نقل الإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا بدلًا من تهجير الفلسطينيين: تصحيح للظلم التاريخي
في محاولة جديدة للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اقتراحًا ينص على تهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة كالأردن ومصر ، بينما يبدو هذا الحل للوهلة الأولى وكأنه خطوة لمعالجة اثار حرب الابادة التي ارتكبتها اسرائيل بدعم أمريكي كامل ضد شعبنا في غزة ، إلا أنه في الواقع لا يعدو كونه استمرار في جريمة الابادة و محاولة لتمديد الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني ، فالفلسطينيون لم يكونوا يومًا السبب في المشكلة، بل كانوا ضحايا لاحتلال و مذابح استمرت لعقود ، وإذا كان الحديث عن التهجير هو الحل، فلماذا لا يتم نقل الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة أو إعادتهم إلى أوروبا، حيث تعود جذورهم التاريخية؟
مبررات نقل الإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا
1. تصحيح الظلم الأوروبي بحق اليهود
منذ العصور الوسطى، تعرض اليهود في أوروبا لاضطهاد واسع النطاق و لم يكن الفلسطيني جزء من ذلك الظلم ، كان الطرد الجماعي لليهود والتمييز العنصري جزءاً من حياتهم اليومية ، وصولاً إلى محنة المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية، التي راح ضحيتها ملايين اليهود. لكن ما يثير الاستفهام هو أن أوروبا، التي كانت مسؤولة عن معاناة اليهود على مر العصور، دفعت بالأيديولوجية الصهيونية إلى فلسطين باعتبارها حلاً لمشكلتها الخاصة ، و بدلاً من أن تتحمل أوروبا مسؤولياتها التاريخية وتكفل حقوق هؤلاء اليهود على أراضيها، قامت بطردهم و بإجبارهم على الهجرة بسبب الاضطهاد إلى منطقة الشرق الأوسط على حساب شعب آخر ، لذا فإن إعادة الإسرائيليين إلى أوروبا سيكون بمثابة تصحيح لتلك الأخطاء التاريخية التي أُرتكبت بحق اليهود.
2. العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة
الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الحليف الأكبر لإسرائيل، توفر لها دعماً سياسيا واقتصاديا وعسكريا غير محدود ، العديد من الإسرائيليين يحملون الجنسية الأمريكية ولهم تواجد بارز في المجتمع الأمريكي، وهو ما يجعل من المنطق و العدل أن يتم إعادة توطينهم في الولايات المتحدة ، فإلى جانب الدور الذي تلعبه الجالية اليهودية هناك، يمكن أن يعزز هذا النقل من قدرة الاقتصاد الأمريكي على استيعاب هؤلاء المهاجرين، وهو أمر قد يعود بالنفع على البلدين ، فبدلاً من إجبار الفلسطينيين على مغادرة وطنهم، يمكن إيجاد حل يكون أكثر عدلاً للأطراف كافة بعودة الاسرائيليين لاوطانهم .
3. رفض العرب لإسرائيل: دوافع تاريخية وأخلاقية
إن رفض العرب لإسرائيل لا ينبع من أسباب دينية أو عرقية، بل لعدوان اسرائيل على المنطقة و احتلال ارض عربية ، و لسلسلة طويلة موثقة من جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين والعرب ، و منذ إعلان قيام دولة إسرائيل، انتهكت هذه الدولة جميع القوانين الدولية، من خلال عمليات الاستيطان والتهجير القسري للفلسطينيين، بالإضافة إلى الجرائم التي تم ارتكابها خلال الحروب المتتالية ، هذا العدوان المستمر هو أساس الرفض العربي، وتكمن الحقيقة في أن إسرائيل لم تكن فقط سببًا في معاناة الفلسطينيين، بل أيضًا في زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.
