الصين وأمريكا في عهد ترامب: حرب باردة جديدة أم فرص للتعاون؟
بعد فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة، يزداد الترقب بشأن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، خاصةً بعد التوترات المتزايدة في ولايته الأولى. العلاقة بين القوتين العالميتين ليست مجرد صراع تجاري أو تكنولوجي، بل هي صراع شامل يمتد ليشمل قضايا الجغرافيا السياسية وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن حقيقة هذا الصراع تكشف أن الولايات المتحدة تسعى لإضعاف الصين عبر أدوات متعددة، منها الأكاذيب حول حقوق الإنسان ودعم حركات الانفصال، بهدف إبطاء صعود الصين كقوة عالمية.
أولًا: التوترات الاقتصادية – حرب تجارية بأهداف سياسية
شهدت إدارة ترامب الأولى مواجهة اقتصادية حادة مع الصين، تجلت فيما عُرف بـ”الحرب التجارية”. فرضت واشنطن رسوماً جمركية ضخمة على المنتجات الصينية، وردت بكين بإجراءات مماثلة، ما أثر على الاقتصاد العالمي.
• محاور الصراع:
1. العجز التجاري الأمريكي: تُبرر واشنطن تصعيدها بأن العجز التجاري مع الصين، الذي يتجاوز 300 مليار دولار سنويًا، يمثل استغلالًا صينيًا، دون النظر إلى أن هذا العجز يعكس اعتماد الاقتصاد الأمريكي على المنتجات الصينية.
2. سرقة الملكية الفكرية: تُتهم الصين بأنها تستفيد من نقل التكنولوجيا الأمريكي، رغم أن التعاون التقني العالمي جزء من طبيعة الاقتصاد الحديث.
3. السيطرة على سلاسل التوريد: الهيمنة الصينية على إنتاج السلع الرئيسية تُشكل مصدر قلق أمريكي، لكنه يعكس قوة الصين الاقتصادية واللوجستية.
• أهداف خفية:
الحرب التجارية ليست فقط لتقليل العجز التجاري، بل هي جزء من خطة لعرقلة نمو الصين الاقتصادي وتقليل قدرتها على المنافسة عالميا .
ثانيًا: التكنولوجيا – ساحة جديدة للهيمنة
التكنولوجيا أصبحت محور الصراع الجديد بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعمل واشنطن على إضعاف النفوذ الصيني في هذا المجال بكل السبل الممكنة.
• قضايا رئيسية:
1. شبكات الجيل الخامس (5G): النجاح الصيني في تطوير تقنيات الجيل الخامس، وخاصة من خلال شركة “هواوي”، أزعج الولايات المتحدة التي تخشى فقدان سيطرتها التكنولوجية.
2. الأمن السيبراني: تُتهم الصين زوراً بأنها تنفذ هجمات إلكترونية ضد أمريكا، رغم أن واشنطن نفسها تُعتبر الرائدة عالمياً في هذا المجال.
3. الابتكار التكنولوجي: السباق نحو الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية يُظهر محاولة أمريكية لإبطاء التطور الصيني في هذه المجالات.
• أدوات المواجهة:
فرض قيود على الشركات الصينية وحظرها من الأسواق الأمريكية يُظهر أن واشنطن تستخدم نفوذها لعرقلة نجاح الصين التكنولوجي، وهو جزء من استراتيجية شاملة لمنع بكين من التفوق عالمياً .
ثالثاً : الجغرافيا السياسية – محاولات ضرب وحدة الصين
الولايات المتحدة تستغل قضايا داخلية في الصين، مثل هونغ كونغ وشينجيانغ وتايوان والتبت، كأدوات لإضعاف الصين وإبطاء صعودها كقوة عالمية.
• شينجيانغ والإيغور:
واشنطن تروج أكاذيب بشأن “انتهاكات حقوق الإنسان” ضد أقلية الإيغور المسلمة، في حين أن الصين تواجه حركات انفصالية مدعومة من الخارج تهدف لزعزعة استقرارها وضرب وحدة أراضيها.
