ازدواجية المعايير: وزيرة خارجية ألمانيا في مواجهة درس حقيقي عن حقوق الإنسان
مقالات

ازدواجية المعايير: وزيرة خارجية ألمانيا في مواجهة درس حقيقي عن حقوق الإنسان

الكاتب: خبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان

بغض النظر عن الموقف من أحمد الشرع، فإن رفض مصافحة وزيرة خارجية ألمانيا في هذا السياق لا يتعلق بشخصه فقط، بل بالمبدأ الأوسع: التعامل مع مَن يبررون الإبادة الجماعية ويدعمون الجلاد ضد الضحية. الإدارة الألمانية شريكة في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري في قطاع غزة، من خلال الإمداد العسكري المباشر والدعم السياسي، وأيضاً عبر تقديم دفوع قانونية رسمية أمام الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) لضمان استمرار إفلات الجُناة من العقاب على ارتكاب جرائم دولية.

هذا الانحياز الألماني تجلى بوضوح في تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي بررت استهداف الأعيان المدنية والمدنيين في غزة، بمن فيهم آلاف النساء والأطفال، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. تصريحاتها أثارت استنكاراً واسعاً، أبرزها من المقررة الخاصة للأمم المتحدة المَعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، التي عرّت ازدواجية معاييرها، في حين وصفت الأمم المتحدة ما يجري في غزة بأنه حرب على النساء.

أمّا الادعاء بأن رفض المصافحة يُمثل انتقاصاً من حقوق المرأة، فهو خلط ساذج بين الحقوق الأساسية ينم عن جهل بمبادئ حقوق الإنسان. فحرية المعتقد أو الضمير، كما هي حقوق المرأة، تُعد من الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، ومن حق أي إنسان أن يرفض المصافحة إذا رآها تمس بمعتقده أو ضميره، دون أن يشكل ذلك انتقاصاً من كرامة المرأة أو مساساً بحقوقها. تصوير هذا الموقف كاعتداء على حقوق المرأة ليس سوى محاولة رخيصة لتغطية ازدواجية المعايير بشعارات فارغة، والوزيرة نفسها تمثل إدارة تدعم إبادة آلاف النساء الفلسطينيات دون أن تهتز لها مشاعر أو ضمير.

حينما تتحدث وزيرة خارجية عن حقوق الإنسان، بينما تدعم إدارتها الإبادة الجماعية في غزة بكل أشكال الدعم العسكري والسياسي والقانوني، فنحن أمام نفاق سياسي فج. مَن يدعم إبادة آلاف النساء ويبرر استهداف المدنيين لا يملك الأهلية الأخلاقية للحديث عن حقوق المرأة، فضلاً عن منح دروس في هذا المجال. فالحقوق لا تتجزأ، ومن يخون مبادئها في مكان لا يمكنه الادعاء بحمايتها في مكان آخر.

هذا الرد، سيدة بيربوك، ليس مجرد دفاع عن مبدأ، بل تذكير بأن النفاق السياسي مكشوف، وحقوق الإنسان ليست شعارات تُرفع لتبرير المصالح. نساء غزة اللواتي يواجهن الإبادة الجماعية يومياً هنَّ الوجه الحقيقي للنضال من أجل الحرية والكرامة، وليس مَن يختبئ خلف عبارات جوفاء تُخفي انحيازاً مفضوحاً وعداءً مقيتاً للحق والعدل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.