هل حان الوقت لتفهم حماس؟
صدى نيوز - هل حان الوقت حتى تستوعب حماس ماذا يجري؟ هل حان الوقت حتى تفهم أن الوقت ليس في صالح شعبنا وأنه لا يوجد هناك أي أفق مبشّر؟ لذا فإن انتظار المعجزة ليس أكثر من اصطياد الوهم. في الحرب لا شيء يقاس بالأمنيات ولا بمقدار التشجيع الذي يلقاه الفريق من جمهور خارج المدرجات، بل بتحقيق النتائج على الأرض، كما في معارك كثيرة فإن وقف الخسارة مربح، وفي الحالة الراهنة فإن وقف الحرب ووقف تشريد شعبنا ووقف ما يتعرض له من تقتيل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه هو انتصار؛ لأنه يحد من المزيد من الهزائم والتراجع. علينا أن نكون واضحين، وأتمنى من قيادة حماس أن تفهم أن الأمر ليس «عنزة ولو طارت».
تحمّل الشعب وتحمّلت فتح وتحملت السلطة وتحمل الرئيس أبو مازن الكثير من أخطاء حماس. لم يذهبوا لحرب أهلية حين انقلبت حماس على الحكم في غزة وحين اعدمت ضباطاً كباراً في السلطة، وسلخت غزة عن سياقها الفلسطيني من أجل ان تتحكم بمصير غزة، رغم أن الشعب قد أعطاها التفويض بالحكم خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة ربما هي الأكثر نزاهة في تاريخ الديمقراطيات العربية، حيث يسمح حزب حاكم ورئيس ينتمي لهذا الحزب (وأنا اعتذر لأنني لا أعتبر فتح حزباً حاكماً ولا حزباً بالمعنى الكلاسيكي ولا أريدها كذلك في الوقت الراهن) بتسليم السلطة للمعارضة لأنها فازت بالانتخابات.
على حماس أن تفهم أن الأمر ليس بالعناد ولا هو بتحقيق مصالح الحركة والتنظيم على حساب المصالح العليا للشعب. التنظيمات وجدت من اجل فلسطين، وبالتالي فهي ليست أهم من فلسطين ولا من شعبها. إذا كانت نتيجة الحرب إفناء شعبنا في غزة، وإذا كان ثمة عشرات الأسرى الإسرائيليين أهم من حياة عشرات آلاف المواطنين، وإذا كان استكمال مشروع النكبة هو نتيجة ما يجري فعلى حماس أن تراجع حساباتها، وعلى الوطنيين في حماس أن ينتبهوا أن التاريخ لن يرحم، فالأمر لا يتعلق بصراع مع فتح ولا مع السلطة بل بمستقبل الشعب وبمصير القضية. قلت في المقال السابق هنا إنه ليس من حق حماس ان تتحكم بمصير شعبنا في غزة، فهذا ليس بشعبها وحدها، وإنه ليس من حقها أن تواصل الإصرار على مواقفها من أجل مكاسب حزبية صرفة، ولا يعيب المرء أن يدرك خطأه ولكن ما يعيبه أن يضحي بشعبه من اجل التمسك بما يظن أنه الصواب، كما لا يعيبه ان يستمع لصوت شعبه ومطالبه، بل يعيبه أن يعيش في برج عاجي، يرى الخراب ويتعامي. نعم حماس ترى الخراب وتتعامى، وحان الوقت من أجل أن تفيق.
شعبنا في غزة يتحسر وهو ينظر لما جرى في لبنان ويدرك أن حزب الله كان أكثر حكمة من حماس حين أولى الدولة مسؤولية القرار بشان إنهاء الحرب. وأنا ممن لم يؤمن يوماً بصراخ وحدة الساحات، وكنت انظر إليه كما هو عليه في الحقيقة بعيداً عن الشعارات، أنه توظيف من إيران لتحقيق مصالح إقليمية رغم تقديري الكبير لتضحيات لبنان ولكل من رأى في قتاله واجباً قومياً او دينياً من اجل فلسطين، لكن كنت ارى ما هو خلف الستارة الكثيفة للصراخ شديد الوقع والأثر. أقول إن شعبنا يتألم وهو ينظر للمحيط ويريد لنا أن نكون ناضجين، أو بالأحرى يريد لحماس أن تكون ناضجة وتستوعب الدروس وتدرك بأنها فشلت في إدارة المعركة، وأن الصمود هو صمود شعبنا الذي ضحى بكل شيء من أجل أن يواصل بقاءه ووجوده على هذه الأرض. على حماس أن تدرك أن التضحية بالشعب من اجل الموقف الحزبي هي أخطر ما قد يصل إليه أي تنظيم سياسي، فحتى لجنة إسناد من اجل إدارة حياة الناس تحول حماس النقاش حولها إلى كارثة، فهي تريد أن تمتلك الحق في مراقبة أداء الحكومة واللجنة والاعتراض على سياستها. هذا نوع من الزهو غير اللائق وغير الواقعي. مشكلة حماس أنها تريد أن تتخيل ان العالم ما زال كما هو خاصة في غزة مثلما كان في صبيحة السابع من أكتوبر. عليها ان تدرك بأن ليس مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر فقط، بل إن الجسر لم يعد موجوداً من الأساس وأن المياه نفسها جفت وأن الدنيا غير الدنيا.
أعرف أن قيادة حماس تعرف ذلك، ولكن أعرف أن هذا العناد لا يمكن أن يوصف بأي شيء إلا بأنه غير عقلاني وضد مصالح الشعب.
أنا لست ممن يحاكمون السابع من أكتوبر، إذ أعتبره كفعل تجسيد للبطولة الفلسطينية ولقدرة الفلسطيني على اجتراح المعجزات رغم بعض الملاحظات على بعض الممارسات بالطبع، ولكن أيضاً لست ممن يمجدون كل شيء لذاته، بل أقيس الأمور بالمآلات والنتائج، رغم اتفاقي على تأجيل أي نقاش حقيقي إلى ما بعد انتهاء الحرب، لكنني أيضاً مثل كل فلسطيني في أي بقعة في العالم، ولن أقول كفلسطيني فقد قرابة مائتين من أفراد عائلته بمن فيهم والده في الحرب وبيته وكل ما تملك العائلة من بيوت، وعاش ردحاً من الزمن في هذه الحرب وخبِرها ونزح من بيته وعاش في خيمة في رفح، أقول إن الحفاظ على شعبنا في غزة أهم بكثير من أي إنجاز يتم تخيّله، ووقف معاناة شعبنا هو انتصار، لأن لسان حال الناس يقول «بكفّي» وسؤالهم يقول: ماذا تريد حماس وماذا تريدنا أن نفعل حتى تفهم ما نريد؟ الفصيل الذي لا يعرف مقاصد شعبه لن يعرف كيف يمثلهم ولا كيف يدافع عن حقوقهم. القصة ليست مغامرات وشطحات وهتافات وبوستات على الفيس ولا كومنتات على منصة إكس، بل هي شعب يريد أن يبقى ولا يريد أن يترك البلاد، فهل تفهم حماس؟