حرب حزب الله.. تبدد أوهاما وتؤكد حقائق
لم يحقق نتنياهو النصر المطلق على حزب الله ولا على أي جبهة أخرى كما وعد وتبخرت تهديداته بتغيير جيواستراتيجية الشرق الأوسط، كما لم يحقق حزب الله هدفه المُعلن من الحرب وهو إسناد غزة وقد يكون حقق اهدافا أخرى لا علاقة لها بحرب غزة والقضية الفلسطينية ومع ذلك تم التوصل لوقف إطلاق نار والذي بالرغم من انتهاكه المتكرر إلا إنه سيصمد ولن تعود الحرب كما كانت قبل توقيع الاتفاق، فما خلفيات هذا الاتفاق؟
اتفاق وقف إطلاق النار على جبهة لبنان وإن كان في جزء منه جاء نتيجة إرهاق الطرفين وخوف من أن تتحول الحرب لحرب استنزاف ستعظم من خسائر الطرفين لصالح أطراف أخرى، إلا أن السبب المباشر والمُسرِع هو المساومات والصفقات متعددة الأطراف التي لم تتوقف منذ بدء الحرب على الجبهة اللبنانية:
١- صفقة ومساومة أمريكية إسرائيلية بأن تقبل إسرائيل وقف إطلاق النار مقابل تمرير صفقة سلاح كبيرة ومواصلة دعم واشنطن لإسرائيل في المنظمات الدولية وإشراف امريكي مباشر على تنفيذ الاتفاق، وتعهدات بتحقيق مكاسب على جبهات أخرى.
٢-صفقة بين ترامب وبايدن بحيث يطلب ترامب من نتنياهو تمرير هذا الإنجاز لبايدن مقابل تسهيل عملية نقل السلطة لترامب ومصالحه بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ولإحساس الطرفين أن الحرب قد تتحول لغير صالح إسرائيل، أيضا مصلحة مشتركة بتهدئة على جبهة لبنان للتفرغ لجبهات أخرى وخصوصا اوكرانيا.
٣-مساومة وصفقة أمريكية إيرانية بأن تضغط هذه الأخيرة على حزب الله لوقف القتال مقابل وعود أمريكية بإعادة النظر بالعقوبات على إيران وربما تفاهمات في جبهات أخرى.
٤-مساومة وصفقة لبنانية داخلية قادها نبيه بري بين حزب الله وبقية الأطراف اللبنانية المعارِضة للحزب وللحرب لمنع حرب أهلية داخلية نتيجة الدمار ونزوح أكثر من مليون ونصف، وشكلت ورقة ضغط على الحزب للقبول باتفاق وقف إطلاق النار.
٥-صفقة إسرائيلية داخلية بين نتنياهو والمعارضين للاتفاق وخصوصا بنغفير وسموترتش على القبول بالاتفاق مقابل إطلاق يدهم في الضفة الغربية وتمرير
مشاريعهم الاستيطانية في قطاع غزة وخصوصا شماله.
٦-صفقة فرنسية إسرائيلية تقضي بمشاركة فرنسا في اللجنة التي ستشرف على الاتفاق مقابل تراجع فرنسا عن موقفها المؤيد لقرار محكمة الجنايات القاضي باعتقال نتنياهو ووزير حربه السابق.
وفي النهاية فإن ما جرى كشف المستور وبدد كثيرا من الأوهام كما أكد حقائق جرت محاولات كثيرة لطمسها، وفي هذا السياق نقول ما يلي:
١- إن الشعب الفلسطيني هو الحقيقة الوحيدة الثابتة وكل الحروب والصراعات وما يتبعها من تسويات واتفاقات وقف لإطلاق نار أو هدن لا تُلغي هذه الحقيقة، ولن يحدث السلام إلا باستعادة الشعب الفلسطيني حقه المسلوب.
يمكن لأمريكا وإسرائيل الزعم أنهم انتصروا على أحزاب وحركات مقاومة كحماس وحزب الله وحتى على إيران، بالرغم من ان هؤلاء ما زالوا يزعمون إنهم المنتصرون وقد تُطوّع واشنطن المنتظم الدولي وتُعطل فاعلية الرأي العام العالمي وقرارات الشرعية الدولية، ولكنهم لم ولن ينتصروا على الشعب الفلسطيني ولن يستطيعوا إنهاء القضية الفلسطينية، لأن ما جرى من حرب إبادة وتحولات في الرأي العام العالمي زعزع كثيراُ من الأوهام والأكاذيب التي روجتها إسرائيل عن نفسها كقوة لا تُقهر او أنها دولة ديمقراطية مسالمة، كما أن كل ما تعرض له شعب فلسطين في غزة والضفة من دمار وموت لم يزعزع من ثباته على أرضه فهناك حوالي سبعة ملايين فلسطيني ومثل العدد تقريبا من اليهود، فماذا ستفعل بهم إسرائيل؟ بالإضافة الى مثل العدد من الفلسطينيين في الشتات الذين يعترف بهم العالم كفلسطينيين لهم حق العودة لوطنهم الأصلي، أيضا تزايد التأييد العالمي لقيام دولة فلسطينية مستقلة. لذا سيستمر الصراع وسيضطر العدو للتفاوض مباشرة أو من خلال وسطاء عرب وأجانب مع منظمة التحرير الطرف الفلسطيني الرسمي المُعترف به دولياً.
٢- كل ما قاله نتنياهو وقادة اليمين الصهيوني عن قدرتهم ورغبتهم بتغيير جيواستراتيجية الشرق الأوسط كلها تهويل واكاذيب، ليس فقط بسبب ما جرى على جبهة الجنوب بل ايضا لعدم يقينهم من قدرتهم على ضم مزيد من الأراضي خارج حدودهم، فكيف يتأتى لهم ذلك وقد فشلوا في إخضاع شعب فلسطين الذي يعيش تحت سيطرتهم منذ أكثر من 76 سنة؟ وبالتالي سيقومون بدلا من الاحتلال المباشر بإثارة الفتنة والفوضى والحرب الأهلية في دول الجوار كلبنان والأردن وسوريا موظفين مرتزقة جماعات الإسلام السياس، وما جرى في سوريا مباشرة بعد توقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله مؤشر على ذلك.
٣-وهم وأكذوبة أن محور المقاومة ووحدة الساحات الذي أسسته إيران كان من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني ودعم غزة. فعلى غير ما يعتقد كثيرون وما روج له محور المقاومة وخصوصا الطرف الفلسطيني، لم تؤسس إيران محور المقاومة ووحدة الساحات لتحرير فلسطين أو الدفاع عنها وعن المقاومة بل للدفاع عن إيران ومشروعها الفارسي التوسعي في المنطقة وتم استدراج حركة حماس والجهاد الإسلامي له حتى يُبعدوا الأنظار عن طبيعته وتركيبته الشيعية الفارسية، وبالتالي ما جرى على الجبهة الشمالية ان إيران وحتى تحافظ على وجود وقوة حزب الله بعد ما تعرض له من ضربات طلبت من الحزب القبول بفك ارتباطه بجبهة غزة والقضية الفلسطينية. وعليه قد لا يتفكك محور المقاومة ولكن سيستمر كمحور شيعي خالص لخدمة إيران ومشروعها في مناطق أخرى غير فلسطين.