوثيقة الدستور من حيث ضمان الحريات والحقوق العامة والتاكيد على مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، وهذا ايضا لم يتوفر في الاعلان الدستوري الصادر عن سيادة الرئيس.
3.    ان الاعلان الدستوري الصادر عن سيادة الرئيس يتكون من مادة واحدة فقط تتعلق بشغور منصب الرئيس وهذا مخالف لابسط القواعد الدستورية لان الاعلان وكما اشرنا سابقا يتعلق بالمبادئ العامة لنظام الحكم الذي على اساسه سيكون عليه النظام الدستوري المرجو تجسيده.
اما الملاحظات القانونية على الاعلان فيمكن ان نسجل عدد منها على النحو التالي:
1.    ان الاعلان الدستوري مع الاحترام لمن صاغه فيه لبس  ما بين المرجعيات القانونية التي حكمت انشاء السلطة الوطنية وما ورد في القانون الاساسي الفلسطيني من حكومة ورئيس ومجلس تشريعي وسلطة قضائية وغيرها من الاسس للحاكمية في فلسطين ، وبالتالي فانه لا يجوز من الناحية الدستورية الخلط بين مرجعيات منظمة التحرير الفلسطينية وبين السلطة الوطنية الفلسطينية وعليه فان هذا الاعلان الدستوري مع الاحترام لمن اقترحه على الرئيس يمثل نسفا لابسط القواعد الدستورية التي استقرت عليها المنظومة الدستورية في الانظمة السياسية في العالم، ويعتبر اطار جديد وغير مسبوق في الربط بين اجهزة ومؤسسات ليس لها علاقة بالاطار القانوني الناظم لمسوغات الحكم في فلسطين بل والعالم.
2.    الاعلان الدستوري كما قلنا فان في العادة يأتي لوقف العمل بالدستور او تعطيل مواده، لذا فان الاعلان الدستوري جاء وكانه تعديل على القانون الاساسي بصيغة اعلان دستوري، وكانه تخريخه قانونية ودستورية للرئيس للخروج من حرج الغاء القانون الاساسي ونقل الصلاحيات الى المجلس الوطني ومنظمة التحرير لتحل تدريجيا مكان الاجهزة والسلطات التي نشأت بحكم ما ورد في القانون الاساسي الفلسطيني.
3.    الاعلان الدستوري جاء لمن يدقق فيه على شكل قرار بقانون بعيدا عن الديباجه للاعلان والتي جاءت اطول من مواد الاعلان ذاته وهذا يعزز ما ورد في النقطة السابقة.
4.    الاعلان الدستوري اسس لنقل الحكم بطريقة غير دستورية لموقع ليس له اي شرعية قانونية وفقا للقانون الاساسي الفلسطيني، مع الاحترام لاي شخص يشغل هذا المنصب.
5.    الاعلان الدستوري للاسف  اسس لحجب الحق في اختيار الشعب الفلسطيني لرئيسه عن طريق صندوق الاقتراع، وهذا يمثل خلل اضافي في الاعلان الدستوري.
6.    الاعلان الدستوري يشوبه خلل فيما ورد في المادة الوحيدة والتي تتحدث عن ان ولاية رئيس المجلس الوطني تكون لمدة (90) يوم وتمدد لمدة (90) يوما اخر فقط، وسكتت عن عدم التمكن من اجراء الانتخابات، حيث النص سيترك الشعب الفلسطيني في حالة فراغ دستوري ان لم يتمكن الفلسطينين من اختيار رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية.بعد مضي المدد المحددة في الاعلان الدستوري.
7.    الاعلان الدستوري يشير الى ان من سيشغل منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هو رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، وهذا يرسل رسائل قانونية وسياسية، تتعلق بمن  سيكون فقط رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية فقط وليس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وليس رئيس دولة فلسطين. اي ان الاعلان الدستوري هو بمثابة تعديل على القانون الاساسي الفلسطيني، وهذا ايضا مثلب اخر، حيث لا يجوز ان يعدل اعلان دستوري قانون اساسي لان الاعلان الدستوري هو اعلى دستوريا!!! ان جاز التعبير من القانون الاساسي، حيث لا يجوز لتشريع اعلى ان ينزل الى تشريع ادنى ليضف عليه، كما حصل في الاعلان الدستوري الصادر عن الرئيس.حيث لا يمكن الرئيس مع الاحترام لمكانته ودوره ان يعدل على القانون الاساسي الفلسطيني، حتى وان اسبغ عليه ما يسمى بالاعلان الدستوري لان القانون الاساسي الفلسطيني قد رسم طريقة التعديل على القانون الاساسي الفلسطيني. قد يأتي البعض ويقول طالما ان الاعلان الدستوري يسمو على القانون الاساسي فيقع الاعلان الدستوري صحيحا في التعديل على طريقة التعامل مع شغور منصب الرئيس، وهنا نذكر مرة اخرى ان الاعلان الدستوري في الاساس يحل محل الدستور ولا يعدل على دستور قائم، ونحن ليس لنا دستور، وبالتالي لا يجوز لنا اصدار اعلان دستوري، كما ان الاعلان الدستوري وكما اوضحنا فان يضع ويرسم معالم نظام الحكم الذي بموجبه ستمضى على نحوه البلاد ولا يتعلق بالتعديل على طريقة شغور منصب الرئيس، لذا هذا خلل دستوري ملحوظ.
بناء على ما تقدم فاننا نوصي باعادة النظر بالاعلان الدستوري بهذا الشكل وان كان ولا بد من اعلان دستوري فاننا نقترح ان يتم اعلان دستوري شامل بتوافق كافة القوى ومؤسسات الشعب الفلسطيني وكافة الفعاليات ومنح الرئيس الحق في الاعلان الدستوري الشامل كما حصل في اكثر من قطر عربي كالسودان وليبيا وتونس وحتى مصر.
ان الخطوة الاصح هو الاعلان عن تفعيل لجنة وضع الدستور ومنحها مهلة زمنية لانجاز الدستور ولحين اتمام اصدار الدستور يتم اصدار اعلان دستوري كامل متكامل يتفق مع الانظمة السياسية في العالم، وبذا نكون قد اسسنا لمرحلة واعدة تضمن انتقال السلطة في حال حصول اي طارئ بسلاسة ووفقا لتفاهمات وطنية شاملة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.