الضفة في خطر!!
تشهد الضفة الغربية اليوم تصعيدًا خطيرًا يكاد يوازي ما يحدث في قطاع غزة، ضمن خطة إسرائيلية ممنهجة استمرت لعقود طويلة، تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين وتعزيز الاستيطان، تحت غطاء حكومة إسرائيلية تُعد الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الإحتلال والعالم.
ما يحدث ليس مجرد دعاية سياسية أو نظريات، بل هو واقع ملموس تُطبّق فيه سياسات الاحتلال أمام أنظار العالم الذي يلتزم صمتًا غريبًا، بينما تمضي حكومة نتنياهو بخطوات واثقة لتدمير أي إمكانية لبقاء الفلسطينيين على أرضهم.
أصبحت الاقتحامات اليومية للمدن والقرى الفلسطينية مشهدًا معتادًا، حيث ارتفع معدل الهجمات من ثلاث إلى سبع يوميًا، تشمل قتل الفلسطينيين، تخريب ممتلكاتهم، ومنع المزارعين من قطف الزيتون أو حتى دخول أراضيهم. هذه الاعتداءات التي يقودها المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال ترافقت مع زيادة عدد الحواجز العسكرية إلى أكثر من 750 حاجزًا، ما يعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها، ويزيد من معاناة المواطنين.
تزايد الاستيطان في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث ارتفع عدد المستوطنين من 115 ألفًا إلى ما يقارب مليون مستوطن، واحتلت المستوطنات الإسرائيلية ما يعادل 50% من مساحة الضفة. أُقيمت شبكات طرق التفافية ومناطق استيطانية ضخمة تقطع أوصال المدن الفلسطينية، مما يعزل القرى ويحول المناطق الفلسطينية إلى جيوب صغيرة غير متصلة.
قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بإلغاء فك الارتباط عن بعض المستوطنات شمال الضفة، مثل "حومش" و"كاديم"، يُعد خطوة إضافية نحو ضم الضفة بأكملها وفرض السيطرة الكاملة عليها. يعكس هذا القرار السياسة الإسرائيلية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تواجه السلطة الفلسطينية تحديات غير مسبوقة، أبرزها إضعاف المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والأهلية وحتى الدولية خير مثال وكالة غوث وتشغيل اللاجئبت"الأونروا" وتفكيك البنية الاقتصادية والأمنية وحتى البنية التحتية من قبل حكومة الإحتلال. وأضعاف قدرتها على التصدي لسياسات الاحتلال. علاوة على ذلك، قامت الحكومة الإسرائيلية بتجميد التحويلات المالية للسلطة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغط على المواطنين.
هذا الإضعاف المنهجي للسلطة يخدم مصلحة الاحتلال، إذ يجعل من السهل عليه تنفيذ سياساته التوسعية. لكن في المقابل، يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن انهيار السلطة قد يؤدي إلى فوضى عارمة تشكل تهديدًا أكبر لإسرائيل نفسها.
تعتمد إسرائيل على استراتيجية مدروسة لتكريس احتلالها للضفة الغربية. تشمل هذه الاستراتيجية ضم الأغوار والكتل الاستيطانية الكبرى، وتوسيع المستوطنات بشكل يجعل الضفة شبيهة بالمناطق التي احتُلت عام 1948 من حيث الشكل المعماري والبنية التحتية.
الخطط الإسرائيلية تهدف إلى تقسيم الضفة إلى ثلاثة جيوب منفصلة، يُربط بينها عبر طرق خاصة بالمستوطنين فقط، مع فرض تصاريح تنقل صارمة على الفلسطينيين. هذا التقسيم يُلغي فعليًا أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
السياسات الإسرائيلية تُنفذ بثقة غير مسبوقة بفضل التواطؤ الأمريكي والدعم الدولي. منذ اتفاق أوسلو، تمكنت إسرائيل من تخفيف الضغط الدولي عليها، التطبيع مع الدول العربية زاد من قوة إسرائيل في فرض سياساتها الاستيطانية، بينما بقيت القضية الفلسطينية في دائرة الإهمال الدولي.
رغم هذه التحديات، يبقى تمسك الفلسطينيين بأرضهم عاملًا حاسمًا في مواجهة السياسات الإسرائيلية، الضفة الغربية تقف اليوم عند مفترق طرق. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الاحتلال سيمضي قدمًا في ضم الأراضي وقتل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. لكن إذا توحد الفلسطينيون خلف رؤية استراتيجية جديدة، فإنهم قد يتمكنون من إفشال المخطط الإسرائيلي واستعادة حقوقهم المشروعة.
ما يحدث في الضفة الغربية ليس قضية محلية فحسب، بل هو اختبار للعدالة الدولية والإنسانية جمعاء. فالصمت على هذه الجرائم لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها. الوقت حان لتحرك دولي يضع حدًا لهذه السياسات العدوانية، ويضمن للشعب الفلسطيني حقه في الحياة بكرامة على أرضه.