خنق الضفة الغربية اقتصاديا توطئة لإنفاذ خطة الضم
مقالات

خنق الضفة الغربية اقتصاديا توطئة لإنفاذ خطة الضم

يتسابق قادة "إسرائيل" وتحديداً من الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة للإعلان أنّ عام 2025 عام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وضمّها الرسمي، ووأد أمل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وقد اكتسبت تلك التصريحات زخماً من فوز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في الانتخابات الامريكية، ومن الواضح أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" قدم رشوة سياسية لوزير المالية وزعيم الصهيونية الدينية "بتسلئيل سموتريتش" باعتبار الضفة الغربية ساحة حرب لضمان أمن المستوطنين مقابل عدم استقالة سموتريتش من الحكومة إثر اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، وهو ما تمت ترجمته عملياً وبشكل فوري من خلال الإعلان عن حملة "الأسوار الحديدية" في شمال الضفة الغربية، إضافة إلى تشدّيد الحواجز في أرجاء الضفة كافّة، ونشر العديد منها، وصولاً إلى (898) حاجز وبوابة تقطع أوصال الضفة الغربية، وتعزل كافة تجمعاتها السكنية، وحتى القروية والبدوية منها، واعداد تجهيزات لوجستية من بوابات، واغلاق مداخل فرعية، وأبراج مراقبة، وثكنات عسكرية، بحيث تستطيع قوات الاحتلال اغلاق وعزل كافة محافظات ومناطق الضفة الغربية خلال دقائق معدودة.

وخطة الضم بالمفهوم الإسرائيلي لا تعني بأي حال من الأحوال ضم المدن أو التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، بل عزل تلك التجمعات وضم المستوطنات والمناطق المصنفة (c) إلى إسرائيل، والتي تشكّل (61%) من الضفة الغربية، وربطها بشبكة طرق وبُنى تحتية متطورة، بحيث تتشابك عضوياً مع المدن الاسرائيلية داخل الخط الأخضر، وتُبقي المدن والتجمعات الفلسطينية معزولة في "كنتونات" ومعازل مقطعة الأوصال، تشّل الحركة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.

وفي سبيل انفاذ خطة الضم، والتي تم صياغة أفكارها منذ العام 2017، تعمل إسرائيل على توظيف الأدوات الاقتصادية من خلال الخنق المُمَنهج للضفة الغربية، عبر مُنظّر الخطة "سموتريتش" مستغلاً سلطاته كوزير مالية، وكوزير مسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وبصلاحيات ودعم من الحكومة الإسرائيلية في طور معادلات وصراع "نتنياهو" المستميت للحفاظ على أركان حكومته، حيث تشكّل الضفة الغربية العصا السحرية بيد نتنياهو لاستمالة الأحزاب المتطرفة للبقاء في حكومته، خاصّة بعد تصدعها إثر وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ومن ضمن أدوات الخنق الاقتصادي، استمرار إسرائيل في احتجاز وقرصنة إيرادات المقاصّة، والتي تشكّل المكوّن الأكبر للإيرادات الفلسطينية، بل وارتفعت وتيرة الاحتجاز والقرصنة، وبلغت في الأشهر الأخيرة حوالي (70%) من إيرادات المقاصّة الشهرية، وتبعا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية، فقد تم في العام 2024، قرصنة واحتجاز وخصم حوالي (5.7) مليار شيكل من إيرادات المقاصّة ما بين خصميات صافي الإقراض، أو احتجاز بدل مخصصات أُسر الشهداء والأسرى، او مخصصات غزة، أو رسوم إدارة مقاصة، وغيرها.

كما ما زالت إسرائيل تعمل على منع العمال الفلسطينيين من العمل في الاقتصاد الإسرائيلي، إلّا عدد يسير منهم وبشروط صعبة، مما يعني وقف دخل حوالي 200 الف عامل فلسطيني، يعيلون حوالي مليون مواطن، إضافة الى حصار المدن والقرى الفلسطينية، مما يعيق حركة التجارة، ويكبد الاقتصاد الوطني تكاليف إضافية،  علاوة على الاقتحامات المتكررة للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، والتدمير المتكرر للبُنى التحتية، وممتلكات المواطنين، مما يراكم ويفاقم من الضغط المالي عليهم، عدا عن إجراءات أخرى مكبّلة للاقتصاد مثل عدم انتظام استقبال عملة الشيكل في البنوك الإسرائيلية، والتهديد بقطع العلاقة البنكية، وغيرها، وخلق مخاطر متعددة لآفاق الاستثمار في الضفة الغربية، إضافة الى إقرار ونفاذ قانون حظر عمل الأونروا، عدا عن الدمار الشامل لقطاع غزة، وكافة مقومات الحياة فيها، وبتكلفة تقديرية لإعمار غزة تصل إلى حوالي (80) مليار دولار.

كل ما سبق أدى الى خنق الضفة الغربية اقتصاديا، وتلقائيا انعكس هذا الخنق على الواقع الاجتماعي والمعيشي، ومن تجليّات هذا الخنق انكماش الاقتصاد الفلسطيني، وتراجع دورة الأعمال، وتبعاً للبيانات الرسمية فقد تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28%، وارتفع معدل البطالة لحوالي (51%)، بالتوازي مع انهيار المنظومة الاقتصادية في قطاع غزة وتراجع حاد في القاعدة الإنتاجية في الضفة الغربية، وتبعا لقرصنة إيرادات المقاصة، فقد تعّمقت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، حيث أدت الأزمة المالية الى تراكم مستحقات الموظفين والقطاع الخاص بشكل مطرّد.

وفي ضوء العرض السابق تتضح استراتيجية الحكومة الإسرائيلية تجاه انفاذ خطة الضم من خلال الخنق الاقتصادي المُمنهج، وخلق واقع معيشي لا يحتمل في الضفة الغربية، مما يدفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية، أو الشعور بالتهديد الدائم، لمنع الاستثمارات، وتكبيل الاقتصاد الوطني، والعمل على تقّويض فكرة الدولة الفلسطينية، ومن هنا تبرز ضرورة ملحّة لاستراتيجية فلسطينية وطنية تكاملية لتعزيز صمود الفلسطينيين، من خلال خطط وبرامج تطبق على الأرض.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.