الجرائم الإسرائيلية: تاريخ طويل من الإبادة والعدوان
منذ عام 1948، شهد الشعب الفلسطيني العديد من المجازر التي أودت بحياة الآلاف، وتركزت معظم هذه الجرائم في القتل الجماعي والتدمير المنهجي:
• اغتصاب الأرض الفلسطينية: تم طرد الفلسطينيين من أراضيهم بالقوة، وتوطين المستوطنين في مناطقهم.
• مجزرة دير ياسين (1948): قتل خلالها أكثر من 250 فلسطينيًا في قرية دير ياسين.
• مجزرة قبية (1953): استشهد 69 فلسطينيًا وتم تدمير منازلهم.
• مجزرة صبرا وشاتيلا (1982): قُتل خلالها حوالي 3500 لاجئ فلسطيني في مخيمات بيروت.
• حرب الإبادة في غزة (2023): شهدت هذه الحرب الأخيرة أكبر مذبحة في التاريخ الحديث، حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من 50 ألفًا، بينما أصيب أكثر من 150 ألفًا ودُمرت 200 ألف منزل ، بالإضافة إلى ذلك، استهدفت إسرائيل المدارس والمستشفيات، بما في ذلك مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة.
• حرب لبنان (2006): خلفت هذه الحرب مئات الشهداء من اللبنانيين ، ودمرت البنية التحتية اللبنانية ، و هناك غارات و قتل و تدمير داخل الأراضي السورية و العراقية و المصرية .
هذه الجرائم هي جزء من تاريخ طويل من العنف الإسرائيلي الذي لا يتوقف، بل يستمر في تحدي القانون الدولي فهل يقبل العرب بينهم هذا الكيان الغاصب المجرم بحقهم و المستمر بظلمه و مطامعه و لديه خطط لاحتلال دول عربية اخرى بما عرفوه بانها اسرائيل الكبرى .
العرب والمسلمون لم يظلموا اليهود
على عكس أوروبا، لم يكن للعرب والمسلمين مشاركة في الاضطهاد ضد اليهود. بل على العكس، وفرت الحضارة الإسلامية ملاذاً آمناً لليهود في فترات اضطهادهم في أوروبا و على سبيل المثال:
• خلال محاكم التفتيش في أوروبا، لجأ اليهود إلى الدولة العثمانية التي استقبلتهم بكل احترام.
• عاش اليهود في العديد من البلدان العربية والإسلامية في سلام واستقرار، وتمتعوا بحقوق المواطنة والمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
هذا التباين الكبير بين تعامل العرب والمسلمين مع اليهود وبين أوروبا يعكس الفارق في المسؤولية التاريخية تجاه الشعب اليهودي و بناء على ذلك قد يسأل سائل لماذا يجب على أوروبا وأمريكا تحمل المسؤولية؟
1. تاريخ المعاناة اليهودية في أوروبا: أوروبا هي التي كانت مسؤولة عن اضطهاد اليهود، بدءاً من الطرد الجماعي وصولاً إلى المحرقة ( الهولكوست) لذا فإن على أوروبا تحمل مسؤوليتها في تصحيح هذا الظلم التاريخي.
2. القيم المشتركة: الإسرائيليون يشتركون مع الأوروبيين والأمريكيين في العديد من القيم الثقافية والاجتماعية، وهو ما يجعل من إعادة توطينهم في هذه البلدان خياراً منطقيا وأكثر عدلاً ناهيك عن كون تلك الدول وطنهم الام و لدوا و ترعرعوا فيها و يحملون جنسياتها .
3. دعم أمريكي غير محدود: الولايات المتحدة الأمريكية قدمت دعماً مستمراً لإسرائيل على مدار عقود، مما يجعل إعادة توطين الإسرائيليين في أمريكا أمراً واقعياً و ممكناً ، و يخفف على الولايات المتحدة عبء تحمل تكاليف دولتهم و تسليحها و معاداة الامة العربية و الإسلامية .
