الموظفون بين صمودهم والقرارات المالية القاتلة
مقالات

الموظفون بين صمودهم والقرارات المالية القاتلة

رسالة لمن يهمه الأمر 

نعلم جميعاً  أن الحكومة الفلسطينية تواجه حصاراً مالياً غير مسبوق، هدفه واضح: تركيع السلطة، تدمير مؤسساتها، ومنع أي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية ، ورغم ذلك، صمد الموظفون المدنيون والعسكريون، تحملوا العبء المالي الهائل، وصبروا رغم أن في ذمة الحكومة لهم ما يعادل رواتب ثمانية أشهر ، لم يكن هذا الصمود سهلاً ، بل كان ملحمة شعبية، حيث تكاتف الجميع، فتحمل الموظف ديونه، واستدان من السوبرماركت والصيدلية والجزار، كما تحملت الجامعات والمدارس عدم سداد الأقساط، وواجه الجميع أعباء الإيجارات والمصاريف اليومية بأقصى درجات المعاناة.

لقد لجأ الموظف إلى كل الحلول الممكنة: استدانة من الجيران، الاقتراض من البنوك، بيع ذهب الزوجة، أو حتى بيع قطعة أرض إن وجدت. هذه ليست رفاهية، بل كانت معركة بقاء في وجه أزمة خانقة مفروضة على شعبنا و حكومتنا ، و رغم  ذلك تأتي سلطة النقد بحل سحري، لكنه في الحقيقة حل مدمر، يقضي على ما تبقى من قدرة الموظف على الصمود.

قروض إجبارية أم خنق ممنهج؟

كيف يمكن لسلطة النقد أن تُجبر الموظف على أخذ قرض جديد لسداد ديونه للبنك، وليس لسد حاجاته الأساسية وإطعام أطفاله وسداد التزاماته الأخرى؟ وكيف يمكن اعتبار خبر استمرار صرف 70% من الراتب بشارة سعيدة، في الوقت الذي لا تكفي فيه هذه النسبة لتغطية الأساسيات؟
إذا كانت البنوك تدّعي أنها وصلت إلى سقفها الأعلى في إقراض الحكومة، فلماذا أصبحت قادرة على إقراض الموظف بهذه السهولة؟ هل الهدف هو نقل العبء من الحكومة إلى الموظف، ليجد نفسه غارقاً في قروض جديدة وفوائد إضافية لا يستطيع سدادها؟

الحل العادل والمنصف للجميع

إن القروض التي اضطر الموظفون لأخذها لم تكن برغبتهم، بل بسبب عجز الحكومة عن دفع رواتبهم في الوقت المحدد، ومع ذلك تحملوا الفوائد ورسوم الشيكات الراجعة ، و من المنطقي والعدل أن تتحمل الحكومة هذه التكاليف، وأن يتم توجيه الحلول المالية نحو إنقاذ الموظف لا إغراقه أكثر.
لماذا لم تُلزم  سلطة النقد البنوك بإقراض الحكومة ما يعادل قيمة قروض الموظفين وسدادها مباشرة للبنوك؟ على أن تتحمل الحكومة الفوائد السابقة، بينما يلتزم الموظف بسداد ما تبقى من القرض فوق قيمة مستحقاته ، هذا هو الحل العادل والمنصف لجميع الأطراف يا سلطة النقد.

مثال : هل يمكنه النجاة؟

كمثال حالة موظف اعرفه ، بسبب هذه الأزمة، اضطر لأخذ قرض بقيمة 187 ألف شيكل من البنك، وقرض آخر بقيمة 56 ألف شيكل من هيئة التأمين والمعاشات، بإجمالي 243 ألف شيكل. هل يعقل أن يُطلب منه الآن أخذ قرض جديد لتسديد هذه المبالغ، في الوقت الذي لا يحصل فيه إلا على أقل من 70% من راتبه؟ هل يمكن لموظف في مثل هذا الوضع أن يعيش بهذه الحل و هذه الطريقة الظالمة ؟

نداء للحكومة: لا تزيدوا الضغط على الموظف الصامد

نحن نعلم أن الحكومة لم تخلق هذه الأزمة، وندرك أنها تحاول إيجاد حلول، ولكن الرجاء التوقف عن اتخاذ قرارات تزيد من خنق الموظفين الذين صبروا وصمدوا، والذين يقفون معكم بكل شموخ وإخلاص ، لا تضغطوا عليهم أكثر، بل ابحثوا عن بدائل تخفف عنهم، لا أن تدفعهم نحو الهاوية.
يجب أن تبذل الحكومة كل جهد ممكن مع الأشقاء العرب والعالم لإنقاذ الوضع المالي الفلسطيني ومنع انهياره ، لأننا اليوم جميعاً  على حافة الخطر، والوضع لا يحتمل مزيدا من القرارات القاتلة.

رجاءً… فكروا بعدل ومنطق قبل أن تتخذوا قرارات تقتل ما تبقى من قدرة الموظفين على الحياة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.