• هونغ كونغ:
الدعم الأمريكي للحركات التخريبية في هونغ كونغ يُظهر محاولة واضحة لتقويض سيادة الصين وزعزعة استقرارها الداخلي.
• التبت:
القضية التبتية ليست سوى أداة أخرى تستخدمها واشنطن للترويج لانفصال جزء من الأراضي الصينية.
• تايوان:
دعم واشنطن العسكري والسياسي لتايوان ليس بدافع الحفاظ على الديمقراطية كما تزعم، بل هو جزء من استراتيجية حصار الصين وإثارة القلاقل على حدودها.
• أهداف أمريكية واضحة:
كل هذه التحركات تهدف إلى إضعاف الصين من الداخل وإبطاء صعودها كقوة عالمية تهدد الهيمنة الأمريكية.
رابعاً : حقوق الإنسان – ورقة ضغط مفبركة
تستخدم الولايات المتحدة ملف حقوق الإنسان كذريعة لتشويه صورة الصين دولياً ، رغم أن الواقع يثبت أن واشنطن نفسها هي أكبر منتهك لحقوق الإنسان عالمياً .
• الحقيقة المغيبة:
• الإيغور والتبت: الادعاءات الأمريكية بشأن انتهاكات الصين ضد الإيغور والتبتيين هي أكاذيب تهدف لدعم الحركات الانفصالية وليس حقوق الإنسان.
• الحروب الأمريكية: واشنطن تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما دعمت حروب إبادة ضد المسلمين في غزة، أفغانستان، العراق، سوريا، وليبيا، متسببة بمقتل ملايين الأبرياء و بدمار واسع ومعاناة إنسانية.
خامساً : النفط والشرق الأوسط – الصراع على الموارد
تسعى الولايات المتحدة للسيطرة على النفط والموارد الطبيعية في الشرق الأوسط كجزء من استراتيجيتها لإضعاف الصين.
• التدخل الأمريكي في سوريا:
رفض التدخل الأمريكي في سوريا هو ضرورة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. الصين يمكنها لعب دور بارز في رفض تقسيم سوريا ودعم إعادة إعمارها.
• القضية الفلسطينية:
استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياسة أمريكا المتحيزة لإسرائيل تشكل خطراً على استقرار المنطقة. على الصين أن تدعم قضايا الحل العادل وفق القوانين الدولية ورفض التفرد الأمريكي ، و تاريخ المواقف الصينية داعم للحقوق الفلسطينية و العدالة لكل الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال.
• معابر استراتيجية:
التحكم الأمريكي في المعابر البحرية والبرية في الشرق الأوسط يُظهر رغبتها في خنق الصين اقتصادياً وفرض هيمنتها.
سادساً : الحرب الروسية الأوكرانية – فرصة للصين لإظهار دور قيادي عالمي
على الصين أن تتخذ موقفا علنياً وقوياً لدعم روسيا في مطالبها العادلة بمنع توسع الناتو شرقاً . ترك الساحة للغرب وأمريكا يعزز نفوذهم، وهو ما يجب أن تواجهه الصين بالتعاون مع روسيا لتشكيل توازن دولي جديد.
سابعاً : فرص التعاون – التحديات العالمية المشتركة
رغم التوترات، تبقى هناك مجالات يمكن أن تفرض التعاون بين الولايات المتحدة والصين:
1. التغير المناخي: التصدي لتغير المناخ قد يكون مجالًا للتعاون المشترك.
2. الأوبئة والصحة العامة: جائحة كورونا أظهرت الحاجة إلى تعاون عالمي لمواجهة الأوبئة المستقبلية.
3. الاقتصاد العالمي: التنسيق بين أكبر اقتصادين عالميين ضروري للحفاظ على الاستقرار المالي العالمي.
الخاتمة
الصراع بين الصين والولايات المتحدة في عهد ترامب يُظهر أن واشنطن هي الطرف المعتدي الذي يستخدم الأكاذيب وأدوات الضغط لإضعاف الصين وضرب وحدتها. ومع ذلك، فإن الصين قادرة على مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز تحالفاتها الدولية وكشف النفاق الأمريكي، مع السعي لبناء نظام عالمي جديد قائم على التعددية واحترام سيادة الدول.