اقتراح ترمب بتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار لا يعدو كونه استمرار بمشاركة أمريكا في محاولة ابادة الشعب الفلسطيني و محاولة لإطالة أمد الظلم بحق الفلسطينيين ، الحل العادل والأكثر إنصافًا هو نقل الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة أو إعادتهم إلى أوروبا حيث اوطانهم و جذورهم الحقيقية ، العالم بحاجة إلى تصحيح الظلم التاريخي، والذي يبدأ بتحديد المسؤوليات بدقة على كل الأطراف و يقييم الحل الذي يجلب السلام و الهدوء في العالم و يوقف الجرائم و ارهاب الدول .
العرب يرفضون إسرائيل ليس بسبب دينها أو عرقها، بل لأن هذا الكيان يمثل اغتصابا للأرض الفلسطينية، و مرتكباً للمجازر بحق الشعب الفلسطيني، و لتحقيق السلام في المنطقة، لابد من إيجاد حل قائم على العدالة، بإزالة الاحتلال ووقف الجرائم، والعمل على تأسيس مستقبل يضمن حقوق جميع الشعوب في العيش بسلام و للشعب الفلسطيني الحق بتقرير مصيره و اقامة دولته .
فلسطين مفتاح السلام والحرب
يمكن لأي سياسي متطرف مثل ترمب أن يطرح حلولًا تنحاز للأفكار الصهيونية وتكرّس الظلم، كاقتراح تهجير الفلسطينيين أو تعزيز الاستيطان ، ولكن العالم اليوم بحاجة إلى قادة عظماء، يحملون همّ السلام ويسعون إلى حلول منطقية تنسجم مع الواقع.
العقلاء يقولون إن الحل ليس في اقتلاع شعب من أرضه، ولا في شرعنة الظلم والاحتلال ، الحل يكمن في تطبيق رؤية واقعية وعادلة، كحلّ الدولتين الذي توافق عليه المجتمع الدولي لضمان مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء.
السلام الحقيقي يبدأ بإعادة الحقوق إلى أصحابها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ، فلسطين ليست مجرد صراع محلي، بل مفتاح الاستقرار في العالم ، فإذا نجح المجتمع الدولي في إحلال السلام في فلسطين، فإنه بذلك يضع حداً للعنف في المنطقة، وربما يُمهّد الطريق لعالم أكثر عدلاً واستقرارًا.
كما أن الحرب تبدأ من فلسطين، فإن السلام أيضاً يبدأ منها ، ليس الحل في التهجير أو الاستيطان، بل في العدالة التي تُعيد التوازن وتُمهّد الطريق لمستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن والسلام.
إن هذه المعايير المزدوجة التي يتبناها الغرب وأمريكا تكشف زيف ادعاءاتهم بالدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة. كيف يُجرَّم مجرد طرح فكرة تهجير اليهود إلى أوروبا وأمريكا بينما يُبرَّر تهجير الفلسطينيين من أرضهم وقتل أطفالهم بدمٍ بارد؟ كيف يُمنع الحديث عن محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على قتل 16 ألف طفل في غزة، بينما تُهاجَم المحاكم الدولية إذا حاولت إنصاف الضحايا؟ كيف يُوصف المقاوم الذي يدافع عن وطنه ضد الاحتلال بالإرهابي، بينما الجندي الإسرائيلي المحتل يُصوَّر كضحية؟ كيف يُطالبون بالإفراج الفوري عن بضعة أسرى إسرائيليين، جميعهم جنود أُسروا في ساحة المعركة، بينما يرفضون حتى الالتفات إلى معاناة عشرة آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء؟ كيف تمنح “إسرائيل” حق قصف أي هدف في لبنان أو سوريا أو أي مكان بحجة “أمنها”، بينما يُمنع حتى التفكير بالرد على كيانٍ يملك ترسانة نووية ويمارس الاحتلال والتطهير العرقي؟
إنها ليست ازدواجية معايير فحسب، بل شراكة كاملة في الجريمة، ومباركة رسمية لجرائم الحرب والإبادة الجماعية، وتواطؤ مفضوح مع الاحتلال على حساب حقوق الشعوب المضطهدة.