سياسات نتنياهو: تعزيز لقوة إسرائيل أم تسريع لانهيارها؟
منذ عودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، سعى بنيامين نتنياهو إلى ترسيخ صورته كقائد قوي يقود إسرائيل نحو تحقيق أمنها المطلق، معتمداً على سياسة عسكرية قائمة على القوة المفرطة والضربات الاستباقية ، إلا أن استمرار الحرب على غزة، والتصعيد في الضفة الغربية، وتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية، يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل عززت سياسة نتنياهو العسكرية قوة إسرائيل أم أنها أضعفتها بشكل غير مسبوق؟
استراتيجية نتنياهو العسكرية
اعتمد نتنياهو في إدارته العسكرية على عدة محاور رئيسية، أبرزها الضربات الاستباقية ضد المقاومة الفلسطينية، خاصة في غزة، إلى جانب تكثيف عمليات القصف التي تستهدف قيادات المقاومة، بهدف تحقيق “الردع المطلق” ، كما سعى إلى تعزيز التحالفات الإقليمية لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي، إضافة إلى التصعيد في الضفة الغربية وزيادة الاستيطان، في محاولة لفرض الهيمنة الإسرائيلية بالقوة.
ورغم كل هذه الاستراتيجيات، فإن نتائجها على أرض الواقع لم تكن كما أراد نتنياهو، بل أصبحت إسرائيل أكثر استنزافاً وضعفاً ، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً .
رغم الضربات الجوية المكثفة والهجمات البرية، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق اهدافها المعلنة ، على العكس، أظهرت غزة قدرات خارقة على الصمود و الصبر ، سواء من حيث مقاومتها المدى أو تحمل حجم القصف العشوائي باطنان من القنابل و غزة باتت تشكل تحدياً غير مسبوق للجيش الإسرائيلي ، فبعد أشهر من الحرب، بات واضحًا أن الردع الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق أهدافه، وأن المقاومة خرجت من المواجهة و حافظت على بنيتها و قوتها و سيطرتها و حافظت على الأسرى بظروف صعبة و وفرت لهم حياة كريمة ، و ظهرت ان لديها اسلحة و سيارات لم تصل لها قوات الاحتلال و السؤال الكبير ماذا فعلت غير قتل النساء و الأطفال و تدمير البيوت للمدنين و المشافي و المدارس و الجامعات ؟ و ما هي مصداقية هذا الجيش الذي ادعى انه قضى و دمر البنية التحية للمقاومة و قتل كل أفرادها .
استنزاف الجيش الإسرائيلي
إطالة أمد الحرب أدت إلى إنهاك الجيش الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، حيث يواجه نقصاً في الجنود والذخيرة، مع تزايد الخسائر البشرية التي أصبحت عبئاً على المجتمع الإسرائيلي ، هذا الاستنزاف لم يؤثر فقط على الجبهة القتالية، بل انعكس على الروح المعنوية للجنود، حيث ازدادت حالات الرفض للخدمة العسكرية، وتصاعدت الانتقادات داخل الجيش لسياسات الحكومة ، ومع استمرار الحرب دون تحقيق أهداف واضحة، بدأ الكثيرون في إسرائيل يتساءلون: إلى متى يمكن للجيش تحمل هذا الاستنزاف؟
تفكك الجبهة الداخلية: حكومة ضعيفة وشعب غاضب
لم تقتصر آثار سياسة نتنياهو على الجبهة العسكرية، بل امتدت إلى الداخل الإسرائيلي، الذي يشهد حالة غير مسبوقة من التمزق والانقسام ، فقد تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، حيث يحمّل جزء كبير من الإسرائيليين نتنياهو مسؤولية الفشل في تحقيق نصر حاسم، فضلاً عن الارتفاع الحاد في أعداد القتلى الإسرائيليين، مما أدى إلى حالة من الإحباط واليأس داخل المجتمع.
إضافة إلى ذلك، تفاقمت الخلافات السياسية داخل الحكومة نفسها، حتى داخل ائتلاف نتنياهو، حيث باتت الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب تتزايد، وسط تحذيرات من أن السياسات الحالية قد تقود إلى انهيار حكومته. ومع كل يوم يمر دون تحقيق “الانتصار الموعود”، تتعزز احتمالات سقوط حكومة نتنياهو نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية.
الأزمة الاقتصادية: ضربة قاصمة لإسرائيل
إلى جانب التحديات العسكرية والسياسية، تعاني إسرائيل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ربما تكون الأشد في تاريخها الحديث ، فمع استمرار الحرب، تراجعت معدلات النمو الاقتصادي بشكل خطير، وارتفع العجز في الميزانية إلى مستويات قياسية، ما دفع الحكومة إلى طلب قروض دولية وزيادة الضرائب لتعويض الخسائر.
قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، تأثر بشدة، حيث أغلقت آلاف الشركات والمؤسسات أبوابها، وسحبت العديد من الشركات العالمية استثماراتها أو جمدت مشاريعها، خوفاً من حالة عدم الاستقرار ، كذلك، تعرض قطاع السياحة لانهيار كامل، مع عزوف السياح عن زيارة إسرائيل، مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات.
إضافة إلى ذلك، شهد الشيكل الإسرائيلي انخفاضاً حاداً في قيمته، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم، مما زاد الضغوط الاقتصادية على المواطنين ، كما أدى تجنيد أعداد كبيرة من جنود الاحتياط إلى نقص حاد في اليد العاملة، ما انعكس سلباً على مختلف القطاعات الإنتاجية ، وبالتوازي، شهدت إسرائيل هروباً واسعاً لرؤوس الأموال والمستثمرين، الذين باتوا ينقلون أموالهم إلى الخارج، خوفاً من تصاعد حالة الفوضى.
هجرة المستوطنين
شهدت مناطق الجنوب والشمال في إسرائيل هجرة متزايدة للمستوطنين نتيجة لسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار، خاصة بعد الحرب على غزة وتصاعد التهديدات على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية ، فقد غادر عشرات الآلاف من المستوطنين منازلهم في هذه المناطق، حيث طلبت السلطات من 164 ألف إسرائيلي مغادرة أماكن سكنهم، بينما قرر 150 ألفاً آخرون الهروب دون تلقي تعليمات رسمية، وذلك في أعقاب تصاعد التوترات الأمنية ، إضافة إلى ذلك، كشفت معطيات رسمية أن أكثر من 82,700 إسرائيلي غادروا البلاد خلال عام 2024، مع عودة 23,800 منهم فقط، مما يشير إلى زيادة في الهجرة العكسية ، هذه الأرقام تعكس أزمة داخلية متفاقمة في إسرائيل، حيث تزايدت الانتقادات لنتنياهو وحكومته بسبب سياساته التي يراها الكثيرون غير كفؤة في التعامل مع التهديدات الأمنية المتصاعدة، ما أدى إلى فقدان الثقة بقدرة الدولة على حماية مواطنيها واحتمالية حدوث “هجرة أدمغة” تؤثر على القطاعات الحيوية في البلاد.
إسرائيل بين العزلة والإبادة الجماعية
إلى جانب كل هذه الأزمات، تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية متزايدة نتيجة ممارساتها الوحشية في غزة والضفة الغربية ، فبعد المجازر التي ارتكبتها في قطاع غزة، انتقل جيش الاحتلال إلى توسيع دائرة القتل والدمار في جنين والضفة الغربية، في إطار ما يبدو أنه سياسة إبادة جماعية مستمرة ضد الكل الفلسطيني، ولم تعد إسرائيل اليوم مجرد “دولة احتلال”، بل أصبحت كياناً يمارس الإبادة الجماعية بشكل علني، وسط إدانات دولية متزايدة، وعزلة دبلوماسية غير مسبوقة.
هل إسرائيل أقوى أم أضعف في عهد نتنياهو؟
على المدى القصير، قد تبدو إسرائيل قوية بسبب قدراتها العسكرية المتقدمة، لكن الواقع يشير إلى أنها أصبحت أكثر استنزافاً ، وأكثر عزلة، وأكثر انقسامًا داخليا. فالمقاومة لم تُهزم، بل ازدادت خبرة وقوة، والجيش الإسرائيلي يواجه أزمة استنزاف غير مسبوقة، والاقتصاد يتعرض لضربات قاصمة، فيما تعيش الجبهة الداخلية حالة من التفكك السياسي والاجتماعي.
نهاية حقبة أم بداية الانهيار؟
في ظل كل هذه الأزمات التي تعصف بإسرائيل، يبدو أن نتنياهو لم يعد قادراً على تقديم حلول حقيقية، بل أصبح عبئاً على النظام السياسي والعسكري في الدولة التي تفاخر بأنها “القوة التي لا تُقهر” ، فسياساته لم تُحقق الردع، ولم تُحافظ على الاستقرار، بل قادت إسرائيل إلى عزلة دولية غير مسبوقة، وانقسام داخلي حاد، واستنزاف عسكري واقتصادي يهدد وجودها على المدى البعيد.
اليوم، إسرائيل ليست فقط أضعف مما كانت عليه قبل سنوات، بل تواجه أسئلة وجودية قد تحدد مستقبلها. فهل سيستمر نتنياهو في قيادة إسرائيل نحو مزيد من الأزمات والانهيارات؟ أم أن هذه السياسات ستعجّل بنهاية مشروعه السياسي، وربما نهاية المشروع الصهيوني ذاته؟.